من أجل مجتمع نظيف ترفرف على جنباته الصحة والسعادة فلابد أن نتعود ونعود أبناءنا على ممارسة السلوكيات الحضارية ابتداءً بالتوجيه ومروراً بالتطبيق وانتهاءً بالمحاسبة والتقييم .. فمتى ما كانت هناك محاسبة ونشر للوعي فلابد وأن نحصل على نتائج تميزنا حضارياً ولا يشترط الاستعجال في قابلية المواطن للتوعية... فمتى ما كانت الجهود صادقة ومستمرة ومركزة على إفهام المواطن بأهمية المحافظة على المكتسبات الحكومية ومدى انعكاس ذلك على استفادته منها فلابد أن تكون النتيجة تلاشي تشويه المرافق وإبراز الوجه المميز للمدينة .. وما ذكرته ليس إلا مقدمة متفائلة لعلي أصل من خلالها لعقل وقلب وغيرة المواطن للتسلح بأشد وأقسى أنواع الأسلحة لممارسة الانحدار الثقافي لعقول العابثين بجمال المدن وأحيائها.. ولعل من أشد أصناف العبث والتخلف (الكتابة على الجدران) نعم إن الكتابة على الجدران تعني التخلف وفقدان الوعي والحس الثقافي .. وقد استشرت تلك الظاهرة وأصبحت من المسلمات الواقعية في أي مجتمع والسبب ترك الحبل على الغارب للعابثين بالتفنن في كتاباتهم ورسوماتهم دون حسيب أو رقيب أو حتى معاتب على تلك الأفعال.. حيث تأذت المساجد والمدارس من كتاباتهم.. وشوهت الحدائق ومرافقها من عبثهم ورسوماتهم الفاضحة .. ولم تسلم محولات الكهرباء وحاويات النظافة ومظلات وكراسي الانتظار من طمس معالمها بالألوان المتعددة وضاعت معالم اللوحات الإرشادية والدعائية والمرورية بسبب الكتابات الهابطة، ولعل من أهم المنطلقات وأنجحها في التغلب على مشكلة الكتابة على الجدران هي أن تكون الانطلاقة من وزارة التربية والتعليم كون العبث صادراً من طلاب المدارس وخاصة المراحل الابتدائية والمتوسطة ولهذا تكون المعالجة حسب ما يلي: 1- أن تتضمن المناهج وبشكل مكثف أهمية الحفاظ على نظافة الأسوار والمرافق مع التأكيد على مدى فداحة تلك التصرفات وتأثيرها على المظهر العام وتشويه فكر من يقوم بها قبل تشويه الموقع بالكتابة. 2- عمل حملات مكثفة لجميع المدارس تتضمن الخروج للموقع وإزالة الكتابات عن طريق الطلاب وبإشراف مباشر من أساتذة المدرسة وعمل حوافز للطلاب القائمين على تلك الأعمال. 3- التأكيد على الطلاب بالتبليغ عن أي طالب أو عابث يقوم بالكتابة على الحوائط بعد تنظيفها أو التي لم يطلها العبث من قبل. 4- تطبيق عقوبات رادعة على من ينتهج أسلوب الكتابة على الحوائط .... وبذلك التوجه نضمن أن الشريحة الكبرى من العابثين سيدخلون دائرة التربية السليمة، والتثقيف المطلوب للقضاء على ظاهرة تعود بهم للخلف بدلاً من النهوض بهم ودفعهم إلى مقدمة الركب، فتخلف كل أمة وراءه تربية خاطئة. أما المنطلق الثاني فهو متعلق بإدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد ويتمثل دورها فيما يلي: تتحمل جماعة مسجد الحي مسؤولية الكتابة على جدران المسجد وملحقاته وعليهم بالعمل الجماعي لمعالجة الكتابات وطمسها عن طريق تعاونهم ومساهماتهم في تكاليف إزالة الكتابات لكونها من قبل أبنائهم وأبناء جيرانهم. على إمام المسجد تنبيه الجماعة وإرشادها إلى ضرورة مراقبة الأبناء وتوجيههم التوجيه الفاضل بعدم المساس والكتابة على بيوت الله وتشويهها بالكتابات الخارجة عن الأدب والوعي وإيضاح ما يترتب على ذلك من محرمات. توجيه وإرشاد الأطفال صغار السن عن طريق رجال الدعوة والإرشاد ومن خلال حلقات المسجد بتوضيح مضار الكتابة على الجدران بالنسبة للمجتمع وعلى المرافق العامة وعلى الفكر البشري. وبالنسبة للمنطلق الثالث فهو متعلق بالبلدية وعليها القيام بطمس الكتابات الموجودة على أسوار المرافق العامة وحاويات النظافة ومحولات الكهرباء الموجودة في الميادين والأحياء من خلال تكثيف عبارات التوعية للقضاء على ظاهرة الكتابة على الجدران وتوزيع اللوحات في المواقع التي يكثر بالقرب منها الكتابة على الجدران والمرافق وكذلك وضع العبارات الهادفة على الجوانب وعلى سيارات نقل النفايات لضمان وصول التوعية لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع.. أيضاً على البلدية استصدار أمر منع مسدسات ا لبوية في مراكز التموينات داخل الأحياء واقتصادر بيعها على مراكز مواد البناء مع التأكيد بعدم بيعها لصغار السن. ونحتاج لإتمام حلقة القضاء على ظاهرة الكتابة على الجدران إلى تفعيل أعضاء المنطلق الرابع والمتمثل في (الهيئة ، الشرطة، الدوريات، المرور، الدفاع المدني، شركة الكهرباء، شركة الاتصالات، فرع المياه).. حيث يتوفر لدى كل جهة العديد من المراقبين والفنيين ورجال الدوريات على مركباتهم وجميعهم يجوبون المدينة لأداء أعمالهم ومهامهم وبإمكانياتهم يمكنهم إدراج رقابة الأحياء والأسوار والميادين من العبث والتبليغ عن أي حالة تسبب تشويه المنظر العام بالكتابة أو العبث بالمرافق العامة.ونختتم منطلقات القضاء على ظاهرة الكتابة على الجدران بتفاعل المحافظة مع التوجه وتبني المحافظ الفكرة والعمل الجاد على تفعيل التوعية و التزام كل جهة بدورها في الحفاظ على المظهر العام مع عمل تقرير شهري توضح فيه النتائج المترتبة على حملة القضاء على تلك الظاهرة المشوهة للفكر والحس الثقافي قبل تشويهها لأسوار المرافق والمنازل .. ولا يكتفي بحملة طمس الكتابات بل إن الأهم هو رفع درجة التوعية والتربية السليمة للطفل مع تشديد عقوبة تجاوز الآداب العامة في ممارسة تلك الظاهرة. وللعلم فإن الكتابة على الجدران هي مخالفة صريحة للأنظمة والمخالف لها يستوجب العقوبة بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (218) في 6/8/1426هـ حيث نصت المادة رقم (5/15) على ما يلي: (إن تشويه جدران الأبنية أو الأسوار بالكتابة أو الرسم أو خلافه أو استخدامها للأغراض الإعلانية) يستوجب غرامة مالية بحد أقصى 500 ريال كما يتم إصلاح الضرر على نفقة المتسبب. ونختم هذا الجزء بالتأكيد على بناء الإنسان وتوعيته من أجل مجتمع أفضل.. فتحويل طبقة الناس من نزعة الهدم إلى نزعة البناء ليس سهلة مهمة وإنما هي المهمة الأساسية في أي تنمية حضارية وبدونها تبقى كل المنجزات غير مجدية ومعرضة للتلف ما لم يكن هناك بناء وتوعية دائمة للإنسان.
|