Sunday 18th December,200512134العددالأحد 16 ,ذو القعدة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

حقّاً.. إنَّها (مُدن تستغيث)..!!حقّاً.. إنَّها (مُدن تستغيث)..!!
حمّاد بن حامد السالمي

* العنوان كله إلا كلمته الأولى، هو للدكتور (سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز)، فقد كتب تحته كلمة جذابة في عكاظ يوم السبت (10 محرم 1426ه)، الموافق ل (التاسع عشر من فبراير 2005م)، ومنذ يوم نشر هذا المقال الذي استوقفني كثيراً، وأنا أنوي الاستضاءة بما فيه، والانطلاق من فكرته وأبعاده، إلى مقال آخر رديف، لا يخرج كثيراً عن وهج أنواره التي شملت الوطن كله.
* بداية.. أستعير من مقال الدكتور (سيف الإسلام) هذه الأسطر القليلة التي ختم بها مقاله.. قال: (عاصمتنا الحبيبة - الرياض - تطلق هذه الأيام إشارات استغاثة لمبدعيها الأجلاء الذين أشادوا لكل نواحي ازدهارها ونهضتها.. إشارات تخبر أن حدود الضوضاء والازدحام في داخل النطاق العمراني لعاصمة العواصم، قد بلغت أشدها، وأن علينا أن نخبر العالم القادم إلينا - كما مواطنينا - أننا عازمون على جعل مدننا آمنة ومبهرة، وأيضاً هادئة).
* الفكرة أيها السيدات والسادة في (مدن تستغيث) هنا، واضحة جلية، فمدن كبيرة مثل الرياض العاصمة، وكذلك مدينة جدة، فيها الوزارات والمؤسسات، وفيها البعثات الدبلوماسية، وفيها من المصانع والمتاجر والأسواق والشركات، والمعارض والوزارات والسفارات والقنصليات، والجامعات والكليات والمعاهد والمدن الصناعية وغيرها، ما يجعلها في قائمة المدن المكتظة بالسكان، الضاجة بالحركة.
فهي وإن بدت في كامل لياقتها العمرانية والجمالية كمدن كبرى، إلا أنها تستقبل الضيوف من الداخل والخارج بشكل شبه يومي، وهي لا تجد وقتها لكي تستمتع بالهدوء، وهي بذلك لا تخفي تضجرها من الازدحام والصخب والضوضاء وضيق الوقت، فهي في هذه الحالة، (مدن تستغيث) لا محالة.
* في المقابل.. فإن هناك مدناً كثيرة في المملكة، تستغيث هي الأخرى، ولكن ليس من كثرة ما بها من مؤسسات وأسواق ومعارض وندوات ومؤتمرات وحركة سيارات، بل من خلوها من ذلك كله أو من بعضه.. إنها تستغيث، لأنها تقبع في عالم من النسيان الذي أضر بها إلى درجة أنها تتمنى أن تحوز شيئاً مما (ابتليت) به المدن الكبيرة، من ضوضاء وصخب وازدحام.. أرأيتم ذلك..؟!
* لم أعد أفهم حقيقة، لماذا تصر وزارات ومؤسسات عامة وخاصة، على جعل مدينتي الرياض وجدة فقط، هما قطبي الحركة في الأنشطة السياسية والثقافية والرياضية والاقتصادية والتجارية كافة، فإذا سلمنا بأهمية وجود مقرات للمؤسسات والمرافق كافة على اختلافها في هاتين المدينتين الكبيرتين، لأن الأولى عاصمة سياسية، والثانية عاصمة تجارية، فهل من الضرورة تبعاً لذلك تكريس ما يدور من أنشطة، وفعاليات وندوات ومنتديات، ومؤتمرات واجتماعات، في هاتين المدينتين دون سواهما من المدن..؟!
* في العامين الماضيين على سبيل المثال، شهدت البلاد عشرات الاجتماعات والمنتديات والندوات والمؤتمرات محلية وإقليمية ودولية، فكانت كلها تقريباً من نصيب الرياض وجدة، على الرغم من وجود مدن أخرى كثيرة مؤهلة لمثل هذه الأنشطة، بل وفي حاجة ماسة للحركة والعمل، فهي تستغيث، لأنها تبحث عن فرص تنتظرها، تنقذها من بوار الإشغال، في فنادقها وأسواقها وتجارتها وثقافتها، فتجدها تذهب إلى مدن تستغيث منها وليس لها..!!
* من المدن المؤهلة لما يعقد عادة في جدة والرياض، من منتديات وندوات واجتماعات ومؤتمرات، حتى الدولية منها، مدينة الطائف، التي تتوفر على منظومة من الفنادق العالمية، وقصور المؤتمرات الراقية، وحتى الملاعب الرياضية الكبيرة، لكنها قبعت في الظل منذ سنوات طويلة، وظلت تنتظر فرصتها في الحركة من جديد.
فالطائف كانت تعرف بمدينة المؤتمرات، فقد شهدت عشرات منها، إقليمية ودولية شهيرة، كان آخرها مؤتمر القمة الإسلامية الثالثة عام 1401هـ، ثم مؤتمر الصلح اللبناني عام 1409هـ، ثم ظلت سنوات وهي ملتقى بترولي لوزراء (أوبك وأوابك)، وفرقاء من اليمن وأفغانستان وغيرها.
* وما عدا المدينتين المقدستين، (مكة المكرمة والمدينة المنورة) اللتين تشهدان ملتقيات ومؤتمرات قليلة، لها طابعها الديني الذي ينسجم مع ما هما عليه من مكانة، وكذلك مدينة أبها البهية، فإن هناك مدناً سعودية هي الأخرى تستغيث اليوم، وتطلب حصصاً تنشيطية مما تستحوذ عليه مدن تستغيث منها، مثل الأحساء، الدمام، الخبر، حائل، الباحة، جازان، ونجران، فكل مدينة من هذه، لها هوية مميزة، يمكن أن تكون مدخلاً لتنشيط الحركة فيها، فالأحساء وحائل زراعيتان، والدمام والخبر صناعيتان، والباحة مثل الطائف وأبها سياحية، وجازان زراعية بحرية، وأظن أن بالإمكان توجيه بوصلة كل نشاط إلى حيث المكان المناسب له، فالتخصص سمة العصر، والمدن مثل الناس، لها هويات تعرف بها، ولها كذلك سمات وصفات وتخصصات، تؤهلها إلى النهوض بأدوار مناسبة في النمو العام دون أن تفقد نصيبها من الأجر والأجرة..!
* الدكتور (سيف الإسلام)، ضرب في مقاله مثالاً بعواصم عالمية هادئة، لا تعرف الصخب ولا الضوضاء، مثل (بيرن) في سويسرا، و(بون) في ألمانيا، وحتى (باريس ولندن) في فرنسا وبريطانيا، يحرص المسؤولون فيها على نقل أشغال المؤتمرات والمهرجانات إلى الأرياف والمنتجعات الساحلية والجبلية والسياحية، بدلاً من العواصم، ليس فقط لتنشيط الحركة التجارية والمالية في المدن الصغيرة، ولكن كذلك للتخفيف على عواصمهم الكبيرة والجميلة، من عوادم السيارات، وازدحام الحركة، وتضجر الناس من الاكتظاظ.
* هذا شيء لافت في بلدان كثيرة، وشيء آخر لافت هو بعث أرياف ومدن صغيرة في دول كثيرة، من المجهول إلى المعلوم، بل المشهور.
فهذه بلدة صغيرة على شاطئ الأطلسي في المغرب اسمها (أصيلة)، استطاع سفير ثم وزير من أبنائها، هو (محمد بن عيسى)، وضعها في قائمة المدن المشهورة في العالم، أن خصص لها مهرجاناً صيفياً سنوياً للفكر والثقافة، ومدينة (مراكش) هي الأخرى، أصبحت مقراً دولياً لملتقيات ومؤتمرات فنية وسينمائية، فلا يختتم مؤتمر في أرجائها، حتى يبدأ آخر، وهذه شرم الشيخ ومثلها طابة وغيرها، على الرغم من أنها مدن صغيرة في سيناء بعيداً عن العاصمة، إلا أنها دخلت نجومية المدن العالمية التي تنظم المؤتمرات، وتستقبل الوفود على مدار العام.
* أكاد أسمع أصوات استغاثة تنبعث من مدينتي (الرياض وجدة)، أن كفانا هذا الازدحام وهذه الضوضاء.. وأخرى من مدن مثل (الطائف والأحساء وجازان ونجران والباحة وحائل)، أن أعطونا مما أعطاكم الله، من ضوضاء وجلبة وازدحام..!!

fax 027361552

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved