قرأت ما كتبه الأخ صالح عبدالله العريني - من البدائع - (في جريدة الجزيرة يوم الاثنين الموافق 19-10- 1426هـ من العدد 12107 السنة 46) فرأيت فيه تعميماً وتثريباً ومجازفة وجرأة على القدح من غير قصد بل جاء من قول القائل (من تكلم في غير فنه جاء بالعجائب) فرأيت من النصيحة التنبيه على ما ورد فيه من ملاحظاتي عليه والله سبحانه من وراء القصد .. وجاءت هذه الملاحظات في نقاط: 1- إن كلمة (الصحوة) أو (جيل الصحوة) لا يفهم منها العموم الذي يوجب أن يكون جيل الآباء والأجداد كان في غفلة وضلال في عقيدته وهذا جيل الصحوة دون أولئك بل في كل زمان غفوة وصحوة وشرة وفترة، ولا يكون جيل وحده يمتاز بالصحوة وآخر يوصم بالضلال والغفلة، وإنما هو اصطلاح له وجه في اللغة ومعنى صحيح في الشرع ولا مشاحة في الاصطلاح إذا كان لا يتعلق به تعبّد في الشرع كما يقال (الاقتصاد الإسلامي - والتاريخ الإسلامي- والأدب الإسلامي) فلا يفهم من هذه الألفاظ العموم بل يفهم منها معنى خاص يعرف بالرجوع إلى تعريف كلٍّ من هذه الألفاظ، ولا يفهم أيضا أن استخدام هذه الألفاظ يعني أن من قبلهم ليس عندهم اقتصاد وتاريخ وأدب، فليت شعري هل فهم من سياق ذلك المقال الذي ذكرت فيه كلمة (الصحوة) التعميم على أن أهل هذا الجيل يمتاز بالصحوة، وآباؤهم وأجدادهم كانوا في غفلة؟ ثم ما أدري ما هذا التكلف الذي عم به الأمة؟ 2- ثم ذكر أن سلفنا كانوا يتمثلون حديث الأعرابي الذي أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أركان الإسلام فقط سبب في دخول الجنة، أقول: هذا حق وعلى العين والرأس، ولكن كانوا يعدون فاعل الكبيرة مع هذا فاسقاً، والغارق في وحل الذنوب والمعاصي غافلاً وإن كان لا يخلد في النار كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة. 3- ثم جعل المبرر لهذا الاصطلاح أن الصحويين - كما زعم - يعتبرون أن ترك الأدعية الثانوية وأذكار الأحوال والمناسبات من الغفلة التي هي عنده تقدح في العقيدة، ولم يعلم أخونا هداه الله أن معنى الغفلة أعم من ذلك، فإنّ من ترك شئياً ولم يعلم به فهو غافل وإن لم يكن هذا الشيء يقدح في إسلامه وإيمانه وتقواه، ومن ذلك قول الله تعالى لرسوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، بل أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالذكر وأن لا يكون من الغافلين، قال عز وجل: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} 4 ثم ذكر أن من آثار ذلك ما يوجد عند الكثير من المغالاة وأن السجع أصبح عندهم من شروط الدعاء حتى وصل الأمر ببعضهم أن حجب صفة من صفات الله عز وجل وهي السمع ثم ضرب لذلك مثلا (بالدعاء المنتشر) (نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يسمع) ثم قال: فكيف بمن يسمع دبيب النملة أن لا يسمع الدعاء؟ .. كذا قال، وأقول: سبحان الله ما في هذا الكلام من مجازفة نشأت عن قلة العلم! - أما هذا الدعاء الذي ذكره فلعمري هو الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم وصححه محدث عصره العلامة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - ومن هنا تعجب من قول الكاتب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل مثل هذا السجع!ثم إنه أخطأ في تفسير (ومن دعاء لا يسمع) بالسماع وإنما المعنى - كما قال شراح الحديث أي لا يُستجاب، ثم إنه هضم للغة العربية فإن معنى (سمع) في اللغة (أجاب)، قال صاحب لسان العرب نقلاً عن سيبويه (يقال: اسمع دعائي أي أجب)، فليس فيه تعرض لنفي صفة السمع الثابتة لله تعالى، كيف وقائل هذا الدعاء هو أعلم الخلق بالله وبما يجب لله وما لا ينبغي له سبحانه وتعالى.
مبارك بن ناصر الصدعان ليلى - الأفلاج |