من المهلكات الغرور: وهو أن يحسن الإنسان الظن بنفسه غافلاً عن محاسبتها ومراقبتها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. قال بعض السلف: إن أماني المغفرة لعبت بأقوام حتى خرجوا من الدنيا مفلسين. وأنواع الغرور كثيرة, ولا ينجا منها إلا اتهام النفس في حال طاعتها بالرياء والعجب، وعدم الإخلاص، وينهاها الهوى, وملازمة الخوف من مكر الله واستدراجه، وعدم الاعتماد على العمل مهما كان، والتبري من الحول والقوة. {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}. وأن يأخذ في الأعمال الصالحة بالمستطاع مع الاجتناب للمعاصي والتوبة في كل حين منها. قال صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري: (سددوا وقاربوا ابشروا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وفضله). وكان فضل الصحابة من المشهود لهم بالجنة يتمنون أنهم لم يخلقوا, ومنهم من يتمنى أنه شجرة أو كبش يرى فيذبح فيؤكل. ولم يغتروا بما وفقوا له وما نالوه، وهكذا فليكن المؤمن. فإن المؤمن يجمع بين الحساب والخوف والمنافق يجمع بين الإساءة..، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. وأيضاً من السلوكيات التي نهى عنها النفاق، فهو مرض خطير وداء وبيل. وهو قسمان: نفاق اعتقادي بأن يتشكك في أموره الآخرة، ولا يصدق ما جاء عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه, وهو مع هذا يصلي ويتصدق ويعمل أعمال المسلمين, لكنه غير حازم بصدق الوعد والوعيد. فهو في الدرك الأسفل من النار لعدم الإيمان، وذلك لقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}. ونفاق عملي: وإذا كثر واستمر قد يجر إلى النفاق الاعتقادي. أعاذنا الله من ذلك كله. الإسلام النفاق العملي: أن يتصف بصفة المنافقين, فإن عجل الله له بالتوبة, والا يخاف عليه أن يجره ذلك إلى النفاق الاعتقادي. ولذلك قال علي كرم الله وجهه: (إن الإيمان يبدو في القلب لمعة بيضاء ثم تزيد حتى يبيض القلب كله, وإن النفاق يبدو في القلب نكتة سوداء، ثم تزيد حتى يسود القلب كله). وقال ميمون بن مهران: إذا أذنب العبد ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع وتاب صقل، وإن عاد زيد فيها، حتى يعلو قلبه فهو الران. قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. وإذا أسودّ القلب عمى وقسا وبَعُدَ عن رحمة الله وضاق عن قبول الحق وعن ذكر الله. بخلاف قلب المؤمن فهو لا يطمئن إلا بذكر الله، لأن الله سبحانه قد شرحه للإسلام. {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. وسئل صلى الله عليه وسلم عن هذا الشرح فقال: (إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح. فقيل: ما علامة ذلك؟ فقال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزوله.. وهذا هو القلب البصير. لا يطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب). ومن بعده تصير النفس مطمئنة, لا تطمئن إلا بطاعة الله, فيحق لها أن تسمع النداء في السكرات، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}. أما القلب الأعمى: فهو لا يشعر بما ينفعه أو يضره في الدار الآخرة, وهو المشار إليه بقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. وبقوله سبحانه: {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد إلا وله أربع أعين, عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه). وكان عمر - رضي الله عنه - يعرض نفسه على حذيفة صاحب السر لأنه يعرف المنافقين، فيسأله: هل فيَّ شيء من علامة المنافقين؟ ولم يتكل على التبشير بالجنة وغيره لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. وللنفاق علامات كثيرة وأهمها خمس علامات؛ الأولى والثانية: ثقل صلاة العشاء جماعة، وثقل صلاة الصبح جماعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين، صلاة العشاء جماعة، وصلاة الفجر جماعة، ولو علموا ما فيهما لأتوهما ولو حبواً). والثالثة والرابعة والخامسة من العلامات في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه فهو منافق. وإن صلى وصام وحج واعتمر، وقال إني مسلم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان). وعن دواء النفاق.. قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان؛ براءة من النار وبراءة من النفاق). وأمراض القلب كلها مهلكات، مثل: سوء الظن بالله وسوء الظن بخلق الله. ومثل: خوف الفقر، وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، وطول الأمل ونسيان الآخرة، والإصرار على المعصية، وغير ذلك.. فمن كان في قلبه شيء منها فقلبه سقيم. ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). أما الغيبة.. قال العلماء: ثلث عذاب القبر، وهي: ذكر أخاك المسلم بما يكره، ولو كنت صادقاً. فإن كنت كاذباً فهي بهتان، وآكل لحوم المسلمين في الدنيا سيأكل في الآخرة مثل تلك اللحوم بما فيها حواياها من الأقدار. والغيبة أعظم إثماً من الربا والزنا, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}. وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا سبعون حوباً: أي؛ إثماً، أيسرها كنكاح الرجل أمه. وأربى الربا عرض الرجل المسلم؛ أي: غيبته). وقال صلى الله عليه وسلم: (من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب إليه يوم القيامة فيقال له كله ميتاً كما أكلته حياً فيأكله ويكلح ويضج). وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة سمعتها النساء في بيوتهن معجزة له صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته). وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تحاسدوا ولا تنافسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك). والتجسس: البحث بلطف. والتحسس: طلب الشيء بالحاسة كاستراق السمع, وإبصار الشيء خفية. وقال صلى الله عليه وسلم: خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير: حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله.. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء). والنميمة من المهلكات أيضاً وهي المحارشة؛ ولو صدقاً وهي نقل الكلام بقصد الفتنة. وقال صلى الله عليه وسلم: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات؛ أي: نمام. وهي حالقة الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخير من درجة الصلاة والصيام والصدقة. قالوا: بلى يا رسول الله. قال إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة)، وهي ثلث عذاب القبر وصاحبها ذو وجهين، قال صلى الله عليه وسلم: من كان وجهان في الدنيا كان له وجهان من نار يوم القيامة. والله أعلم.
|