Wednesday 14th December,200512130العددالاربعاء 12 ,ذو القعدة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الثقافية"

قراءة في ديوان (الإياب)قراءة في ديوان (الإياب)

عن نادي الطائف الأدبي وفي عام 1422هـ صدر ديوان صغير للشاعر دخيل الله الخديدي عنوانه (الإياب). وقبل استعراض قصائد الديوان هناك سؤالان ملحّان:
الأول: هل ديوان الإياب هو أول ديوان يصدر للشاعر.. أم لا؟
السؤال الثاني: هل كان يحسُن بالشاعر أن يستجدي أحد الأقلام النقدية ليكتب له مقدمة أم لا؟
عن سؤالنا الأول نقول: إن كان هذا هو ديوان الشاعر الأول حقاً فهو شاعر واعد نتنبأ له بمستقبل مشرق في عالم الشعر، أما عن الكلمة التي دونها الناقد الدكتور عالي سرحان القرشي في أول الديوان فهي لن ترفع أو تخفض من مستوى شاعرية الشاعر التي سيلحظها الكثيرون حال اطلاعهم على الديوان.
ضم الديوان أربع عشرة قصيدة. نتوقف أولاً عند القصيدة التي اختار الشاعر عنوانها عنوانا للديوان، وهي الإياب - ص 77، وهي على بحر الخفيف المعروف: فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن:


عدْ إلى الرشد واسترد الصوابا
قد سئمنا الغياب يتلو الغيابا
كم شكونا الأيام شعراً ونثراً
وبكينا الأطلال والأحبابا
صاح كم ليلةٍ.. تطاول همي
كم تلقيت في الأمان العذابا
كم تمنيت أن أعود سوياً
لأناجي بشعريَ الألبابا

هم هكذا دائما الشعراء يلومون زمنهم الذي جاؤوا فيه ويتمنون أن يكونوا أسوياء - كالناس - يأكلون ويمشون في الأسواق، لكن أنى لهم ذلك! عندها يلوذون إلى الله ليردّ لهم صباهم وشبابهم حيث براءة الروح وسعادة القلب المغمور بالأحاسيس المرهفة:


الرفاق الرفاق ينتظروني
ربِّ ردّ الصبا وردّ الشبابا
وأعدْ لي براءة الروح تجري
في دمائي كي لا أحس اكتئابا
يا إلهي ردَّ الأماني لقلبي
مدّ لي في رحابك الأسبابا

اللهم آمين.. يا رب العالمين. والشعور المرهف بمرور الزمن سريعا هو نتيجة قلق وجودي يعانيه الشاعر. من هنا وعندما وصل عمره حدَّ الأربعين قال قصيدة بهذه المناسبة، وقال قصيدة أخرى بمناسبة بلوغه الخمسين:


ودع شبابك هذا العمر مرتحلُ
والشيب يا سيدي في الرأس يشتعلُ
مرت سراعا هي الأيام يا رجلا
بالأربعين مع الأحفاد.. تحتفل
تغيرت فيك أشياء عُرفت بها
منها الترانيم والأحلام والغزل
وما تبقى سوى الأطلال من أملٍ
وهل سيغنيك عن آمالك الطّلل
وهل سيغنيك عن عزِّ الصباح حلمٌ
كلا.. ولو أنت بالأشعار ترتجل

أما قصيدة (الخمسون) فقد جاءت على بحر الكامل في تسعة عشر بيتاً. يقول مطلعها:


ما زلت في غيّ الصبابة ترتعُ
ومن الزمان وغدره تتوجعُ

إلى أن يقول واصفاً بلوغه الخمسين عاماً وقد خيّم الشيب في رأسه وأقام:


أو ما ترى الخمسين تفعل فعلها
والشيب خيّم والحقيقة تسطعُ

فيا لهذا الزمان الذي يسرق من الشباب فرحته وينكِّد عليه عيشه!:


هذا الزمان تزاحمت أيامه
فدنت نهايته وغاب المطلعُ
كم ليلة جارت عليك شجونها
فشكت من الهمّ المرير الأضلع
أسقتك كأس اليأس في ظلماتها
وبقيت في دنيا الأسى تتضرع
ناديت: أين العمر؟ أين شبابه؟
أين الطفولة والزمان الأروع؟

ثم لا يلبث الشاعر حتى يسترجع ويعود لائذاً إلى الله حيث سنا الإيمان يبدد ظلام الشك والحيرة:


لك في سنا الإيمان نورٌ ساطعٌ
يجلو الظلام.. فيستبين الموقع
إن ضاق ذرعك بالزمان وأهله
العفو من رب الخليقة أوسع

وفي قصيدة (طلاسم) - ص45 يردّ الشاعر على أولئك الذين تعشقوا الغموض في الشعر حتى لا يكاد يفهمه غير صاحبه. ويصف ما يطالب به هؤلاء شعراءهم بالجهل، وما إبداعهم إلا طلاسم كهّان، بل هو أقرب إلى الشعوذة والتخريف:


يقولون شعبي المزاج وشعره
قريب لأذواق الجماهير واضحُ
يقولون إن الشعر ما كان غامضاً
وإن تباشير الصباح نضائح
يريدون ألغازا بأبراج نقدهم
عليها من المسخ القريب مقابح
لهم في بطون الجامعات مقاعدٌ
وفي كل نادٍ منبرٌ ومسارح

إلى أن يقول واصفاً ما يرونه شعراً وما يراه الشاعر غير ذلك:


طلاسم كهان إذا ما تلفقت
علمت بأن الشعوذات تراوح

ويصف أدعياء هذا الضرب من الإنتاج بالمهابيل:


مهابيل شدُّوا بالجنون رحالهم
وفروا إلى إبليس والعقل جامح
مهابيل باسم الفن في كل حفلة
تكبلهم عند الحديث المقالح
فلا رحم الله امرءاً شدّ أزرهم
فقد كثر الأوغاد والكيل طافح

ونختم هذه القراءة العجلى بالحديث عن غزل الشاعر ونختار لذلك قصيدة (حينما ترجعين) وهي أطول قصائد الديوان بل أروعها، لا لكون الشاعر يتغزل فحسب، بل لأنه صادق فيما يقول؛ يتراءى الصدق في ثنايا أبياته وتراكيب جمله:


ساعديني كي أستعيد صوابي
وأنقذيني من شقوتي وعذابي
وامنحيني الأمان في زمن الخوف
وردّي إليّ ذكرى شبابي
أنقذيني كيما أعود سوياً
إن طيف الجنون يقرع بابي
عذبة الروح فلتمدي إلى القلب
جمالاً من حسنك الوثابي
أنت طوق النجاة من صلف الشد
وأنت الأنيس عند اغترابي
فخذيني إلى رحابك طفلاً
ضاحكاً في تزاحم الأتراب

إلى أن يقول في أواخر أبياته التي تميزت بتدفق العاطفة وقوة التعبير وجمال الأسلوب:


حينما ترجعين أنشد شعري
وأُباري (جرير) و(العتابي)
ويظل (الخيام) جنبي صغيراً
وابن زيدون يرتدي أثوابي
حينما ترجعين اغتال أعدائي
.. وأبني القصور بعد الخراب
وتعود الأحلام من سالف الدهر
.. ويجثو الزمان في محرابي
حينما ترجعين يورق فكري
ويعود المكان فوق السّحاب
وتهب الرياح سكرى من العطر
.. ويدنو الربيع من أعتابي

وحتى ترجع محبوبة الشاعر إليه سنظل نرقب رجعتها ليجود لنا بأعذب الشعر؛ فالفرحة برجوع الحبيب تلهم الشاعر أيضاً.
بدر عمر المطيري
شاعر وكاتب سعودي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved