* المدينة المنورة - محمد الدبيسي: (من أوراق آل الخريجي.. في جوانب من تاريخ المدينة المنورة في العهد السعودي - وثائق وتعريف) بهذا العنوان.. صدر حديثاً كتابٌ يرصد عبر مادته الوثائقية بصيغتها الأولى التي كُتبت بها ملامح من الحياة الاجتماعية بالمدينة المنورة.. في القرن الهجري الماضي, من إعداد..أ.د. محمد يعقوب تركستاني وعبد المجيد محمد الخريجي. وآل الخريجي.. هم الأسرة المدينية العريقة.. التي انتقلت من القصيم إلى المدينة المنورة واستقرت بها.. في أوائل ذلك القرن.. لتؤسس بيتاً تجارياً عُدَّ من أوائل البيوتات التجارية وأعرقها.. ليتجاوز إسهام هذه العائلة, الجانب التجاري والاقتصادي البحت.. إلى التفاعل مع الجوانب الحيوية والاجتماعية الأخرى.. ويُكرِّس اندماجها في المجتمع المديني.. وفعلها الإيجابي في رعاية أكثر من شأن حياتي فيه, كما تفصح عن ذلك هذه الوثائق, التي احتواها الكتاب.. الذي نستبين منه عمق قيم الترابط الاجتماعي, وسمو أخلاقيات التعامل والتكاليف في حياة المدينيين..! وكذا الثقل الاعتباري للأخوين (عبد العزيز ومحمد الخريجي) اللذين أسَّسا ورسّخا وجود هذه العائلة.. وأثريا بجهودهما تماسك اللحمة الأسرية لها.. ومن ثم تأثيرها وتفاعلها مع المجتمع المديني بأسره, وتناغمها معه لتصبح من أهم مكوناته, عبر العديد من الوثائق التي تكشف - إلى جانب قيمتها الاجتماعية - أحوال المجتمع الاقتصادية والثقافية والإدراية. ويُعد الدكتور محمد يعقوب تركستاني - الذي قدَّم للكتاب بمقدمة وصفية قيمية ضافية -، الوثائق (.. جزء مهم من تأريخ المدينة, ليس من الإنصاف أن تُهمل, فهي تعكس جوانب من الملامح الشعبية للمدينيين في الفكر والاجتماع والاقتصاد. ومن أسف أن كتب تاريخ المدينة.. لا تكاد تحفل بغير الأحداث والوقائع التي تتصل بالسياسة, فلم تتناول أحوال مجتمع المدينة إلا لماماً..) وقد احتوى الكتاب على بعض الوثائق التي لا تخص آل الخريجي وحدهم..؟ لكن حرص سليل العائلة عبد المجيد الخريجي, على الاحتفاظ بها ومع وثائق عائلته.. يعطي لهذه الوثائق فيمتها التاريخية والثقافية.. إذ تكاد تجسِّد نبض المجتمع وحراكه آنذاك.. وتمثِّل الصورة الحقيقية لنظام تعاملاته, والثقافة السائدة فيه. إن هذا الكتاب - البانورامي.. ليعد بحق وثيقة اجتماعية وثقافية بالغة الأهمية عن المدينة المنورة, لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. حيث تجلت في مادته.. الصيغة النوعية (الأسلوبية) للمكاتبات الإدراية, الرسمية والشعبية, التي تنم عن الفكر الاجتماعي وأدبيات المجتمع وظروفة المعيشية, آنذاك.. بشكل لا يحتاج إلى زيادة إيضاح..؟ بالرغم من عناية معدي الكتاب بهذا الجانب الإيضاحي, عبر إعادة صياغة نص الوثائق والتعليق عليها, وتوضيح بعض مضامينها, إزاء النص الوثائقي الأصلي لها الذي نُشر بهيئته الأصلية الأولى.. وهو ما يُحفِّز الباحث على استقراء منظومة القيم, التي توجّه الحركة الاجتماعية في إطارها المكاني والزمني.. ولعل يقين معدي الكتاب, بأهمية إعداده وتقديمة للقارئ.. يُقدم للمهتمين بشأن هذه المدينة الطاهرة.. شهادة معرفية على وفاء أبنائها وحسهم الثقافي والأخلاقي الراقي.. الذي يؤزهم للقيام بمثل هذا الصنيع.
|