Sunday 11th December,200512127العددالأحد 9 ,ذو القعدة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

أولادنا (أكبادنا).. تمشي على (الأرض)..؟!!أولادنا (أكبادنا).. تمشي على (الأرض)..؟!!
حماد بن حامد السالمي

* قد رأينا مؤخراً ما وقع لبعض ولدنا من صغار البنات البريئات، فهذه (رهف) ابنة (الستة أعوام)؛ تُضرب وتجلد وتكوى بالنار، ويعكس جسدها البض؛ آثار التعذيب الذي طالها؛ من زوجة أب هي في منزلة الأم وفي مكانها؛ لو أنها قدرت هذا الشرف العظيم.
* وهذه (أحلام) ذات ال(الاثني عشر عاماً)؛ تتلقى صنوفاً من العدوان الوحشي جسدياً ونفسياً، من الأب ومن زوجته - اثنان ضد واحد - ويصبح حقها نهباً بين عدة أطراف؛ كل طرف منهم يدعي وصلاً ب(أحلام)، وأحلام لا تقر لهم بهذا؛ لو أنها ملكت قرارها في المطالبة بهذا الحق..!
* وها هي (وسمية)؛ ابنة (الثامنة)، تقع في حبائل زوجة أبيها هي الأخرى؛ ثم تلحق بركب ضحايا (العنف الأسري) من الأطفال الصغار؛ الذين لا حول لهم؛ ولا طول ولا قوة.
* الصغيرتان؛ (رهف) و(أحلام) من (الطائف المأنوس)؛ قبل أن تقلب زوجات الآباء أنسه وحشة وجفاء..! و(وسمية) من عسير الذي لم يعد عسيراً؛ لولا هذا الذي جرى لوسمية..! وهذا كله يشير إلى طرف خيط طويل على ما يبدو؛ من انتهاك صارخ لحقوق الصغار في المجتمع؛ وهم الطرف الأضعف؛ الذي لا يقوى على المقاومة أو المساومة والدفاع عن نفسه؛ وهو بعض ما ظهر لنا وليس كله، وما خفي عنا في هذا الجانب أشد وأعظم.
* ربما كان الأيتام من الأطفال؛ هم الأكثر تعرضاً لعنف الأهل؛ وخاصة من زوجات الآباء، وأمام حقوق الإنسان في مثل هذه القضايا في المستقبل القريب والبعيد؛ واجبات كثيرة لحماية الأطفال، فهي جهة حقوقية وليست جنائية، ولعل النظر في الأسباب المؤدية لهذا العنف، تسهم في تقديم العون للطرفين؛ الجاني والمجني عليه، فزوجات الآباء قبل أن يكن جانيات؛ كن طفلات صغيرات، ثم كبرن فأصبحن زوجات، وكثير منهن موظفات ومربيات؛ وربما منجبات أيضاً، فالجنوح لاستخدام العنف ضد الأطفال لم يولد معهن، وإنما هو عرض مرضي نفسي بكل تأكيد، ومثلما أن المجني عليه من الأطفال؛ في حاجة إلى حماية؛ ثم رعاية وعناية، كذلك الجاني من هؤلاء الزوجات؛ في حاجة أكثر؛ إلى حماية من الذات المريضة؛ ثم الرعاية والعلاج بعد ذلك.
* حالة العنف هذه؛ تحاط بجملة من أسباب متنوعة؛ فالانفصال بين الأم والأب والحياة في كنف زوجة أب، على رأس هذه الأسباب، فليس كل زوجة أب تستحق أن تكون أماً، كما أن تخلي الأب والأم عن مسؤوليتهما تجاه أطفالهما؛ والركون إلى أم بديلة؛ مثلما يجري مع الخادمات مثلاً؛ أمر شائع في الأسر، وهو من أهم الأسباب التي تعود بالإيذاء للأطفال.
* وينبغي ألا ننسى هنا الحرمان العاطفي، وفقدان مشاعر الأبوة والأمومة، وهذه ربما تعكسها أكثر؛ حالة زوجات الأب الجانيات على أطفاله من زوجة أخرى متوفاة أو مطلقة.
* ومثلما أن تربية النشء؛ ليست فقط في توفير السكن والمأكول والمشروب والملبوس، فهي بكل تأكيد؛ لا تعني الحجر على الأطفال بين جدران الدار، وحرمانهم من أبسط حقوقهم، في الاختلاط بأقرانهم وممارسة ألعابهم وهواياتهم، ومشاهدة وسماع ما يفيدهم، ويلبي حاجاتهم في مرحلتهم العمرية هذه.
* هناك كذلك؛ بعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة فيما يخص التربية، وماذا تعني في أذهان بعض الآباء والأمهات، فيفسرها بعض الناس بالضرب والشتم والقمع ومن ثم توجيه عبارات الزجر والإهانة والوعيد، فمسألة الطفل الإنسان الذي يحس ويشعر ويفكر؛ ويحتاج إلى الرعاية والإحسان والعطف واللطف؛ غائبة في هذه المعادلة غير العادلة.
* لقد جعل المولى عز وجل من الولد عموماً؛ زينة للدنيا فقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، وذلك لفرط حب الوالدين لأبنائهم، وليس تكريهاً فيهم أو تخويفاً منهم؛ كما يظن بعضهم.
* ليس المقام هنا؛ مقام موعظة نزجيها لزوجات أب قست قلوبهن حتى أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة:


إذا قسا القلب.. لم تنفعه موعظة
كالأرض.. إن سبخت لم ينفع المطر

وإنما الكلام على حالات مرضية مؤذية؛ يشترك فيها جناة ومجني عليهم، فالكل في حاجة إلى علاج، لمصلحة جيلي الحاضر والمستقبل.
* إن الأطفال الذين يتعرضون للضرب والتعذيب والقسوة؛ سواء من قبل زوجات آبائهم؛ أو من معلميهم ومعلماتهم، أو من أمهاتهم وآبائهم، هم في الحقيقة أكثر يتماً من الأيتام، بل هم أشد بؤساً وتعاسة من الأيتام، لأن الأيتام يتعرضون للعنف في غياب أهلهم، أما هؤلاء؛ فهم يتلقون العنف من أهلهم مباشرة، أو في حياتهم التي هي أقرب إلى الممات، قال (أحمد شوقي):


ليس اليتيم من انتهى أبواه من
همّ الحياة وخلفاه ذليلاً
فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما
وبحسن تربية الزمان بديلاً
إن اليتيم.. هو الذي تلقى له
أماً تخلت.. أو أباً مشغولاً

* أين نحن من حب الأولين لأولادهم؛ حتى يرى والد مكلوم في ابنه؛ أن نفسه تدفن مع ولده في لحده:


بني.. لئن ضنت عيون بمائها
لقد قرحت مني عليك جفون
دفنت بكفي بعض نفسي.. فأصبحت
وللنفس منها دافن ودفين

* وآخر.. هو (ابن الرومي)؛ تتبدل حياته بعد فراق ابنه وفلذة كبده؛ إلى جحيم مقيم:


ثكلت سروري كله إذ ثكلته
وأصبحت في لذات عيشي أخا زهد

* وهذا (جورج صيدح) الأب المحب الحنون، يقول لطبيب ابنته؛ وكبده يتفطر جزعاً لها:


رفقاً بها.. يا مبضع الجراح
شرحت قلب الوالد الملتاح
إن زدت إيلاماً فضحت تجلدي
وجمعت بين صياحها وصياحي

* قيل: إن رجلاً ضُرب وطُولب بمال، فلم يسمح به، فأخذ ابنه وضرب فجزع، فسألوه عن سبب ذلك، فقال: ضرب جلدي فصبرت، وضرب كبدي فلم أصبر..!
* قال (عبدالعزيز البشري)، وهو يحاول تفسير حبه للولد: أحبهم لأني أحب نفسي، وهم بعض نفسي، بل إنهم عندي لخير ما في نفسي. هم عصارة قلبي، وحشاشة كبدي، وأجمل ما يترقرق في صدري.
* ثم نختم ببيتين من الشعر ل(حطان بن المعلى)؛ ليس بعدهما مثلهما؛ في تجسيد العاطفة الحقيقية للولد. قال:


وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني من الغمض

fax 027361552

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved