استعان بي أحدهم يستشيرني في مشكلة كبرت بينه وبين زوجته حيث تقع المشاكل كثيراً فيما بينهما.. طال النقاش وأثيرت الأسئلة، وانتهت الاستشارة بوعود التغيير، وفتح صفحات جديدة بعد أن وقع معظم اللوم على الزوج باقتناع منه. ما أزعجني في هذه الحادثة كلمة عابرة قالها الزوج أثناء النقاش بدا مؤمنا بها كل الإيمان، لا يقبل النقاش حولها.. كلمة وقعت في قلبي موقعاً أليماً، قال صاحبنا لزوجته: - أنا تزوجتك لهدفين اثنين فقط لا غير الأول: لتنجبي لي أطفالا، والثاني: لتقومي بخدمتي وخدمة أطفالي. يا الله الرحيم! أهذه رؤية رجل متعلم ناضج ومسؤول عن مشاركة المرأة الزوجة في الحياة وشؤونها؟ مجرد دور بيولوجي واجتماعي قاصر لا يتعدى الانجاب والخدمة؟ أذهلني ما سمعت، فلم أعتقد يوماً أن إنساناً في عصرنا الحاضر يؤمن بمثل هذا التصور الظالم عن شقائق الرجال الذي يتنافى مع كل التراث العقائدي والإنساني. لاحظت أيضاً ضمن ما لا حظت انه يشدد على كلمة (أطفالي) وكأنهم ليسوا أطفالاً لها، أو ليس لها حق فيهم! وكأنها مجرد عاملة تسليم (البيتزا) أحضرت الطلب وانتهى الأمر.وترضى المسكينة بالظلم ساكتة لخوفها على أطفالها من التشتت في علاقة أسرية فاشلة، وتنأى عن لقب مطلقة، فالمجتمع لن يرحمها لا هي ولا أولادها، فالمرأة المطلقة مدانة مسبقاً ظالمة مخطئة في كل الأحوال، لذلك ليس أمامها إلا أن تداري زوجها الظالم، وتقبل ظلمه، وتسايرالأمور، وترضى بالقليل، وتتنازل عن حقوقها الإنسانية التي كفلها لها رب العباد، وتكتفي أن يقتصر دورها على إنتاج الأطفال، وخدمة البيت.أين هي العلاقة الزوجية؟ وما دور المرأة الزوجة في التفاعل مع مجتمعها؟ وأين هي العلاقة الزوجية التي قوامها المودة والرحمة بعدما أفضى إليها، وأفضت إليه؟ويبدو أن رجولة الزوج لا تكتمل إلا عندما يفاجئ زوجته بأنه لديه ضيوفا الليلة أو يوم غد، ولا يشعر بالعزة والفخر إلا لأنه لم يعطها أية اشارة مسبقة توحي بهذه المناسبة، معتقداً أن آباءنا كانوا يفعلون هكذا بأمهاتنا، دون تذمر أو اعتراض منهن. تلك والله مغالطة ظالمة فالظروف التي أحاطت بأمهاتنا في الماضي لا تماثل بأي شكل ظروف زوجاتنا الآن، إذ يكفي أن تتخيل حجم البيت، وكم محتوياته، ومستوى نظافته المطلوبة، ومتطلبات الوليمة، وحجم العمل الشاق المطلوب لساعات طويلة من هذه الزوجة الطباخة الشغالة دون جهد منه سوى كلمة (تفضلوا). إن بعض الأزواج يطالبون زوجاتهم بما لا يطاق دون أن يقدموا أي جهد، ناسين أنها تطبخ وتغسل وتكنس وتكوي وترتب وتتابع الأطفال وتدرسهم وتشرف على علاجهم دون كلل أو ملل، فلا يكتفي هؤلاء الأزواج بذلك بل يبلغ ظلم بعضهم حداً بغيضاً حتى أنه ليس على استعداد لحمل شيئا من الأرض أو ترتيب أشياءه الخاصة، أو الإسهام في رفع بقايا طعامه، ويعيش بعضهم في بيوت أشبه بالعشش ليس لقلة المال ولكن لأنه ينفق كل ماله على أناس يتبجح أمامهم بكرمه وقد ترك أهل بيته في مؤخرة أولوياته، فهذه المرأة ليست إلا أداة إنتاج، ولا ضير فيما تأكل هي وأطفالها أو ما يلبسون، ولا أهمية لكيف يتعلمون ففي الشارع متسع للجميع. إضافة الى كل أعمال المنزل فإن بعضهم يطلب من زوجته أن تقوم بحلاقة شعره، وتقليم أظافره، والقيام بخدمته وقتما شاء وحيثما شاء وأينما شاء، بل إن بعضهم لا يخلد للنوم حتى تقوم زوجته بتدليك جسمه ليكتمل الدلال وينام قرير العين. آخر يفتخر أنه يفرض على زوجه ذوقه الشخصي في ملابسها وقصة شعرها ولونه.. حتى عطرها على هواه دون أن يراعي حريتها الشخصية في أدنى حدود المعقول التي سنها ديننا. ولأن الحياة الحديثة تستلزم الكثير من المتطلبات، فلابد من حلول تتناسب مع هذه المطالب، وقد تكون الخادمة احدى تلك الحلول لتكون الشر الذي لابد منه، وإلا على الزوج أن يتنازل عن بعض الأمور الكمالية أو التي لا تعني شيئا كبيراً في الحياة حتى يسهم في تخفيف الأعباء، كما أن مساعدة الزوجة ولو بأقل القليل حتى بالكلام الجميل الذي يرطب الحياة ويساعد على تحمل الأعباء، وللاسف لا تجود نفس البعض حتى بالكلمة الطيبة التي تهون العناء أو على اقل تقدير تجعل للحياة طعماً ونكهة أكثر إنسانية. لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا حتى اصحابه الكرام يعاملون زوجاتهم ونساءهم بهذا الشكل بل رفع رسولنا من شأنها وجعلها احدى ركائز المجتمع، تشارك وتتفاعل ولو حاول أينا أن يستعرض سيرته لوجد للمرأة مكانة لا تعدلها مكانة في المواقف المفصلية في تاريخه العظيم بل في جميع أمور حياته - صلى الله عليه وسلم -. أو ليس هو من قال (رفقاً بالقوارير)؟ أو ليس هو من اقر بأنهن نصف ما حبب إليه من هذه الدنيا بعد العطر؟ لقد رفع الإسلام من شأن المرأة، وللأسف ما زال بيننا من يعيش الجاهلية معتقداً أن الزوجة ليست إلا أمة للإنجاب، وفي أفضل الأحوال هي خادمة - لكن - بدون إقامة.
|