عندما خُلق الإنسان كانت أول مرحلة يمر بها هي الطفولة { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}.. وقد جعل الله لها من الخصائص التي اختصت بها كما جعل ذلك لبقية مراحل العمر أيضاً { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.. وهكذا تتمايز السنون عن بعضها، وإن بقيت بعض الخصائص المشتركة فيما بينها، فالإنسانية مثلا كما هي في الطفل هي أيضا في الشاب والكهل. والطفولة من أجمل مراحل الحياة وأعذبها وألطفها وأكثرها إيناسا، حيث القلب البريء الذي لا يحمل الحقد والضغينة، كما النفس الطيبة الصادقة، فلا تعرف للنفاق طريقاً ولا للشر مسلكاً.. والمحظوظ من استمتع بها ونال سعادتها. بيد أنك أخي الكريم ترى في هذا العصر المادي الذي طغت فيه روح المادة المقيتة وتربعت على كثير من النفوس أنانية جشعة واستهوتهم شهوات عارمة وشخصيات ألهمت كل سوء وتحلت بكل رديء من الأخلاق وخسرت كل جميل من القيم والمبادئ.. صورا من اغتيال الطفولة وقتل البراءة ووأد الرحمة، تتجلى ذلك وتظهر في قصص تسمعها حينا وأخرى تقف عليها وثالثة تقرأ تفاصيلها التي تعبر كلها عن خلل واضح في تركيبة تلك الأسر، ما يجعلها غير مؤهلة للتربية كما يصيرها بيئة للحرمان ومأوى للعدوان. كم هو محزن ومؤلم أن يعاقب الصغير ويجلد كما الحيوان؟ أي تربية تلقاها هذا الأب أو تلك الأم أو ذلك الأخ حتى يجعل أحدهم من ظهر ذلك الطفل ميداناً لعنترياته الشيطانية التي لا تنبئك عن قوة وإنما عن ضعف أوصل هذا الإنسان إلى هذا السلوك المشين؟!. تأمل أخي الكريم في أحكام الإسلام، ثم تفكر في هذا الجمال التشريعي ولاحظ كيف قنن الإسلام قضية الضرب، وكم أحاطها بكثير من التعليمات التي تجعل منه وسيلة قلما يستخدمها المربي إن أراد خيراً وابتغي صلاحا، هذا إن لم يعدم الحاجة إليها. ثم أحط بصرك بذلك الإنسان العظيم وسيرته المباركة وتعامله الفريد.. إنه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يحمل الأطفال ويقبلهم ويحنو عليهم ويداعبهم في صور جميلة تعجز عنها كل نظريات التربية المعاصرة وييأس عن الإتيان بشيء منها كل رواد التربية ومدعوها. إنه تعامل مغيب عن المجتمع فندر أن تسمع لخطيب أو واعظ أو مربٍ حديثا عنه يوليه عنايته، وإن تحدث هؤلاء عن الأولاد فلا يتعدى التحذير والتخويف من إهمالهم والأخذ على أيديهم - هكذا يقولون -، لكننا قَلّ أن نسمع من معلم الابتدائي مثلاً قصصاً عن تعامل المصطفى مع الأطفال يتحف بها طلابه الصغار، ولكننا سمعنا الكثير من أمثال الضرب والعقاب مما أملته ظروف مجتمعية معينة في وقت معين وليست هي نصا شرعيا بل مناقضة له في كثير من الأحيان. إنه لمحزن جداً أن يتحول أناس من أفراد المجتمع إلى طيور جارحة تنقض على أفراخها في غفلة عن أن الأيام دُوَل، وأن الجزاء من جنس العمل، كما أن هؤلاء ليسوا في مأمن من العقاب الدنيوي الذي يجب أن يطالهم وينالهم. إنه من العجب أن يتناقل أفراد المجتمع شيباً وشباباً كل مفردات العقاب الحسي والمعنوي، ويتواصون به في مواجهة كل رغبة مكبوتة لدى طفل أو سلوك بريء عند يتيم محروم أو فرحة لم تكتمل عند صغير مكلوم؟ فيتعلم بعضهم من بعض كيف يعاقب الطفل وكيف يضرب وكيف يجلد أكثر من تعلمهم - هذا إن تعلموا - كيف يحترم وكيف يقدر وكيف يحسن إليه!!.. إنهم أفراد ينظرون إلى الأطفال على أنهم جمادات لا روح فيها؛ لذا جعلوا من البيت سجناً لا ترى فيه الابتسامة ولا تسمع فيه الكلمة الطيبة الحانية والتوجيه الصادق الهادف ولا تلمس فيه النفس الرحيمة، كما جعلوا من المدرسة شبحاً مخيفاً يرتبط في ذهن الطفل بالعصا والتوقيف والإهانة وكل قاموس المنع والتحذير والتخويف أكثر من ارتباطه بالكتاب والحاسب والمعمل والمكتبة والاحترام والتقدير وتنمية المهارة والسلوك. إن هذه الصور حرمت كثيرا من أبناء المجتمع التمتع بالطفولة كما هي، فنشأ من اجل ذلك تمرد الأبناء، وتشكل في صور من العقوق لم يألفها المجتمع، واستعصى الحل وتشابكت أطراف القضية.. فالشاب ينشأ وهو حاقد على مجتمعه، فلا تسأل بعد ذلك عن أفعاله وأعماله.. وهذه بضاعتكم رُدّت إليكم. عذراً أخي الكريم على الركاكة في أسلوب هذه المقالة وعدم الترابط في أفكارها، ولكنها صورة الطفلة (رهف) التي لن أنساها ما حييت، والتي أعلم أن لدينا أكثر من (رهف) يتولاهم الله بأمره ويحيطهم برحمته.. وإن غدا لناظره قريب.
|