* الرياض - حمود الوادي - محمد الفيصل: نختتم معكم هذا اليوم ما تبقى من أوراق العمل التي قدمت في ندوة (الإعلام والحوار الوطني) التي تابعنا نشرها خلال الأيام الماضية سعياً منا لإطلاعكم على ما دار خلال هذه الندوة، وما قدم فيها من آراء ومقترحات وإن تباينت واختلفت فإنها في النهاية تصب جميعها في مصلحة الوطن والمواطن. وتحت عنوان (الصحافة والحوار الوطني: الأدوار المتبادلة ابتدأ سليمان عبدالعزيز العقيلي مدير تحرير صحيفة الوطن بالرياض ورقته بالقول: لأن الحوار عملية اتصالية فقد ارتبط ارتباطاً كبيراً بالإعلام، ولهذا الأخير تأثير ايجابي أو سلبي على توجيه الحوار، حسب طريقة تدخل وسائل الإعلام. وكون الثقافة السعودية ثقافة محافظة ومتحفظة. فقد نظر في البداية منظمو الحوار لوسائل الإعلام باعتبارها مؤثر سلبي على مناخ و نتائج الحوار. لكن هذه النظرة تغيرت بفعل تطور الحوار الوطني فيما بعد. وأصبح الحوار مؤثرا على تطور الطرح الصحفي. كما بدت الكتابات الصحفية وقد ساهمت بشفافية وجرأة الحوار الوطني. ******* واضاف: لقد نحي الإعلام عن الحوار الوطني في الدورة الأولى تنحية كلية. ولم يسمح لأي من وسائل الإعلام بالاقتراب من مقر الحوار الذي عقد في مكتبة الملك عبد العزيز العامة. وتم التعامل مع وسائل الإعلام عبر بث نص البيان الختامي من خلال وكالة الأنباء الرسمية. لكن ما هي الأسباب التي جعلت من البداية بهذه الخشونة مع الإعلام: 1- اتسمت الدورة الأولى من الحوار الوطني بطابع ديني وجاء الحرص على ردم الهوة بين مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية في البلاد أولوية قصوى للمنظمين. باعتبار العامل الطائفي المحرض الرئيس لنردي العلائق الثقافية والصلات الوطنية بين السكان والمهدد لوحدة المجتمع. ونظراً لحساسية النقاش الديني خاصة عندما يخوض في الجامع والمفرق والثابت والمتغير، فانه قد يكون له تأثير عاطفي على جمهور الاتباع والمقلدين. لذا نحي الإعلام عن نقاش الدورة الأولى التي سيطر على جزء كبير منها العلاقات الطائفية بين مكونات المجتمع. 2- لم تكن - على ما يبدو - لدى المنظمين في البداية سياسة إعلامية محددة للقاء الوطني للحوار الفكري. لأسباب عديدة قد يكون منها أن فكرة الحوار كانت ملحة وجاءت سريعة استجابة لظرف سياسي وحاجة وطنية. مما جعل التعامل مع الإعلام يتم في البداية بالطريقة التقليدية التي يتم بها التعامل مع المصالح العليا للوطن؛ وهي السرية. 3- أخذت وسائل الإعلام على حين غرة، ولم يسعفها الحدث المفاجئ (وهو هنا الحوار الوطني) على استنباط الطرائق الناجعة للتعامل مع الحالة الثقافية الجديدة. واعتمدت في البداية على التسريبات الحذرة. بعد أن قلب الانترنت المجن على الصحافة المحلية وأحرجها أمام الرأي العام عندما نقل بعض القصص من داخل الحوار الوطني. جاءت التسريبات الأولى عن رفقة مشوار بين رمز الصحوة الدينية السلفية سلمان العودة ورمز اليقظة الدينية الجعفرية حسن الصفار. وأشعل الحدث الهام الرومانسية الوطنية التي اعتبرته أول نتائج الحوار الذي ابلج بعد أيام قليلة عن نتائج مبهرة على الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية. فتحت الباب واسعاً أمام حديث الإصلاح السياسي، حيث مثل الحوار الكوة الأولى لمناخ الانفتاح السياسي، بعد عقود من الرتابة السياسية التي اختصرت تعاطي السياسة بالسلطة. انعكاسات الحوار على الصحافة فيما كانت الصحافة تتلمس طريقاً جديداً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 اتسم في مجمله بنقد الذات والبيئة الثقافية. جاء الحوار الوطني ليعزز الجرأة الحذرة للصحافة المحلية ويدفع النهج الجديد بمزيد من الزخم. لقد تطورت التغطية الصحفية للحوار الوطني. واتسع الاهتمام الإعلامي بالحوار، وتدفقت مزيد من التفاصيل إلى دور الصحف من داخل قاعات الحوار الوطني في دورته الثانية بمكة المكرمة. ونشرت التباينات والاختلافات بين المتحاورين. ولجأ بعض أعضاء الحوار إلى إعلان مواقفهم من خارج قاعات الحوار في مساندة واضحة من بعض المثقفين لدور أوسع للصحافة. وواكب ذلك قيام لجنة التنظيم بإذاعة بيانات صحفية بعد كل جلسة، لكنها مختصرة وخجولة وحذرة ولم تعكس حرارة النقاش داخل القاعة. وجاءت هذه البيانات، استجابة لشكوى مريرة بثها كتاب الأعمدة ورجال الإعلام من التكتم الشديد في الدورة الأولى. لكن عامل الاقتحام الصحفي الذي عمد إليه المحررون الصحفيون في الدورة الثانية بمكة المكرمة وتسابقهم نحو إذاعة ونشر تفاصيل الجدل الساخن داخل القاعة، جعل من الصحافة لاعب أساس في الحوار الوطني. بعدها عين مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ناطقا رسميا في الدورة الثالثة بالمدينة المنورة التي خصصت لدور المرأة. واتفق مع قناة (العربية) على برنامج يومي يلخص النقاشات اليومية. وكان ذلك فتحاً كبيراً بالفعل للحوار الوطني اظهر مدى العزم على الشفافية الفكرية وبالتالي السياسية. في الدورة الرابعة التي عقدت بالمنطقة الشرقية وخصصت لقضايا الشباب دعا المركز الوطني للحوار الوطني عدد من كبار الصحفيين من نواب رؤساء التحرير ومديري التحرير والكتاب لمراقبة النقاشات من الداخل في توجه أكيد لإنهاء سرية النقاشات. لكن شهية الصحفيين للكتابة بدت تقل بل وتفقد بريقها. وكأن الصحفيين يستمتعون باختراق الجلسات السرية. إن الصحفيين وكتاب الأعمدة أولوا الحوار الوطني اهتماماً شديداً منذ البداية وبدت الكتابة عن الحوار وكأنها اكتشاف للبارود. تثير شهية جميع الصحفيين والكتاب. وتجلت عبقرية الخبر والتحليل الصحفي في التعامل مع الحوار الوطني الذي نظر له وكأنه اكتشاف للبارود. أنه يمكن القول بأن الحوار الوطني قد أثرى العمل الصحفي ليس فقط بالموضوعات التي كانت شبه محرمة سابقاً. وإنما أيضا بجرعة جديدة من الجرأة في مواجهة القضايا الوطنية، وهو ما ينبغي أن يدين به الصحفيون للحوار الوطني. انعكاسات الصحافة على الحوار الوطني كان الحوار الوطني في البداية فكرة شبه حكومية. وككل الأفكار الحكومية في البلدان النامية تنمو الأشياء نمو النخلة وتسير سير السلحفاة. لكن قضية وطنية تخص ترابط الجماعة الوطنية وانسجام أفرادها. لم يكن في الحقيقة شأناً حكومياً. بل قضية وطنية تخص جميع الكتاب والمفكرين والإعلاميين وحملة الأقلام. فتحول الحوار إلى حق شخصي عوض إن يكون رفاهية تخص النخبة. وفيما كان ينظر للحوار بمحدودية في الأفق السياسي على ما يبدو - حيث تبدو نتائج الحوار كخط حصانة متأخر في المناعة الوطنية. دفعت الصحافة في كتاباتها ومتابعاتها للحوار لكي يكون قضية وطنية. كما كرست مشروعية الحوار الوطني كمكون أساسي للمشاركة السياسية. واعتبار توصياتها تمثل مشروع عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع. بل وطالبت الصحافة أن تتخذ توصياته صفة الإلزام للدولة والمجتمع، وما يتعدى في واقع الأمر دور مجلس الشورى. إن الحوار الوطني ما كان له أن يتطور ويأخذ شكلاً مؤسسياً إلا بالتحشيد الذي قامت به الصحافة. والتي عبرت عن رغبة شعبية في أن يكون الحوار الوطني منظومة ليست ثقافية فحسب. بل وسياسية أيضا. ويمكن اعتبار بعض الكتابات الصحفية التي خرقت التابو السعودي قبل سنوات قد مهدت السبيل للحوار الوطني أن يكون فعالاً. وأن يكون سياسياً بامتياز أيضا، باعتبار أن الفكر قادح للفكرة السياسية الوطنية. قد تكون بعض الكتابات الصحفية قد أوجعت بعض منظمي الحوار الوطني، كما قد كهربت بعض موضوعاته، لكنها في حقيقة الأمر الأم وصدمات من نوع نبيل يولد مخاضاً فكرياً ويدفع بمشروع وطني إلى أقصى ما يمكن أن يبلغه الحوار لصالح الوطن والأمة. حيث قال صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة). وبالنقد الساخن للصحافي، والفكرة الخلاقة للمفكر. والحوار بين الجميع تصقل الأفكار الوطنية. في عملية اتصالية إنسانية مهمة للفرد والمجتمع والدولة. *** ثم قدم أ. جميل الذيابي المدير العام لتحرير صحيفة الحياة في السعودية والخليج ورقته التي عنونها ب(الصحافة والحوار الوطني) قال فيها: الصحافة هي خير أداة لتنوير عقل الإنسان، ولتقدمه ككائن عاقل أخلاقي واجتماعي (الرئيس الأميركي الأسبق جيفرسون) بالنظر إلى ما يحدث من تطورات شاملة في جهات العالم كافة، وأمام الهجمة العولمية الساحقة، لا يمكن اليوم حصر دور الصحافة في نقل المعلومات والأخبار فقط، أي أن دورها يسهم إسهاما فاعلا في العملية الإصلاحية. فكل المؤسسات الصحافية تهدف إلى تجاوز دور الناقل فحسب إلى الفاعل والمؤثر والموجه في كثير من الأحيان، وكل ذلك يتخذ صيغا وأشكالا عدة، ومنها الترويج لمبادىء حرية التعبير عن الرأي، وإفشاء ثقافة التسامح واحترام الرأي الآخر، في إطار حوار شامل تأخذ فيه كل شريحة مساحتها التي تستحقها من دون نقصان. وتظل الصحافة عنصرا مهما في التحرك الاجتماعي الفاعل، نحو التطوير والتحديث ونحو مزيد من الانفتاح والحوار القائم على حرية الرأي والتعبير وعلى المشاركة الشعبية الواسعة، في طرح الرؤى ورسم الخطط ومتابعة تنفيذها. الصحافة في لحظة مجتمعية حاسمة في ظل التوجه المطرد نحو الانفتاح على شرائح ومستويات المجتمع السعودي باختلافها, والذي يجيء كرد فعل ناجم عن التحولات الدولية الكبرى, كمنطلق متين لإصلاحات شاملة, تتبدى أهمية الصحافة أكبر وأعمق مما هي عليه في السابق. فلا شك في أن هناك أهمية كبرى للصحافة اليوم في تبني ثقافة وقيم الحوار الوطني وإفشائها. ومن البديهي القول: إن الصحافة هي السلطة الرابعة, كما توصف دائما, نظرا إلى ما يفترض أنها حققته من إنجازات حيوية, جعلتها تتبوأ مكانتها ليس فقط كسلطة إنما أيضا كمنبر حر للنقاش والتعبير عن الرأي, أيا كان الرأي, سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا أو دينيا. لكن الصحافة قد تنقلب بوعي أو من دون وعي إلى وسيلة من وسائل التضليل إذا تحولت إلى مجرد دعاية وتلميع فليس خافيا أن عددا من المؤسسات الحكومية أو الخاصة تحاول جاهدة استمالة الصحافيين وإغرائهم, ما يعني غض النظر عن العيوب والمآخذ في أداء هذه المؤسسات. وهو ما يتعارض مع جوهر العمل الصحافي النبيل. وكما يقول أدولف أوخس, من نيويورك تايمز: (الصحافة مهنة لا تستميلها الصداقات, ولا يرهبها الأعداء, وهي لا تطلب معروفا ولا تقبل امتنانا, إنها مهنة تقضي على العاطفة والتحيز.. مهنة مكرسة للمصلحة العامة, ولفضح الألاعيب والشرور وعدم الكفاءة في الشؤون العامة.. مهنة شعارها المرشد هو: (ليكن هناك نور). ومن هنا تبرز مهمة الصحافة شاقة وعلى مقدار كبير من المسؤولية, خصوصا عندما يناط بها مهمة تنوير المجتمع, وتربيته على قيم الحوار والتعددية, وجذب المتلقي للمشاركة في نقاش القضايا الوطنية المصيرية. ويظل المتلقي هو الغاية والهدف, فأية مادة صحافية لن تكتمل فاعليتها ولن تؤدي الهدف منها إذا لم يتلقاها قارئ ما. فمن المهم أن يكون هناك من يتلقى الرسالة, وأن يتم فهمها واستيعابها. وأعتقد أن الصحافة المحلية تمتلك اليوم الإمكانات كافة, التي تؤهلها للاضطلاع بدورها على أكمل وجه. الصحافة والحوار الوطني إذا كان تحقيق الرفاه الاجتماعي وتقدم المرأة في ميادين العمل كافة, والتقاء جميع أطياف المجتمع على طاولة واحدة وعلى قضية واحدة, بات ضرورة ملحة لا غنى عنها, من أجل وطن متماسك, فان كل ذلك لا يمكن له التحقيق في الشكل المأمول من دون صحافة حرة تلعب دورها وتتحمل مسؤوليتها. ويمكن القول إن الصحافة لعبت وتلعب دورا بارزا في تجسيد ثقافة الحوار, من منطلق السعي إلى تطوير مناخ وطني شامل يتحاور في صنعه جميع أطياف المجتمع. ومما لا شك فيه أن الصحافة استطاعت أن تتحول إلي فاعل أساسي في الحوار الوطني أو هكذا يجدر النظر اليها, انطلاقا من دورها في تنبيه, وإشاعته في المجتمع كله, من خلال ما تقوم به من وظائف عدة, مثل: تعبئة الرأي العام حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الملحة, والتواصل مع ما يحدث في الخارج من تحولات. غير أن قيم الحوار التي تحاول الصحف نشرها, كلما ارتكزت على الموضوعية وعلى الوضوح وعدم الخلط, وفي موازنة بين هامش الحرية المتاحة للصحافة وضروريات المجتمع, كلما كان ذلك أدعى إلى تحقيق ما نصبو إليه جميعا حكومة وشعبا. ومن الطبيعي القول: إن طبيعة المرحلة الراهنة تقتضي فاعلية صحافية كبيرة, ومن دون هذه الفاعلية ستظل قيم الحوار محدودة بحدود المساحة التي تتحرك فيها الصحافة فالصحافة المسؤولة التي نصب أعينها النزاهة والموضوعية, أصبحت اليوم مؤشرا أساسيا, تقيس به الدولة مستوى التعاطي مع سياساتها وتوجها في إرساء عهد جديد, تحكمه قيم الحوار والمشاركة الوطنية. خطوات عملية باتجاه الحوار والتعددية من وهلة أولى, أخذ مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لدى الصحفيين وشريحة واسعة من المتهمين, صورة واحدة من المؤسسات الثقافية والفكرية, أي أن المركز في كثير من مناشطه كان هو إحدى المؤسسات ذات النشاط المنبري, من حيث إقامة المناشط كالندوات والمؤتمرات, في حين أنه ينبغي عليه أن يتجاوز ذلك إلى خطوات عملية ينتهجها, أي أن يدخل البيت والمدرسة ومقار الموظفين ومؤسسات الدولة, وألا يكتفي بالمحاضرات وورش العمل في أوقات بعينها، نتمنى لو يستمر نشاط المركز قائما طوال العام وبخاصة في الصيف, لا ليقطع الفرص على بعض المراكز الصيفية التي تدخلت كثيرا في وعي وتفكير الكثير من الشباب, إنما ليقدم دروسا وإضاءات واسعة لمفهوم الحوار على نحو عملي مبسط وغير سطحي في الوقت نفسه، وأن يكون برنامجه مرنا ومفتوحا وغير معقد ويستوعب المستجدات وما يطرأ فجأة من قضايا وإشكالات فكرية واجتماعية وسواهما. ولعل ما يمكن ملاحظته على علاقة الصحافة باللقاءات الأولى للحوار الوطني, إن الصحافي نفسه كان يغيب عنه مفهوم واضح للحوار الوطني, إذ بدا من وهلة أولى أن مصطلح الحوار ناهيك بالوطني, غريبا على مسامع الصحافي, وغير الصحافي إذا شئنا الحقيقة بدت المفاهيم التي تطرحها ندوات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني, غائمة ويصعب تحديدها من جلسة أو أكثر, إلى درجة أن هناك من الكتاب والمحللين من شكك في أن القائمين على هذه الندوات يعرفون على نحو دقيق عم يتكلمون, ولربما معهم بعض الحق. لكن مع مرور الوقت وتعاقب اللقاءات وورش العمل, بدت مصطلحات الحوار الوطني وما ينجم عنها من مفردات كالتسامح والتعددية والرأي الآخر, مما لم يكن لها وجود في السابق تتضح شيئا فشيئا. فيما مضى كان الصحافي يذهب إلى الندوة, وليس في أجندته ملاحظات أو استفسارات يبحث لها عن إضاءة. وكأنما يذهب إلى ندوة هي الأولى من نوعها. لكن اليوم أعتقد أن وعي الصحافي ينضج أكثر فأكثر بخصوص الطروحات الجديدة, وصار يمتلك معرفة لا بأس بها حول ما يطرح في قاعات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. وما كان لهذا الوعي أو لذلك الفهم لدى الصحفيين أو الصحافة أن ينضجا, من دون نضوج مواكب أو سابق للمفاهيم نفسها عند المركز نفسه الذي يقوم بتبنيها وطرحها, أي كانت هناك إضاءة متبادلة, بين المركز والصحافة حول طبيعة وشكل الحوار الوطني والمسارات التي أخذها في ما سيق, وما يتفرع عنها الآن. فيما سبق لم تكن الصحافة تستوعب حوارا يدور بين سني وشيعي, مالكي أو صوفي, لكن اليوم أصبحت هذه المفاهيم مفردات أساسية في قاموس الحياة اليومية, بل إن هذا القاموس يستوعب مفردات ومصطلحات جديدة كمصطلح (الآخر). أخيراً لابد من التصدي لأي عراقيل تعوق الدور التكاملي بين الصحافة والحوار الوطني. فكم نحن اليوم كصحافيين وإعلاميين في حاجة إلى هامش أكبر ومساحة من الحرية أوسع مما هي عليه, لتضطلع المؤسسات الصحافية بدورها على أكمل وجه. ولابد من تهيئة الفرص أمام الصحافة حتى تقوم بمهام في النقد البناء, في ظل المتغيرات التي يشهدها المجتمع السعودي منذ سنوات. في ضوء ذلك لابد من الايمان التام بدور الصحافة في دعم أهداف الإصلاح الشامل, والحفاظ على مكتسباته, وتأكيد أثره الفاعل في نشر قيم التربية الوطنية, وتعميم الشعور بالانتماء وتعميق مفاهيم المواطنة وتعددية الآراء. وما نتمناه كصحافة وإعلام وحتى كمجتمع أن يكون الحوار الوطني ليس مجرد نشاط مؤقت, لتفادي تحديات وضغوط المرحلة الراهنة, أي أن يتواصل بإدارته وليس بضغط الظروف الدولية حتى يحقق أهدافه كلها. *** تلا ذلك ورقة بعنوان (الصحافة والحوار الوطني: آليات الاتصال والتواصل) مقدمة من ناهد بنت سعيد باشطح مديرة مركز المرأة السعودي للإعلام قالت فيها: في التقرير الذي أصدرته المنظمة العربية للثقافة والعلوم والآداب (إليسكو) عام 1987م جاء أن مهمة العملية الإعلامية العربية تنسجم مع ما طرحته اليونسكو من رؤية لمفهوم النظام الإعلامي العالمي الجديد والذي يرى أن مهمة العملية الإعلامية (تشمل مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعملية التعليمية والروحية فضلا عن المساهمة في بناء شخصية الفرد والذات القومية والاهتمام بالقضايا الوطنية وبالمفاهيم المعاصرة كحقوق الإنسان ومقاومة الإمبريالية والعنصرية والتأكيد على ضرورة المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية وتعميق التفاهم والتعاون بين الشعوب والدعوة إلى سيادة العدل والسلام هذه هي العملية الإعلامية بمجملها. والاتصال هو عملية تصف السلوك الذي يتعلق باستقبال المعلومات، وعلى ذلك فإن دراسة الاتصال ما هي إلا دراسة للسلوك المتعلق بالمعلومات. وللاتصال أساليب عدة وطرق هي التي تساهم في عملية استقبال الرسائل، ومن المهم أن تدرك أي مؤسسة أين تكمن قوة رسائلها، كما أنه من المهم أن تعي المؤسسات المجتمعية الحقوق الدولية للاتصال لتفادي مشكلات عدم نجاحه. ولتحقيقي هذا الهدف وللتعاون مع وسائل الإعلام يجدر بنا معرفة تأثير وسائل الإعلام السلبي والإيجابي، كما ينبغي التعريج على أخلاقيات أجهزة الاتصال وعلاقتها بالمجتمع. ومن ضمن وسائل الإعلام تأتي الصحافة المكتوبة كأهمها فهي تحتل المراكز والأماكن المرموقة واللائقة بها بحيث تنشر آخر الإحصائيات والمعلومات. كما تعد الصحافة أداة تأثير خاصة على الرأي العام لأنها تعتمد قوتها منه، فإذا كان التلفزيون يمدنا بالأخبار المصورة، فالصحيفة تحلل الخبر لمعرفة خلفياته ونتائج تأثيره. وهي، أي الصحافة المكتوبة، كما يصفها (ماكلوهان) من أفضل وسائل الاتصال الجماهيري، وهي في نظره من أجمل وسائل الإعلام، وهي أداة إرشاد وتثقيف وإعلام في المجالين المحلي والدولي. كما يمكن أن تكون وسائل إفساد للجماهير إذا أسيء استخدامها من قبل السلطات والأفراد. *** لتنتهي فعاليات الندوة بالإعلامية أ. منى بنت عبدالحميد أبو سليمان من قناة MBC حيث قدمت ورقة بعنوان (الإعلام المرئي والمسموع والحوار الوطني) قالت فيها: المقصود بالحوار الوطني هو التواصل بين مختلف أبناء الوطن وطوائفه وطبقاته ومناطقه، بقصد توثيق الروابط وتعزيز الأواصر لتحقيق مزيد من التعاون والتآلف بين المواطنين، ولإشاعة روح التضامن والتقبل والتقدير بينهم، وذلك بتوفير البيئة الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تعزز روح التعاون والوحدة بين أبناء الوطن. والإعلام المرئي والمسموع هو أحد أهم الوسائل التي توفر هذا الاتصال وتوفر البيئة الفكرية والثقافية اللازمة لتعزيز الحوار الوطني وإنجاحه. والسؤال هو كيف يمكن أن يتم ترقية أداء الإعلام في مجتمعنا وتعزيز دوره في تحقيق أهداف الحوار الوطني؟ الجواب: أن يتم ذلك بترقية أداء وسائل الإعلام في المجتمع، ويتعلق بعضها بالوسائل ويتعلق بعضها بالمحتوى كما أن بعضها يتعلق بالمواطن ذاته. وتتم ترقية وسائل الإعلام بتوفير وسائله المادية، وهذا يعني أن تشارك كافة الفئات الاجتماعية الحكومية والأهلية والخاصة، العلمية والتعليمية والثقافية والتجارية في مجالات المعلومات والإعلام، حتى يتم تكامل المعرفة الإعلامية وضبطها بحيث لا تنفرد جهة أو اهتمامات أو مصالح بعينها بالمجال الإعلامي، وتقديم معرفة ومعلومة جزئية ناقصة لا تخدم الحوار الوطني الصادق لكافة فئات المجتمع، وتحقيق الأهداف المرجوة من الإعلام في المجتمع. أما المحتوى فإنه يترقى بتضافر كافة الجهات في جهود الإعلام المتكامل من ناحية، وبمدى وعي المواطن من ناحية أخرى. ومن المهم وسائل ترقية أداء الإعلام وضبط إيقاعه، ووجود مؤسسة أو مؤسسات أهلية مستقلة تقوم عليها إدارة شعبية يدعمها الجمهور، والدولة لكي تقدم أداء إعلاميا راقيا يهدف إلى توفير المنبر المفتوح الذي يخدم مصالح الوطن والمواطن، ويقدم إليه المعلومة المهمة التي تتعلق بمصالحه واهتماماته، ودون هذه المؤسسات الأهلية التي نشاهدها في كافة المجتمعات الراقية لأنها ضرورية لتحسين أداء الإعلام الخاص والتجاري وتقلل من أضراره في طلب الربح والمصالح الخاصة. ولترقية أداء الإعلام فإن وعي الفرد يعتبر عاملا هاما في هذا المجال، هنا يأتي أيضا دور التعليم والتربية، ورواج الثقافة الوالدية في ترقية وعي المواطن وحسه الوطني، مما يساهم في دفع الإعلام بشكل عام إلى ترقية الأداء، ومراعاة مستوى وعي المواطن. إن الإعلام المرئي والمسموع يعتبر من أهم وسائل الحوار الوطني المتواصل بين فئات المجتمع والدولة وأجهزتها الرسمية لتبادل المعلومة وتضافر الجهود، وتحقيق أكبر قدر من حسن الأداء وخدمة الوطن والمواطن، ودون العناية به لا يتم ترقية الحوار الوطني وتحقيق الغايات المرجوة منه. وإن اجتماعنا هذا لتبادل الرأي حول قضية الإعلام والحوار الوطني دليل على الجهود لترقية مستوى الحوار الوطني، ويعتبر خطوة رائدة في جهود إنجاح الحوار الوطني وتعزيز عرى الوحدة الوطنية، وتحقيق أداء أفضل للوطن والمواطن. ندعو الله لاجتماعنا النجاح لتحقيق الغايات المرجوة منه في ترقية الحوار الوطني، وترقية أداء الإعلام كما ونوعا بإذن الله.
|