تفضل عليّ الشيخ عبدالله العلي النعيم فأهداني نسخة من كتابه الجديد (العمل الاجتماعي التطوعي.. مع التركيز على العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية) من مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية 1426هـ - 2005م في 214 صفحة مقاس وسط. تسلمت الهدية المبهجة في النصف الثاني من شهر رمضان الفارط، فما كان أمامي من وقت للاطلاع عليه إلا في أيام العيد السعيد. لا أدري عما إذا كان هناك من سبق في التأريخ والتوثيق للعمل الاجتماعي التطوعي، وخاصة في المملكة العربية السعودية، ولكني أعتبر كتاب الشيخ النعيم هذا جهداً موفقاً؛ لأنه تتبع ظهور هذا الحراك الاجتماعي والنشاط الخيري عبر تاريخ الحضارات الإنسانية كافة، فلم يتوقف به البحث عند أمة بعينها أو شعب بعينه، وإنما أطلعنا بكل مهنية، على دلالات تشير إلى ظهور هذا النشاط الإنساني، عند قدماء المصريين، والرومان، والإغريق، وعند اليهودية والنصرانية، وصولاً إلى الدولة الإسلامية منذ بزوغ فجرها، حيث حض دينها على التراحم والتواد والبر والرحمة والإحسان فقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وفي مكان آخر: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}. ثم يجسد النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عيله قوله هذا في قوله: (خير الناس أنفعهم للناس) وقوله: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالوسطى والسبابة. والمؤلف الفاضل، هو من مشاهير المجتمع السعودي وخاصة في الجوانب الإدارية والاجتماعية. فقد عمل مديراً لتعليم الرياض 1381 - 1385هـ ومديرا عاما لإدارة في جامعة الملك سعود 1385 - 1396هـ ثم أميناً للعاصمة الرياض 1396 - 1411هـ، وهو رئيس مجلس إدارة مركز الأمير سلمان الاجتماعي، ورئيس مجلس أمناء المعهد العربي لإنماء المدن، ورئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية، ثم رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة. جولة سريعة في المحتوى بعد الإهداء والتمهيد، ندخل في قسمين للكتاب: القسم الأول: خصصه المؤلف لتعريف التطوع لغة واصطلاحاً، والمقصود به، ثم تتبع تاريخ هذا النشاط في الحضارات والديانات القديمة، ثم العصر الجاهلي والإسلامي ومظاهره في البلدان العربية والعالم أجمع. القسم الثاني: جاء يعرض لهذا النشاط في المملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله.. فقد تضمن هذا القسم خمسة فصول، قبل خاتمة الكتاب والملاحق وقائمة المصادر والمراجع، واحتل هذا القسم أكثر من 150 صفحة، تناولت نشأة العمل التطوعي الخيري في المملكة في الداخل والخارج، على المستويين الرسمي والشعبي، ثم أوجه الأنشطة والبرامج والمنجزات الخيرية، وتصنيفا للجمعيات الخيرية السعودية وضعها في 11 صنفاً، من بينها النسائية والعلمية والطبية والعائلية والخاصة والمتخصصة والإغاثية. وفي الفصل الرابع: عرض المؤلف لجهود الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في ميدان الرعاية الاجتماعية في مدينة الرياض فتناول الجوانب التاريخية والشخصية والمسؤولة. ثم جاء الفصل الخامس والأخير، ليقدم نماذج حية من العمل الاجتماعي التطوعي في المملكة مثل مؤسسة الملك عبدالعزيز الخيرية، ومؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، ومركز الأمير سلمان بن عبدالعزيز الاجتماعي، ومكتبة الملك فهد الوطنية، إلى غير ذلك. والشيخ عبدالله النعيم في هذا الكتاب الفريد لا يتوقف جهده عند عرض تاريخي ومعلوماتي حرص على دقته واستقصاء جيد من مصادره، كما وضح من تتبع (للخدمات التطوعية في عالم اليوم).. ولكنه يضفي على بحثه ما يراه مناسباً حسب خبرته الإدارية والاجتماعية. فهو يقول مثلاً ص 178 - 199 (إنه على المؤسسات الخيرية والتطوعية السعودية التحول من دور توزيع الصدقات إلى تحويل المجتمع السعودي من خلال تعبئة الجهود نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). ثم يضيف في لفتة ذكية تحسب له في هذا البحث: (كما أنه ينبغي على المؤسسات الخيرية التطوعية السعودية ألا تؤدي دوراً سياسياً كالذي تؤديه الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية، وأن تعمل على مساعدة الحكومة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنشودة). ثقافة تنموية هذا كلام جيد، فما أضر بالعمل الخيري مثل الاعتقاد في شراء الأنفس خاصة على المستوى الخارجي.. وربما أضيف هنا: فلكي ينجح العمل الخيري داخلياً، ينبغي خلق ثقافة تنموية من خلال الدعم الأسري والانفكاك من معتقد أن العمل الخيري هو فقط في تشييد المساجد وإعلاء المآذن، بل إن تشييد المدارس والمصحات والمصانع وتدريب الفتيات والفتيان هو من صلب الخيرية الاجتماعية لو كانوا يعلمون فيعملون. هذه قراءة سريعة متواضعة لجهد بحثي يستحق التوقف والإشادة، ويستحق صاحبه الشيخ عبدالله العلي النعيم الشكر والثناء.
|