الرياض -حمود الوادي - محمد الفيصل : قدمنا خلال الأيام الماضية ما قدم من أوراق خلال ندوة (الإعلام والحوار الوطني) لتسليط الضوء على ما دار خلال تلك الندوة ونقله كما هو، في محاولة منا لتعريف القارئ الكريم بمثل هذه الندوة والهدف منها.. والتي لا تقتصر على رجال الإعلام والفكر وإنما هي متاحة لجميع شرائح المجتمع بمختلف ثقافاتهم وتعدد توجهاتهم واختلاف أفكارهم: وفي ورقة قدمها د. عبدالله الطاير بعنوان (التلفزيون والإذاعة والحوار) قال فيها: علينا بداية ألا نذهب بعيدا في (تضخيم دور وسائل الإعلام في الحوار الاجتماعي، ولكن إذا سلم الإعلام من التأثير السلبي لأموال الإعلان في هيكلة برامجه، فإن العلاقة ربما تتطور إيجابيا بين صناع الإعلام والمجتمع الذي يسير وفق قيم مشتركة معترف بها، وإذا رجحت وسائل الإعلام قيمة ما والمجتمع اختار قيمة غيرها، فإنه يحدث الانفصال الأبدي بين الطرفين). وفي اعتقادي أن الإذاعة والتلفزيون السعوديين قد التزما التوجيهات فامتنعا عن تغطية فعاليات الحوار الوطني، وبقيت خارطة برامجهما خالية مما يناقش موضوعات حساسة، وتحتمل وجهات نظر مختلفة، وهي عادة لم تتغير بتدشين الحوار الوطني. ولذلك وجدنا قنوات غير سعودية أكثر اهتماما بموضوع الحوار الوطني، ومتابعة أخباره، ولكن كان ذلك لهدف تحقيق مشاهدة أعلى وهو دافع مشروع لاشك، ولكن ضمن ضوابط معينة. إن قول الحقيقة المجردة، يفترض أن يكون (الإطار الأخلاقي الذي يمكن أن يعيد ترتيب ثقافة الإعلام المهنية، ويمكنها من إثراء الحوار الاجتماعي وليس تقويضه). والبناء هنا لا يتحقق بالابتعاد الكامل عن مسرح الحوار، كما أنه لا يتحقق من خلال برامج الإثارة وتصوير الحوار الوطني على أنه مجلس حكماء يحاول إصلاح ذات البين بين خصمين لم يتفقا على قواسم مشتركة من أجل مجتمع صحي ومتماسك. تلفزيوننا السعودي بالدرجة الأولى بحاجة إلى أن يمارس الرأي والرأي الآخر، لأنه في الحالة هذه سيكون امتدادا لما يجري داخل قاعات الحوار الوطني، وسيؤسس لقاعدة جماهيرية تقبل الاختلاف، ولا يفسد للود فيما بين أعضائها قضية. نحن نمارس تقية فكرية وإعلامية كما نعمق فجوة الازدواجية، بأن نسمح لأنفسنا مناقشة قضايا تحت مظلة رسمية معينة، ولا نحاول تعميم التجربة على مؤسسات رسمية أخرى. وفي اعتقادي أن التلفزيون والإذاعة السعوديين خصوصا، لم يتحملا دورهما بعد، ومتى اضطلعا به فإننا سوف نجد قيم الحوار تحقق انتشارا كبيرا على طول البلاد وعرضها. إن (الإعلام سواء بأخباره المحايدة أم المنحازة، وبحملاته الإعلامية محددة الأهداف يؤثر فيما يجري في العالم على الصعيد المحلي أو العالمي، وقضية الحوار.. ليست إلا واحدة من القضايا الإنسانية التي تتأثر بما تبثه وسائل الإعلام وتنشره أو تضخمه). ويلخص الدكتور سعيد إسماعيل الصيني نوعين من الأثر لوسائل الإعلام: إيجابي، ويحدث عن طريق نشر الأخبار الإيجابية عن مؤتمرات وندوات الحوار، أو أشكال الحوار العملية الإيجابية بين أصحاب التوجهات المختلفة، ومحاولة إقناع الرأي العام بضرورة التعاون من أجل عالم أفضل يسوده السلام حتى مع الاختلاف في بعض الأمور، ومحاولة حثه على التعاون في الأمور المشتركة. أما الأثر الإيجابي فيراه متمثلا في (تجاهل الجهود الرامية إلى تعزيز روح الحوار بين الحضارات من أجل التعايش السلمي، مثل مؤتمرات الحوار وندواتها وصور التعايش السلمي الموجودة في الواقع). والعمل على (إبراز أخبار الجوانب السلبية للجهود التي تحاول تعزيز الحوار السلمي أو الودي بين أصحاب الحضارات المختلفة وتضخيمها، وذلك بدلا من مناقشتها مناقشة موضوعية). إن التركيز على نشر أخبار الأشكال العنيفة للحوار مثل الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والترويج للأفكار التي تعزز الفرقة، مثل الترويج لنظرية الصراع بين الحضارات، والآراء المتطرفة التي تثير القلاقل والنعرات العنصرية والدينية والطائفية والقومية. وهذا الطرح، وإن كان طرحا متوجها للخارج، فإنه ببعض التعديلات يصدق على رؤيتنا النقدية لأثر وسائل الإعلام المحلية عندما تقتحم أروقة الحوار الوطني. *** تلى ذلك فهد بن عبدالعزيز الخريجي من جامعة الملك سعود قسم الإعلام بورقة عمل عنونها ب(الحوار في - و - مع وسائل الإعلام) قال فيها: وسائل الإعلام قادرة على إضعاف ثقة الناس في العلاقات القائمة بين أطياف المجتمع، وفي سيادة القانون والنظام وغيرها، إذا استخدمت وسائل الإعلام أنماطا غير مبررة للقضاء والشرطة أو جهات ذات سلطة وسيادة من خلال برامج الحوار والأحاديث وغيرها. لذا لابد من الحرص على الحوار مع وسائل الإعلام (وليس في وسائل الإعلام فقط)، لبناء الثقة اللازمة في المؤسسات التنفيذية بدون تزييف أو تشويه أو اختلاق للحقائق. ولعل الاتهامات التي وجهها حوار الشباب الأخير لوسائل الإعلام والفضائيات بأنها تحرض على الإرهاب من خلال تقديم نموذج مشوه للصورة الحقيقية التي يتمتع بها المجتمع السعودي، مما يعطي مبررا للإرهابيين بأنهم يحاربون مجتمعا فاسدا، قضية تحتاج إلى نظر، ويجب أن تؤخذ بجدية في سيطرة الإعلام على مقدرات الفكر والعقل. لذا فإدراك أن حرية الإعلام في الترفيه والتعليم والاخبار والنقد أمر ذو أهمية لكل مجتمع يريد تجنب ظواهر العنف والنزاع والاختراق ونشوء خلايا متطرفة وحاقدة على نظم المجتمع وقوانينه، والتشكيك في نوايا صناعة القرار. فالمسؤولية الإعلامية جزء حيوي من بناء شفافية وحوار بين الطوائف قائم على التوازن في الحقوق والواجبات. والمملكة، إلى درجة معقولة نسبيا، تتمتع بإعلام مسؤول أمام جمهور سعودي مدني يتفحص الرسائل الإعلامية التي يقدمها له. لذا يجب أن يحذر الإعلام من التقليل من شأن إدراك المواطن السعودي الحديث لمغزى ونوايا المحتوى المعروض أمامه. مع العلم أن هناك من يتلقى الرسالة الإعلامية كما هي، ولكنه لا يعد من قادة الرأي في المجالس والمنتديات. لذا لابد أن تكون عين الإعلام يقظة من زلات المبالغة ورائحة المجاملة وأنصاف الحقائق. كما أن الجمهور الخارجي ينظر للرسائل التي نعرضها له بعين الشك والحذر، وخصوصا إذا لم تكن هذه الصور متوافقة مع الواقع الذي يعرفه بحكم الانفتاح الإعلامي، وتمدد قنوات الاتصال في كافة أرجاء الأرض، فنحن نسعى أحيانا وبحسن نية لإعطاء صورة للمواطن السعودي أنه يعيش في رفاهية مطلقة، ومع الصورة الذهنية عن مصادرنا البترولية الغنية فقد كوّن الغرب صورة سيئة عن المواطن السعودي، بأن هذا البدوي لا يستحق هذا الترف لأنه يحصل على المال من غير جهد ومشقة، ويتمنى أن تزول عنه هذه النعمة لأنه لا يستحقها، والحقيقة أن المجتمع السعودي فيه الفقراء والكادحون الذين يحصلون على لقمة العيش بعد الكدح وبجهد وعناء، وفينا الأغنياء الذين يسهرون على أموالهم وتصيبهم الأمراض بسبب ضغوط هذا الجهد. كما أن الصورة المهجنة التي قدمناها عن المرأة السعودية للعالم، جعلت من يعرفوننا يتهكمون علينا ويقولون: (بروباقاندا) وغيرها من النماذج التي يستطيع الحوار أن يمارس دور الرقابة عليها، ومعالجتها بطريقة تؤهل المجتمع للانخراط في الأسرة الدولية، كما هو بدون ماكياج قد يشوه الصورة الجميلة (نموذج كيف استطاعت الثقافة الإفريقية وأمريكا الجنوبية وغيرها من أن تصبح مقبولة ومحترمة لدى الشعوب الأخرى بعاداتها وتقاليدها وسيئاتها). لذا فنحن السبب في صناعة العديد من الصور السلبية عنا بسبب جهلنا بالممارسة الإعلامية الناجحة، والحوار في - ومع - وسائل الإعلام مفتاح أساسي لبناء حضارة سعودية يحترمها العالم القريب والبعيد والعدو والصديق. مغايرة الواقع تعكس عدم الثقة في ميراث أنت نتاجه وما زلت فيه وجزء منه كرها أو رغبة، وتجعل العالم ينظر إليك دائما بعين الريبة والشك. فالجمهور الداخلي والخارجي يعتمد على المعلومات الدقيقة، وبدون منهج متوازن من وسائل الإعلام، ومحتوى مثير للاهتمام وتجهيزات تقنية مواكبة لعصر الإنتاج الرقمي المتقدم، فالحوار في ومع وسائل الإعلام سوف يكون عرضة للفشل الذريع، والرغبة الصادقة وحدها ليست كافية لتحقيق المسؤولية الإعلامية، ولكن الاحترافية، وفهم التعقيدات المحيطة بالعملية الإعلامية وقضاياها، ومعالجة الضغوط التي تمارس على وسائل الإعلام بالحكمة، وإتقان صناعة اللحظة الأخيرة، وغيرها كلها بوابات جيدة لفتح العوالم والقلوب المغلقة. دور وسائل الإعلام في صناعة الحوار مشابه لدورها ومسؤوليتها في بقية صناعة المحتوى، لذا عليها تطوير أدوات التعامل مع وعرض الحوار. نموذج: هناك من يمزج بين الدراما الواقعية، والمحتوى القائم على الحوار، لتكوين برامج ذات جاذبية عالية لدى المشاهدين، لكن هذا النموذج ناقص لأن القضية التي تعاني منها وسائل الإعلام هو أن هناك عجزا وفقدانا لبعض المهارات التي يتطلبها العمل التلفزيوني. أما أسباب ذلك فقد تعود لعدة أمور منها: 1- نقص وجود نماذج مثالية للحوار في شاشات التلفزيون والإذاعة، فنجد أن هناك اعتمادا شبه كلي على الحوار المبني على نموذج الصراع بين طرفي الحديث. وخصوصا عند طرق القضايا السياسية والمواضيع ذات الصبغة الحساسة، والسبب في تبني هذا النموذج هو القيمة الترفيهية التي يجدها العاملون في قطاع الإعلام لكسب أكبر عدد من الجمهور (مشاهدين ومستمعين). 2- الكثير من مهارات الحوار غير معروفة، ولم يتم تحديدها بشكل واضح، تجعل الناس يسعون لاكتسابها. 3- ليست هناك عواقب وخيمة ظاهرة تترتب على الفشل في تطوير مهارات الحوار، فالذي يحاول قيادة السيارة في حلبة السباق مع ثلة من المحترفين، سوف يعرض حياته للخطر بسبب عدم تملكه لمهارات السباق. أما إذا فشلت في حوار، فالأضرار المباشرة الناجمة عن ذلك لن تكون ظاهرة للعيان، بسبب عدم اكتسابه لمهارات الحوار. النجاح في ساحة الحوار له نتائج جيدة منها: 1- إزالة صور نمطية سابقة. 2- إذابة جليد عدم الثقة بين الأطراف. 3- تحقيق التفاهم المتبادل لقضايا كل طرف. 4- تنمية منهج إيجابي للتطلع للمستقبل. 5- إيجاد أرضية مشتركة من الأهداف. 6- تقوية الروابط الوطنية أو العالمية، حسب طبيعة الحوار. 7- تعزيز الإيمان بمنهج السلام في حياة البشر، الذي دعت إليه الأديان السماوية، وتجاهلته العنصريات العرقية والعصبية. *** بعد ذلك قدمت أ. سلوى بنت عبدالمعين شاكر كبيرة مذيعات إذاعة وتلفزيون الرياض ورقتها (الإعلام المرئي والمسموع.. والحوار الوطني) حيث قالت: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، والحمد لله القائل {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وهذا يوضح ما للحوار من أهمية قصوى وضرورة ملحة ودائمة، لما له من قيمة وحرية التعبير، ومن المعروف أن الحوار مبدأ إسلامي أقره القرآن الكريم والسنة المطهرة، مهما اختلف الزمان والمكان، وإن اختلفت بعض طرقه الآن. وقد اخترت المحور الثاني لهذه الندوة وهو العلاقة بين المضمون والوسيلة نظرا لتخصصي، وعملي فيه طوال السنوات الرسمية التي وصلت إلى 25 عاما، وغير الرسمي قبله بحوالي 15 عاما، والذي كان دائما يعتمد على الحوار والنقاش والجدل مع الجماهير، سواء داخل المملكة أو خارجها، وذلك بهدف تقارب وجهات النظر أحيانا والتوعية، وأحيانا أخرى إظهار الحقيقة، بل وإيصال صوت المستمع أو المشاهد إلى جميع فئات المجتمع وعلى كل المستويات. وفي الأمثال: الغاية تبرر الوسيلة، ونحن نقول: المضمون هو الذي يبرر طريقة الوسيلة كي نصل إلى ما نهدف إليه، سواء كان حوارا أو تغطية أو توعية، ومهما اختلفت الآراء أو تنوعت الاتجاهات فهذا يعد ظاهرة صحيحة جيدة تساعدنا نحن كإعلاميين على إيجاد بل ابتكار الوسيلة التي تخدم المضمون، ليصل كما قلت بشكل واضح صريح، وذلك يتم بتخطيط استراتيجي، وأسلوب يناسب المضمون أيضا. ونحن في عملنا - كمعدين ومذيعين - وسيلتنا التي نستخدمها فنيا هي المايكروفون والكاميرا، أي الأجهزة، ولكن الأهم هي الاتصالات الجماهيرية والوصول إلى أكبر شريحة في المجتمع بحسب مضمون الرسالة. ولمعرفة الفائدة التي تحملها رسالتنا الإعلامية والتي تهدف إلى تحقيق غايات كثيرة أهمها، أو منها: 1- فتح باب الحوار لمعرفة الرأي الآخر للمتلقي. 2- استثارة أفكار سلباً أو إيجاباً حسب المواضيع المطروحة. وذلك باتباع عدة طرق ووسائل، كما ذكرت آنفا، لما يحتويه المضمون.. ففي الإذاعة - مثلا - وقبل أكثر من عشر سنوات عندما بدأ برنامج: (أهلا بالمستمعين) قبل أية قناة إذاعية كان وما زال هذا البرنامج يفتح مواضيع كثيرة ومتنوعة ونستقبل آراء مختلفة، بالإضافة إلى أنه في أيام حرب الخليج كان له دور فعال جدا فكان همزة الوصل بين المستمعين غير السعوديين خارج وطنهم، وبين المستمعين في بلادهم، ليبعث بينهم الرسائل، ويعرفوا بالضبط أماكنهم. وبالتالي استطاعت إذاعة الرياض أن تصل إلى الهدف المنشود أو المأمول. أيضا في التلفزيون قد يستدعي المضمون تضخيم الوسيلة بشكل يناسب الحدث خاصة إذا كان يهتم بشريحة معينة من الناس، مثل بعض الأمور السياسية أو الاقتصادية والتي تعتمد على الصورة مثلا، وطريقة استخدام الكاميرا ووضعيتها. فقد لاحظنا مثلا في الآونة الأخيرة نقل بعض العمليات الجراحية على الهواء مباشرة، وهذه إحدى الوسائل التي من الضروري اتباعها رغم أنها قد تكون مقززة للبعض الذي لا يعجبه رؤية الدماء أو طريقة الخياطة أو نقل الأعضاء، ولكنها مهمة أيضا للبعض الآخر من المتلقين سواء داخل المملكة أو خارجها من الناحية الطبية. لذا نجد أن الكاميرا وآلية استخدامها من قبل الفنيين والمخرجين والمذيع هي الأساس. بينما في الإذاعة فإن صوت المذيع له أهمية خاصة بطريقة استخدام نبراته التي تعبر عن الحدث. هذا بالإضافة إلى أن الموسيقى المستخدمة في الاثنين سواء إذاعة أو تلفزيون لها وضع آخر، ومعبر حسب نوع العمل أو البرنامج المقدم. وهنا يأتي دور المخرج الذي يقوم بالاختيار. وقد يستدعي الأمر إلى تأليف موسيقى خاصة بالبرنامج. أو المسلسل الذي سيحلم مضمونا معينا نود أن نرسل من خلاله الرسالة. لذا فإن الآلية التي سيتقدم برنامج أو أي عمل سواء كان إخباريا، أو فكاهيا أو توعويا أن تكون مدروسة بشكل جيد جيدا، وإذا كان مقدما لغير الناطقين باللغة العربية فإن له وضعية أخرى مختلفة تماما سواء كان بالإنجليزية أو الفرنسية أو لغات مختلفة. ففي فترة الحج مثلا تقدم الإذاعة السعودية عدة برامج بلغات متعددة. ولهذا كان وما زال وسيظل للإعلام المرئي والمسموع أهمية كبرى في فتح آفاق وأنواع متعددة من الحوارات على كل الأصعدة. وجاءت فكرة الحوار الوطني لتبرز هذا الدور وتبلوره أكثر. حتى مع توفر التقنيات الجديدة. لأنه مازالت هناك فئة كبيرة لا تعرف هذه التقنية، بل لا تعرف القراءة والكتابة. وهناك برامج موجهة تعنى بتثقيفهم صحيا واجتماعيا. وطوال السنوات الماضية وقبل فتح القنوات الفضائية استطاع الإعلام السعودي المرئي والمسموع أن يشدهم ويجذبهم ويفتح أمامهم مجالا للتفكير والحوار، وينسحب هذا على برامج الأطفال حاليا على الهواء مباشرة. ولكن وبعد كل ما مضى، وبعد كل الجهود المبذولة أجد أنه مازال بل من الضروري أن تتطور الأساليب المستخدمة لدينا هنا كي نتمكن من مواكبة الثورة الفضائية الإعلامية الهائلة في الإعلام العربي على الأقل. هذا لا يقلل من شأن نجاح إعلامنا السعودي إلى حد ما، خاصة وأننا نتحدث عن الحوار الوطني. لذا فنحن ما زلنا في حاجة ماسة لاستخدام وسائل جديدة خاصة وأننا نملك من الموارد البشرية المؤهلة، وذات الكفاءة والخبرة لنستفيد منهم، واستقطابهم بعدة وسائل وطرق، وهي كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. وعدم الاعتماد على الشللية أو المجاملة التي لن تؤدي إلى الهدف المنشود. فهناك طاقات نسائية ورجالية وشبابية لم نستفد منها حتى الآن، وهي متوفرة وموجودة كما ذكرت. ولكن من الضروري تحديث أجهزتنا التي نعمل من خلالها، والتي تعتبر أهم لوسائل واستخدام التقنية الجديدة خاصة بالإذاعة. ولن أخوض في تفاصيل قد يعرفها معظم الموجودين، ولكن آمل أن نطرب بمزمار حينا، واللبيب بالإشارة سيعرف ما أعنيه. مع خالص شكري وتحياتي لهذه الدعوة. آمل أن أكون قد أوضحت شيئا ولو بسيطا من خلال هذه الصفحات القليلة لأهمية الإعلام المرئي والمسموع في هذا المشروع الوطني الكبير.. الحوار الوطني. *** كما قدمت الإعلامية أ. نوال بنت أحمد بخش مديرة الإذاعة النسائية وبرامج الأسرة والطفل.. ورقة عمل بعنوان (الإعلام المسموع والحوار الوطني) بدأت قائلة: أيها الإخوة والأخوات سأتحدث عن محور الإعلام المسموع والمرئي والحوار الوطني من خلال خبرة وممارسة على مدى أربعين عاما أحسبها متواضعة, لعلي لا أضيف جديدا عندما أؤكد على أهمية دور الإعلام بكل وسائله التقليدية وتقنياته الحديثة وأنه بمثابة العمود الفقري في جسد الثقافة والمعرفة الإنسانية والمحرك الأول للرأي العام وموجه لمختلف شرائح المجتمع سلبا أو إيجابا. وقد لا نتجاوز الواقع إن قلت بأنه سلاح خطير ذاته قد يجر إلى حروب وويلات بما يحمله من أهداف مسيسة وفقا للمسيطر عليه المتمكن من أدواته كما نرى في الواقع المعايش حولنا ولنعترف.. عقود مضت ونحن نتحدث من خلال وسائله إلى أنفسنا إلى الداخل حيث حمل الرسالة التنموية وقدم للمجتمع خدمات جليلة في مجال التوعية الشاملة، وهذا بلا شك دور إيجابي لاننكره وكنا مع كل وسائلة المتاحة أهدرنا برمجة الانغلاق على الذات والتمحور حولها (وهذه نظرة الطير المحلق كما يقولون) ولنحط على أرض الواقع.. منذ ما يقارب العشرة أعوام فقط بدأنا نتيح للمتلقي التواصل معنا.. كان انفتاحا حذرا يشوبه عدم الثقة والخوف من أن ما يقال لنا قد لا ينسبنا أو نختلف عليه أو يكون متلقيا فحسب لا متفاعلا مستجيبا قمعنا فيه الرغبة في التعبير عن الذات صادرنا الآراء, لعلنا نريدهم أن يقولوا ما يوافق رأينا وتوجهاتنا فقط وغير ذلك لا يجوز.. ولا نستغرب إذا تساءل من نستضيفه في حوار أحيانا (ماذا تريدونني أن أقول)؟؟!! وإن قال مالا يوافق منهجنا ورأينا حذفناه في المونتاج. واليوم في لقائنا هذا والذي يهدف إلى: أولا: التعرف على الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تكريس قيم الحوار في المجتمع السعودي. ثانيا: توثيق العلاقة بين وسائل الإعلام ومركز الحوار الوطني. ثالثا: مناقشة أدوار المركز على المستويات الإعلامية المحلية والدولية. لعلي لا أبوح سرا إن قلت في هذه المناسبة وليسمح لي سعادة الأمين العام ولعله يتذكر أني كنت أول الإعلاميات اللواتي تواصلن مع المركز منذ ولادته وإيمانا مني بأهدافه العظيمة عرضت خدماتي (من خلال موقعي الوظيفي في إذاعة الرياض) للتعاون مع القائمين علية لتحقيق وتبني أهدافه والعمل معا لتفعيل توصياته من خلال مهامي الإشرافية على برامج الأسرة والطفل وإنتاج البرامج الثقافية والحوارية, وكنت مع الذين حملوا العتب على المركز من الإعلامين والإعلاميات لاستبعادهم من حضور اللقاءات السابقة. (وما كان هدفنا إلا ما نحن اليوم بصدد مناقشته في هذه المحاور) وأجدد امتناني مرة أخرى لهذه الدعوة.. وكما تعلمون نحن نقف ولأقل: نتحرك على سير إصلاحي كبير وخطير يشمل أبعاد حياتنا كلها ومن أهمها سياستنا الإعلامية, حيث بدأنا نعيد صياغة مفاهيمنا الإعلامية لنصبح أكثر جرأة وشفافية ورغبة في الخروج من ذلك القمقم الذي حسبنا أنفسنا لسنوات إلى منهج يتواكب مع عصر التقنية. فقد زاد انفتاحنا أكثر بزيادة نسبة البرامج الجماهيرية المختلفة والتي تعني مزيدا من التواصل مع الآخر في الداخل والخارج حتى برامج الأسرة والمجتمع والأطفال أصبحت مباشرة على الهواء نتلقى الاتصالات على الهاتف النقال من القرى والهجر والأودية من أعالي الجبال وعمق الصحراء، اكتشفنا من خلالها أن معظم ما يعرض علينا من مشكلات أسرية واجتماعية وسواها يعود إلى غياب الحوار وأسلوب علاقتنا ببعضنا البعض. إنهم يتجاوبون معنا بكل جرأة وموضوعية واقتدار ويؤكدون أن للإذاعة دورا كبيرا في تعليمهم وتثقيفهم ومنحهم الجرأة والمعرفة بمهارات الحوار وهم يسعدون بذلك كثيرا, هكذا أصبح للإذاعة والتلفاز دور هام وفاعل يوجه الفرد أيا كان الرجل - والمرأة الأب والأم والأطفال والشباب بجنسيه، مع اختلاف مستوياتهم الاجتماعية وتباين ثقافتهم (وأصبحت الإذاعة بالذات بمثابة الجامعة المفتوحة) طلابها نابغون أذكياء، ولعلي أحسب ذلك تميزا وإنجازا لها وهي تصل إلى الإنسان على الهواء مباشرة.. العامل في مزرعته والراعي في البر والحرفي في موقعه والراكب في سيارته وربة البيت في مملكتها, فنحن في تجربة الإذاعة هذه نطرح القضايا والمشكلات نتحاور معا.. قد نتفق أو نختلف ولكننا لا نتعصب لرأي.. نقدم ورش عمل على الهواء مع المختصين في كل المجالات وننادي بان يكون الحوار هو سبيلنا لحل مشكلاتنا وقضايانا، ننشر مفهوم الحوار المتعافي من التصادم والانزلاق في هوة الاختلاف العميق ونؤكد أن الاختلاف في الرأي والمذهب لا يفسد للود قضية. ومن هنا تبرز أهمية دور وسائل الإعلام إن نحن وجهنا الوجهة الصحيحة لخدمتنا وليكن ذلك تعاونا بين مؤسستين تلتقي في أهدافها وبهذا تتوثق العلاقة أكثر. ولكن لا بأس فنحن من اليوم نستطيع أن نضع يدا بيد.. وعقلا على عقل وقلبا إلى قلب ونقدم رؤية إعلامية نأمل بحلول الله أن تحقق آمالنا وتخدم أهدافنا في عملية تكاملية بيننا. ولكن السؤال المهم هو كيف يتسنى لنا ذلك؟ 1- أن يرصد المركز ميزانية خاصة من خلالها يمكن أن يتبنى ويرعى ويمول إنتاج برامج إذاعية وتلفزيونية وعلى الشبكة العالمية للإنترنت موجهة للأسرة للطفل للشباب والآخر تستند مادتها على ما تم إنجازه من بحوث علمية قيمة. 2- أن تأخذ بعض هذه البرامج شكل الحوارات المباشرة عبر الأقمار الصناعية مع فئات وشرائح متباينة من الداخل والخارج لمناقشة بعض القضايا المختارة بعناية الرجل والمرآة. 3- يمكن التعاون مع: أ - إذاعة المملكة العربية السعودية بأقسامها: العربي والإنجليزي والفرنسي. ب - تلفزيون المملكة العربية السعودية وقنواته: الأولى والثانية والإخبارية. ت - مواقع وصحف الكترونية مميزة على الشبكة ويحضرني الآن اسم أول صحيفة الكترونية لصحيفة سعودية (هداية نت) رئيسة تحريرها الكاتبة والإعلامية هداية درويش أمين عام الاتحاد الدولي للصحافة الالكترونية.. وغيرها. 4- التعاون مع قناة الهدى الفضائية الإسلامية الموجهة للناطقين بغير العربية ستبث برامجها بثلاث لغات عالمية. 5- حجز مساحة زمنية عبر الأقمار لمحطات تلفزيونية عالمية وإقامة مناظرات، محاضرات, ندوات وحوارات فكرية ثقافية. على أن يختار لجميع القائمين صفات الاقتدار والتميز في إجادة اللغات والإبداع الأدائي والفكر المستنير. ختاما أقول: إن نجاح أي مؤسسة أنما يقاس بمقدار نجاحها في توثيق صلتها بوسائل الإعلام للاستفادة من نفوذها المؤثر في المجتمعات الإنسانية. آمل إني قد وفقت في عرض ما يمكن أن يضاف إلى ما سيقوله الإخوة والأخوات بخصوص دور وسائل الإعلام في مساندة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ودعمه لتحقيق أهدافه العليا.
|