القلم أحد اللسانين صانع الكلام يفرغ ما يجمعه العقل ويصوغ ما يكسبه اللب لكنه يحتاج إلى كاتب مبدع يعرف كيف يتخطى دائرة اختصاصه وعمله ليتلاعب بالحروف ليصل إلى أعماق قرائه بكل انسيابية ووضوح فالكتابة ليست جملاً منمقة وعبارات متسلسلة بل إنها أكبر من ذلك بكثير وفي نظري أنها انطلاقة إلى فضاءات رحبة واسعة تنساب وتتدفق كما يتدفق الماء الزلال لتستقر في نفوس القراء.. بل إن الكتابة لحظة اندماج العقل الواعي مع ما يحدث حوله ليصف القلم تلك الحالة الشعورية التي يخطها بحبره الدفاق على صدر الورق بنقوش مخملية لها التأثير الكبير في نفسية القراء.. الكتابة ليست بالأمر السهل فالكاتب لابد أن يغوص بين الكلمات ويبحر في ملكوت الحروف لينتقي أجمل العبارات وأروع الكلمات لتؤثر في ذات القراء فهو يخاطب شرائح مختلفة في المجتمع فلابد أن يصل إلى مستواهم العقلي ليتأكد تماماً أن ما يكتبه لن يضيع أدراج الرياح.. إن المجتمع بحاجة ماسة إلى أقلام أولئك الكتاب.. فكم أزاحت تلك الكتابات الأسى من قلوب الآخرين.. وكم خففت من لوعة المحتاجين.. وكم من مرة أوصلت المطالب إلى المسؤولين.. ولكن للأسف هناك من يهبط الهمم ويكسر المجاديف ويقف في الطريق أعني بذلك أعداء النجاح الذين يلوكون الإبداع ويطحنون الانتاج فتتساقط أحلام الكاتب على أرض قاحلة وقد تصاب بالشلل التام.. فهناك من يصم الكاتب بالتقصير وبضحالة الفكر وبكونه مادي.. ولكن على الكاتب أن يكون كالطود الشامخ وألا يستسلم لما يسمع فلا يخبو سراجه ولا تظلم فجاجه بل عليه أن يثبت أنه كاتب مبدع يستطيع أن يسخر قلمه لخدمة المجتمع ويشق ظلمة الليل الحالك ليعلن فجراً من وميض النور الممتد فيعرف أين يغرس الحرف ليجني ثمار ما يخطه قلمه دنيا ودينا.. لابد أن يكون غرض الكاتب ليس الشهرة أو حجز مقعد في الصحيفة بقدر ما هو حب في الوصول إلى عقلية القارئ والنفاذ إلى نفسه لأن الأمانة الملقاة على عاتقه تتطلب ذلك ليبقى ما يكتب جسراً للتواصل ينه وبين القراء.. على الكاتب أن تكون كلماته نبضات قلب.. وومضات فكر.. ومشاعر روح.. لتداوي الجراح ولتخفف المصاب وتحل الأزمة وتزيل الغمة.. على الكاتب أن يلتحم قلمه بالورق ليسكب مداده معالجا قضايا المجتمع فيزيح غيوم الأسى من سماء الآخرين فيزرع الأمل داخلهم ويحيي آمالهم من جديد.. على الكاتب أن يكون قلمه جواداً يسابق في عالم الكتابة يصول ويجول من أجل كلمة الحق لا يكبح جماحه أحد ولا يخشى في الله لومة لائم بشرط أن لا تكون كتاباته (بروتوكالات جافة لا قيمة لها) وألا يكون هذا القلم مدفوع الثمن مسبقاً.. ما أجمل عبارات الكاتب عندما يتحرى الصدق والأمانة فيما يكتب !! وما ألطف اسلوبه حينما يحرر قلمه من المصالح الشخصية والمطامع الفردية!! الكتابة عالم جميل زاخر بالمعرفة والعلم الجليل متى ما أحسن الكاتب النية وقصد بذلك وجه الله تعالى وخرج بذلك من ضيق الذات إلى اتساع العقل فغاص في أعماق اللغة ليحصل على لآلئ الإخلاص.. ودرر التقوى وجواهر السعادة ليجلو بها هموم مجتمعه.. إن على الكاتب مسؤولية عظيمة أمام ربه أولاً ومجتمعه ثانياً فالأمل معقود عليه بعد الله في مساعدة القراء والوقوف معهم وإثرائهم بما قد من الله عليه من العلم النافع وستبقى مآثره وان طوته الأيام وكان رهن الترب والرجام.. فارفع رأسك عالياً أيها الكاتب المبدع.. وارتق في سماء المجد.. وكن مصباح دجى ونبراساً يضيء للعالم معالم الوصول إلى القمة.. تحية لكل قلم تألق في سماء الابداع وكتب بيقينه قبل ريشة قلمه. وبإيمانه قبل علمه وأقول ما قاله (باكون): (لا لذة تعادل لذة من ينصر الحق). فكن أيها الكاتب مع الحق حيثما كان ولا تأبه بما يقال فكلمات هؤلاء المتشدقين والمحبطين ماهي إلا حبر على ورق بل اعتبرها سحابة صيف زائلة وتذكر ما قاله (وليم جمس): (كن مستعدا لتقبل ما ليس منه بد فإن هذا التقبل خطوة أولى نحو التغلب على ما يكتنف الأمر من صعاب) وأخيراً أمنية صادقة من ذاتي لكل كاتب مبدع ومتألق أن يبدع أكثر وأكثر وأن تتبلور كلماته بأفضل مما يستطيع ليخدم أمته اولاً ووطنه ثانياً متذكراً قبل كل شيء قول الشاعر:
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه |
|