* الرياض - محمد العيدروس - حمود الوادي - محمد الفيصل : انطلقت صباح أمس فعاليات ندوة الإعلام والحوار الوطني (العلاقة بين المضمون والوسيلة)، التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، بحضور حشد متميز من المفكرين والإعلاميين والأكاديميين اكتظت بهم صالة الاجتماعات المخصصة للندوة في الماريوت. الحصين: الحوار والإعلام وجهان لعملة واحدة بدأت الفعاليات بآيات من الذكر الحكيم، ثم ألقى معالي الشيخ صالح الحصين، رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري كلمة بهذه المناسبة، رحب فيها بالحضور والمشاركين وشكرهم على تلبية دعوة مركز الحوار الوطني، وتمنى لهم الخروج بتوصيات وأفكار مثمرة. وقال معاليه: كنت أود تقليد إخوتي الإعلاميين في تقديم نبذة تعريفية عن الإعلام والحوار بما يدل على أهمية كل منهما والخصائص التي يتميز بها. ولكن قفز إلى ذهني تفاصيل موضوع أشهر حوار في تاريخ علم النحو بين الكسائي وسيبويه، وكيف انتهى الحوار بينهما إلى كارثة وجناية على الحيادية والحوار وتوفي سيبويه كمداً. وأضاف: الحوار والإعلام هما وجهان لعملة واحدة ويتفقان في الهدف والوسائل، وهذا التشابه والترادف هو أحد أسباب ايجاد هذا اللقاء. وبين الشيخ الحصين في كلمته أن مركز الحوار الوطني يسعد كثيراً بالاستفادة من خبرات وتجارب المتخصصين والمفكرين من رجال الإعلام، مشيراً إلى وجود حالة ملحة للمزيد من الاتصال والتشاور بين المركز ورجال الإعلام. وقال الشيخ صالح الحصين إن الحرية والحياد مطلوبان في وسائل الإعلام، وإن كانت تلك عملية معقدة، باعتبار أن الإعلام سلطة، والسلطة تغلب دوماً الحياد والحرية. وتساءل معالي الشيخ صالح الحصين.. ولكن كيف يمكن لنا أن نضمن للإعلام الحياد ومن ثم الحرية في نفس الوقت دون أن نتجاوز سلطة الحرية والعدل؟ وأضاف.. إن مركز الحوار الوطني لديه خطط لذلك وحل هذا الاشكال ومن واجب المصلحة التفكير في ذلك. وأتوقع من هذا اللقاء أن يجعل من هذه القضية أولى اهتماماته في إطار سعيه أن يكون حواراً منتجاً ونافعاً. المعمر: اطلالتنا الإعلامية كانت تدريجية عقب ذلك القى الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن المعمر أمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كلمة رحب فيها بالمشاركين وتفاعلهم مع قضايا المركز، وقدم شكره وتقديره لجميع من حضر وقال: إن المركز الوطني للحوار بدأ علاقته بوسائل الإعلام بالانغلاق التام في مراحل تأسيسه الأولى، إلا أنه تدريجياً بدأ يتحول وينفتح على الإعلام. مشيراً إلى أن ذلك التخفيف التدريجي مع الوسائل الإعلامية عامل مساعد على إنجاح برامجه. وأكد الأستاذ المعمر أن المركز يهدف إلى إيجاد شراكة مع وسائل الإعلام المختلفة قناعة منه بمبدأ أنه لا حوار من دون إعلام. وأكد الأستاذ المعمر أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي يلقى كل الدعم والرعاية من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي اتخذ على عاتقه منذ إنشائه مهمة نشر ثقافة الحوار في بلادنا، وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية في بسط القضايا الوطنية للنقاش والبحث الإيجابي، ولتفهمه الدور الكبير الذي تنهض به وسائل الإعلام التي غدت جزءاً حيوياً من حياتنا اليومية، مشيراً إلى أن الهدف من عقد هذه الندوة هو اضاءة هذه الملامح الحوارية الكامنة في المنظومة الإعلامية الوطنية، وتحديد أفضل السبل لتحفيز المجتمع على تلقي وتقبل هذا النمط من الثقافة. خالد المالك يقدم ورقة عمل الحوار الوطني.. كما أتمنى عقب ذلك بدأت فعاليات الندوة، بالجلسة الأولى التي أدارها الدكتور راشد الراجح، واستهلها الزميل الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير بورقة عمل بعنوان (الحوار الوطني كما أتمنى) وفيما يلي نص الكلمة: كنت أتمنى أن أقول لمن يقرأ أو يستمع إلى هذه الكلمات: إن مرحلة الاختلاف والخلافات والأخذ بالموقف الأحادي دون قبول الرأي الآخر قد انتهت.. وإن خبراتنا وتجاربنا.. والمستوى المتنامي في تعليم شبابنا.. قد هذبت أسلوب الحوار فيما بيننا.. بل قد كرست المبادئ الصحيحة القادرة على تجنيب الأمة الصدام والتصادم بين أفرادها.. هكذا كنت، وما زلت أتمنى لو أن تلك هي القاعدة بعموم تفاصيلها وتفرعاتها، وليس لأن هناك حالة أو بعض حالات استثناء لجزئية أو جزئيات صغيرة منها. *** وفي زعمي أنه متى كان هناك تناغم فيما بيننا، في أسلوب الحوار ودواعيه والغرض منه، وما هو مفترض أن يحققه من نتائج مفيدة كي نقضي من خلالها على افتعال الخلاف غير المسوغ فيما بيننا أحيانا، فإن أهدافنا المشتركة ستكون موعودة بأسباب النجاح الذي نتمناه. *** ولا بأس أن نختلف أحيانا أو كثيرا لنتفق بعد ذلك.. فالتباين في وجهات النظر مبدأ مقبول ضمن إطاره الصحيح.. وهو ظاهرة صحية.. باعتباره الخيار الأمثل لتصحيح الكثير من الأوضاع.. متى ما توصل المتحاورون إلى قواسم مشتركة فيما بينهم.. وأمكن تقريب وجهات النظر بتضييق مساحة الاختلافات.. وهذا يتحقق عند التزام الجميع بمبدأ قبول الرأي الآخر واحترامه والاستنارة به. *** وأحسب أن هذا التوجس هو هاجسنا جميعا.. وأننا من باب الحرص نثيره ويثيره غيرنا من حين لآخر.. وإلا فنحن أول من يصفق لتعدد الآراء.. ففيها إثراء للفكر وخير كثير.. وإسهام في الإصلاح والتقويم والإضافة الجميلة.. وهو يأتي تأصيلا لحق الإنسان في التعبير الحر.. واقتناعا بأن الإنسان بدون رأي.. ودولة بلا مؤسسات.. لن يكتب لهما النجاح الذي نتمناه. *** لذلك علينا أن نمارس حقنا في إبداء وجهات نظرنا، ولكن بالكلمة الطيبة التي تصدر من القلب إلى القلب.. وبالضوابط المناسبة والثوابت المحكمة.. فلا يجرح أحد أحدا.. ولا يسيء شخص إلى آخر.. مع الالتزام التام والقاطع بعدم تأويل الأمور بغير ما قصده الآخرون.. وعدم تفسير النوايا والمحاسبة عليها. *** وعندما يكون هذا الرأي مكتوبا أو مسجلا لنا أن نتفق مع هذا الكاتب أو نختلف معه.. وأن نرده إلى الصحيح من الفكر إن كان مخطئا.. أو نلتقي معه ونلتف حوله متى كان محقا.. وهذا هو حوار العقلاء كما أفهمه وأنادي به.. وليس هناك من طريق آخر تصحح به أخطاء البعض منا متى وجدت.. ويعالج من خلاله ما قد يكون مجال ملحوظة سلبية في أي شأن من شؤون الحياة.. غير الحوار المتوازن.. وبالمناقشة الهادئة الهادفة.. وبتقبل مبدأ احترام الرأي الآخر وإن لم يرض قناعاتنا. *** إذ إنه بالحوار القائم على المحبة.. والتناصح فيما بيننا.. والابتعاد عن التأويل والتأويل المضاد.. وعدم الذهاب إلى أكثر مما يعنيه أو يقصده المرء حين يكون له رأي أو وجهة نظر.. بهذا تكون نقط الالتقاء فيما بين الأطراف المختلفة أكثر من نقط الاختلاف وهذا هو المطلوب. *** وفي ظل هذا التصور فإن علي أن أؤكد أهمية احترام الرأي الآخر.. وخلق الأجواء المناسبة له.. دون تبرم أو تذمر أو انفعال.. مع الالتزام بالأسس السليمة لكل حوار.. من حيث ملامسته أي مشكلة.. أو معالجته مستجدا غير مقبول.. وكذا عند مواجهته أي تصرف غير مستحب.. إذ إننا بالاتكاء على هذه الأسس نكون قد اخترنا الطريق الأمثل والأصح لحوار وطني مطلوب. *** ومن المؤكد أنه ليس كل ما يعرض من وجهة نظر يفترض من الجميع أن يسلم بها.. وأن يقتنع بها الكل.. ويتبناها كل أفراد المجتمع.. إذ إنها قد لا تكون بالمواصفات والقياسات المفيدة للوطن.. وقد تكون خالية من المقومات التي تصب في خدمة المواطن.. وربما خالف صاحبها برأيه العرف المستحب والعادة الجميلة ولم يراع بها التعاليم الإسلامية. *** وفي مقابل ذلك، فهناك وجهات نظر جيدة ينبغي أن تلقى القبول.. وربما كان الاحتفاء بها لهذا السبب مطلوبا.. بل إن من الإنصاف أن تكون مثل هذه الآراء ضمن القائمة التي ربما كان من المناسب أن تقابل بشيء من الاهتمام.. وكل هذا يأتي ضمن الفهم الواعي والمتزن والعاقل لكل الآراء التي أرى ضرورة استيعابها. *** على أنه لابد من الاتفاق فيما بيننا على معادلة أو آلية قادرة على ضبط إيقاع تعدد الآراء.. بما يساعد على إثراء القضية أو الموضوع بما هو أو هي مجال نقاش بمزيد من وجهات النظر المفيدة.. مع احترام كل وجهات النظر المعارضة، بما في ذلك تلك التي لا يكتب لها القبول.. فبهذا يكون لآرائنا تأثير وجدوى وأهمية في صنع المستقبل الذي نتطلع إليه. *** نعم.. لا بأس أن نختلف في آرائنا.. وأن يشرق البعض منا ويغرب الآخرون في مجمل وجهات النظر ضمن رؤية كل واحد في رأي يحمله أو وجهة نظر يتبناها.. المهم أن يكون مثل هذا التباين نقطة الوصول لما قد يكون مقطوعا.. فهذا هو الأسلوب الأمثل للحوار الحضاري الذي ينبغي أن نسعى إليه ليكون مخرجا من الحالة التي نحن فيها. *** ومن المهم أن يكون الجميع على يقين بأن التباين في وجهات النظر لا يعني الخصومة أو القطيعة.. بل إنه لا ينبغي أن يفرز صورا من أشكال العداوات فيما بيننا.. وإنما يجب أن يغذي مثل هذا النوع من الحوارات الوطنية لحمة التواصل والمحبة بين المتحاورين. *** إنها ظاهرة صحية ستكون محل التقدير لو قامت على هذا النحو.. باعتبار أن ذلك يعد جسرا للتلاقي بين عدد من الطروحات المختلفة.. ومن المفيد أن يثار النقاش عنها وحولها دون توقف، ومن غير أن يسكت من لديه رأي يود أن يقوله أو أن يعبر عنه. *** فالأصحاء وحدهم من يؤمنون بحق الأشخاص في أن يعبروا بكامل حريتهم ومن غير أن يملي عليهم أحد رأيا أو وجهة نظر ملزمة.. وهؤلاء النظراء المتحاورون لا يظهرون إلا في البيئات الصالحة، حيث تكون الأجواء مناسبة لبناء مستقبل لجيل قائم على تعدد وجهات النظر التي من الضروري أن تنال الاحترام باتفاق بين الجميع أو بين أكثريتهم على الأقل. *** وفي رأيي المتواضع أن ما هو أسوأ في حياة الأمم والشعوب.. حين يصار إلى مصادرة آراء الآخرين بالتأويل والتأليب ورمي الآخر بما ليس فيه من اتهامات.. فضلا عن المحاولات لاستعداء الناس عليه وخلق معارضة معادية لفكره وثقافته وتوجهاته. *** وما هو مطلوب منا جميعا.. في مثل هذا الجو الملبد أحيانا بغيوم التشكيك والاتهام الباطل في حق الغير.. أن نؤمن بأن حرية الرأي تقود حتما إلى إفراز جواهر من وجهات النظر بين ركام هائل من الآراء الجامدة الضارة بالمجتمع. *** وهذا يقودنا إلى التركيز في مناشداتنا على أخلاقيات الحوار.. وإلى التنبه والتركيز على خطورة أن تأخذ المناقشات فيما بيننا هذا المسار المتضارب الذي لازمنا طويلا وما يزال.. فلا الاتهامات سوف تطفئ من لهيب الحماس والحماس المضاد لفكرة أو رأي أو وجهة نظر من هذا أو ذاك.. ولا التعصب لموقف من هذا الشخص سوف يلغي تمسك الغير بالمواقف الأخرى ما لم يكن هناك ما يسوغ ذلك. *** وعلينا حسما لتوجه لا يقوم على أسس سليمة ولا يعتمد على منطق صحيح بل يشكل تقويضا لقواعد بناء حضارة الأمة ومستقبلها.. ودعما وترسيخا منا لفائدة الحوار الموضوعي والهادئ والمتزن المطلوب الآن ومستقبلا وفي كل الأحوال والحالات.. علينا أن نعيد قراءة مستقبلنا في حوار وطني تقوم تعريفاته ومفاهيمه وأهدافه ونواياه الصادقة على تثبيت معاني ثقافة الحوار التي تستجيب لما يفكر فيه العقلاء ومن ثم تعميمها. *** ولحسن الحظ أن الحوار الوطني قد انطلق في التوقيت المناسب، حيث لم يعد هناك مع بدء جلساته ما يسوغ غياب الصوت العاقل والرأي السديد.. والجميع - كما رأينا - تفاعل مع دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، سواء من اختيروا للمشاركة في الحوار من مختلف التوجهات والتخصصات، أو أولئك الذين تابعوا المداولات من خلال وسائل الإعلام. *** ومن المهم أن نتحدث عن دور الإعلام - الصحافة تحديدا - في خدمة هذا التوجه الجميل، وما يمكن لها أن تفعله لترسيخ إيجابياته، ضمن ما هو منتظر منها، ومعول عليها من دور فاعل في هذا الاتجاه.. وفي تصوري، أن الصحافة في هذا الاتجاه عليها أن تكون مشاركة وفاعلة باعتبارها منبرا لصوت من لم يمكن من أن يقول رأيه ضمن المشاركين. *** لا بأس أن أقول ضمن ما يحضرني الآن، إن من مسؤوليات الصحافة - وهي كثيرة - أن تذيب بالرأي ووجهة النظر الراشدة كل الفوارق، وأن تتبنى كل وجهات النظر - وإن تعددت - طالما أنها تصب في مصلحة الوطن والمواطن وتدور في فلك الثوابت.. إن نزول الصحافة إلى الشارع وسماع وجهات نظر المواطنين ومن ثم نشرها، إنما تكمل بمثل هذا الجهد الدور الكبير الذي يقوم به المشاركون في الحوار الوطني بانتظار نتائج ما هو مؤمل فيه من خير كثير. *** مطلوب من الصحافة - كما هو منتظر - أن تبتعد بما تنشره عن كل ما يؤثر سلبا على هذا التوجه الجميل الذي يقوم على المساواة والعدل بين المواطنين، والإصغاء إلى وجهات نظرهم كإخوة متحابين تهمهم مصلحة وطنهم أولا وأخيرا.. وضمن مساندتها للحوار الوطني والاحتفاء به وتبني توصياته، ربما كان على الصحافة أن تضيف إليه من الآراء ووجهات النظر والتعليق على ما يتفق المتحاورون عليه، ما يعد إسهاما في تحقيق ما هو متوخى منه من آمال نتمنى أن يتحقق ولو بعض ما تم تداوله واتفق عليه. *** والصحافة - مثلما هو معلوم - يمكن أن تكون مضرة ومعوقة للجهد الذي يبذل الآن من خلال الحوار الوطني لتقريب المسافة بين الآراء المختلفة، لو هي أخذت بزمام تبني فكرة التباعد وعدم الاتفاق بين أصحاب الحوار الوطني، وهذا بالتأكيد غير مقبول لأنه يخالف الغرض الذي من أجله أطلق الملك عبدالله فكرة الحوار الوطني بين المواطنين.. وفي مقابل ذلك، فإن الصحافة تكون سلاحا جيدا ومفيدا يعتمد عليه ويتكئ المحبون لوطنهم عليه لبناء صورة أخرى أكثر بهاء وإشراقا لهذا الوطن الذي يهمنا استقراره وتطوره، مثلما يهمنا أن نحافظ على كل ما بنته وشيدته سواعد الرجال وجهد النساء من إنجازات كبيرة، لو أنها ركزت على الإيجابيات التي توصل المجتمعون إلى أخذ موقف موحد منها وعمقت في أوساط المواطنين - فهما ووعيا وسلوكا - التمسك بكل هذه الإيجابيات مع ما ستقوم به من دور للتنبيه على خطورة السلبيات. *** هناك حوارات وطنية جانبية يمكن أن تقوم بها الصحافة استكمالا وإضافة للحوار الوطني، يتمثل ذلك في أهمية تنظيمها لبعض الندوات وإقامة المحاضرات حول الموضوعات التي تصب في هذا الاتجاه، ومن ثم نشرها؛ لإشراك أكبر شريحة من المواطنين في عملية تعدد الآراء لإنجاز ما هو أفضل.. وبإمكان الصحافة - بل من واجبها - أن تقدم قراءة موضوعية لما يصدر عن الحوار الوطني من توصيات، تؤيد أو تعترض وفق رؤية من يكونون ضيوفها لسؤالهم عن رأيهم في ما تم تداوله في الحوار الوطني، ومن ثم الاتفاق عليه. *** ولأن الكلام يدور حول الحوار الوطني، فإن ذلك يقودني إلى سؤال المسؤولين عن تنظيمه: لم تظل المداولات في صالات مغلقة، بينما فكرة الحوار الوطني تقوم على الاحتفاء بكل الآراء - وإن تباعدت - وصولا إلى تبني ما هو مفيد منها؟.. أعني.. ألم يحن الوقت بعد، لإطلاق الحوار الوطني في المستقبل منقولا عبر شاشات التلفزيون، بحضور رجال الإعلام، ليكون الحوار الوطني بنتائجه وبما يتم التوصل إليه والاتفاق عليه في متناول كل المواطنين ليكونوا جميعا حاضرين ومصغين ومستوعبين - ولو عن بعد - لكل ما يتم تداوله؟!. *** لا بد لي أن أشيد بفكرة الحوار الوطني التي تسجل ضمن الانفتاح الذي تشهده المملكة على كل الآراء والتوجهات، وهي إحدى أفكار عبدالله بن عبدالعزيز، ومن أهم إنجازاته.. وأن أذكر من يقرأ هذه السطور أو يستمع إليها بأنه من المهم أن يتم تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، ولو على مراحل، وبحسب أهمية كل موضوع، يمكن الأخذ بمبدأ الأولويات، ولا بأس أن يراعى عند الاتجاه نحو تطبيقها تأثير الأمور الجانبية الأخرى سلبا أو إيجابا فيؤخذ في الاعتبار التوقيت المناسب للتنفيذ المطلوب. *** لقد قالوا قديما: إن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية.. وأنا أريد أن يكون الود هو الثروة الحقيقية التي تقود هذا المجتمع النقي إلى ما هو أفضل.. وأن يكون الحب النظيف بين أفراده هو العلامة المميزة فيما بين أطياف هذا المجتمع.. ولتتباين بعد ذلك وجهات النظر فيما بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات ما دامت لا تمس الثوابت، وما دام هذا التباين يعمق المزيد من وشائج القربى، والتقارب والتحاب فيما بين الجميع. *** أردت بهذا أن أقول شيئا عن وضع قائم.. أن أتحدث عن حالة يعرفها الجميع.. وأن تكون كلمتي عن مجتمع منفتح على الحوار الوطني.. وعن مواطن اعتاد على الكلام والسماع.. وأحيانا بحماس يصل إلى حد الانفعال.. وفي أحايين أخرى يكون الأمر غير ذلك. *** لكن السؤال.. متى نستفيد من هذه الحوارات الوطنية ؟! متى نحولها إلى برنامج عمل نؤسس عليه خطواتنا القادمة ؟! إن ما نراه لا يعدو أن يكون مداولات ومناقشات وأخذا وعطاء بين مواطنين تهمهم مصلحة بلدهم وهذا شيء جميل ومطلوب.. وما يميز حواراتنا الوطنية أنها تتسم بالشفافية وعدم المجاملة والبوح بشكل تلقائي بما يفكر فيه المرء وما يراه أو يقترحه في تعليقات ومداخلات يؤمل أن يكون فيها خير كثير. *** أسوأ ما في أجواء هذه المناقشات.. أسلوب المقاطعة أحيانا.. والمداخلات غير المنضبطة في بعض الأحيان.. ثم اختفاء صدى ما يدور في هذه الجلسات.. بانفضاض الحضور على أمل أن يعودوا إلى الحوار في مناسبات قادمة. *** وفي النهاية أريد أن أقول: إن هذه وجهات نظر سبق لي أن تطرقت إليها أو إلى بعضها في صحيفة (الجزيرة)، وحاولت من خلالها أن أتفاعل مع الحوار الوطني بما اعتقدت يومها أنه يفيد ويضيف إلى هذا التوجه الجميل الذي يقوده عبدالله بن عبدالعزيز، ولا بأس إن لم يغط كلامي -حينذاك والآن- كل ما كان ينبغي أن يقال عن هذا الحوار الوطني الرائع، لأن آخرين قد شاركوا وكتبوا كلاما عن لقاءات الأحبة وحوار الإخاء بما هو حري بنا أن نحتفي به ونستثمره في تعزيز الوحدة الوطنية. عقب ذلك قدم الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال ورقة بعنوان: (نحو تكريس أفضل لقيم الحوار في المجتمع السعودي) قال فيها: سأقدم -بشيء من الإيجاز- عدداً من الرؤى التي يمكن مناقشتها وتطويرها أثناء الندوة، وذلك وفق التقسيم التالي: أولاً: أهم الأطر النظرية التي يمكن للمركز العمل في ضوئها. ثانياً: أهم الأسس المهنية التي يمكن للمركز مراعاتها عند تصميم برامجه الاتصالية والإعلامية. ثالثاً: آليات تكريس ثقافة الحوار في المجتمع السعودي عبر العمل الاتصالي والإعلامي للمركز. رابعاً: الخطوط الحمراء في العمل الإعلامي المستقبلي للمركز. أولا: أهم الأطر النظرية: كما سبق، ينبغي العمل في أي نشاط اتصالي في المركز وفق منظومة واضحة من الأطر النظرية، وبخاصة في ميدان الاتصال الجماهيري والجمعي. وتزخر كتب الإعلام والاتصال بالعرض المفصل لكثير من النظريات التي يمكن استخدامها لممارسة عملية الاتصال، ولفهم هذه العملية، ولقياس فاعليتها في واقع المجتمعات الإنسانية المختلفة. وحيث لا يمكن - في هذه الورقة - التوسع في عرض هذا الجانب، فسوف أقدم - بشيء من الإيجاز - أهم الاعتبارات (النظرية) التي يمكن مراعاتها عند التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال في المركز، سواء من حيث المضمون أو الشكل. وبشكل عام، يعتمد توظيف إطار نظري دون آخر على طبيعة الجمهور المستهدف والوسيلة المستخدمة والمضمون الذي يراد تقديمه للجمهور. ويمكن في ضوء ذلك مراعاة الأطر النظرية التالية: 1- نظريات التعلم: إذا كان الحوار الفكري مطلباً في حد ذاته، أو أنه وسيلة لتحقيق غايات أبعد وأعمق من مجرد الحوار، وتتلخص في إشاعة ثقافة الاختلاف في الآراء، واتخاذ أسلوب الحوار مبدأ للتفاهم حول موضوعات الاختلاف، والوصول إلى الآراء الأكثر صواباً، ففي هذه الحالة يمكن الاستناد إلى مداخل نظرية مهمة تتقدمها نظريات التعلم بصفة عامة، ونظريات التعلم المعرفي، والتعلم بالملاحظة، والتعلم الاجتماعي، بكل ما تتضمنه هذه النظريات من نماذج لدراسة وفهم التأثيرات المتوقعة، والمتحققة للرسائل الإعلامية والاتصالية، سواء كانت هذه التأثيرات مباشرة، أو غير مباشرة، محدودة، أو واسعة قوية، وذلك عبر الفهم الدقيق للظروف التي تحكمت في عملية الاتصال التي تمت. 2- نظريات التنافر المعرفي: وهنا تقوم الفرضية على أن موضوعات الحوار الفكري هي موضوعات تستند إلى مداخل معرفية متنافرة في الأصل، بل ومتعارضة في كثير من الحالات. وبذلك، لا بد من أن تؤسس عملية الحوار -اتصالياً- على مبدأ الانتقائية. ويستلزم هذا المبدأ ضرورة البحث في موضوع الحوار عن أكثر الزوايا اتساقاً معرفياً بين المتحاورين، ونقاطاً للالتقاء، مع تأكيد الالتزام، والشعور بالمسؤولية، لتتدرج عملية الحوار -اتصالياً- بعد ذلك. ويمكن ضمان حدود ملائمة للحوار يتم عبرها العمل على استمراره والتوصل إلى نقاط تلاقي أكثر وأوسع، ثم في النهاية، القبول بمبدأ الاختلاف في وجهات النظر، وإشاعة الاحترام المتبادل بين المختلفين. 3- نظرية الاستخدامات والإشاعات: وتُعنى هذه المداخل النظرية بالجمهور العريض المستخدم لوسائل الإعلام والاتصال، حيث توضح كيف يوظف الأفراد العملية الإعلامية لخدمة احتياجاتهم وتحقيق أهدافهم، وذلك في ضوء الخصائص العامة للجمهور، ولنشاط أفراده، ولديناميكيتهم في عملية الاتصال. فإذا كان المركز يبث رسائل ومضامين، عبر أي من وسائل الإعلام والاتصال، فعليه أن يدرك أن الجمهور إنما يستخدم هذه الرسائل والمضامين لتحقيق إشباعات معينة خاصة لديه قد تكون معرفية أو سلوكية. ويعني ذلك تلقائياً، أن الجمهور قد لا يقبل أن يتعرض لمضامين معينة يعتقد بعدم تحقيقها لتلك الإشباعات. 4- نظرية الغرس الثقافي: ويعدّ هذا المدخل من أكثر المداخل خطورة وحساسية، ويتطلب مهارات عالية جداً ومتقدمة في بناء العمل الاتصالي بجانبي الشكل والمحتوى. ويقوم هذا المدخل النظري على الغرس الثقافي للأفكار والمعتقدات والمعلومات والمعارف والسلوكيات. ويؤكد ذلك قدرة وسائل الإعلام على خلق واقع معين لمشاهديها وقرائها، بحيث يحل (واقع وسائل الإعلام) محل (الواقع الطبيعي للمشاهدين والقراء). ويمكن استخدام هذا المدخل في مضامين يراد منها تحقيق نوع من التغير الاجتماعي طويل المدى. 5- نظرية الاعتماد: الاعتماد في وسائل الإعلام، مدخل نظري يقوم على أن الأفراد يعتمدون على وسائل الإعلام كمصدر لمعلوماتهم ولمعارفهم. وهو مدخل يقترب -بذلك- من مدخل الاستخدام والإشباع، لكنه يختلف عنه في عدد من الخصائص، ربما من أهمها أن الاعتماد يعني أولوية شبه مطلقة لوسائل الإعلام والاتصال كمصدر للمعلومات والمعارف، في حين ان هذه المكانة لا تكون بالقوة ذاتها في مدخل الاستخدام والإشباع. 6- نظرية ترتيب الأولويات: وباستخدام هذا المدخل، يمكن لوسائل الإعلام العمل على إعادة ترتيب أهمية الموضوعات لدى قطاعات الجمهور المختلفة. وهنا، يمكن للمركز توظيف وسائل الإعلام لتكون أداة فاعلة في دفع الجمهور لأن تحظى الموضوعات التي يثيرها المركز بأولويات متقدمة لدى الجمهور. 7- نظرية التسويق الاجتماعي: تقوم هذه المداخل النظرية للتسويق الاجتماعي على استخدام الأساليب التسويقية في التصدي للمشكلات الاجتماعية في إطار مفهوم الحملات الإعلامية الشاملة، وهنا يمكن توظيف أكثر من وسيلة وأسلوب للعمل على إقناع الجمهور بقضايا وموضوعات يستهدفها المركز. ويمكن القول -في ضوء ما سبق- إن تلك المداخل النظرية ليست سوى نماذج من المداخل التي ينبغي التوجه الجاد للإفادة منها في بث رسائل الإعلام والاتصال التي يقوم المركز بالعمل على بثها، حيث ستكون الجهود الاتصالية والإعلامية للمركز غير ذات جدوى ان كانت تتم دون التنبه الكامل لمثل هذه الأسس النظرية. ثانياً: أهم الأسس المهنية: من نافلة القول -في هذا المقام- إن جميع أنشطة المركز في مجال الإعلام والاتصال، ينبغي أن تؤسس على جملة من القواعد والمنطلقات المهنية. ولن يمكن -في هذه الورقة- الحديث المفصل عن مجمل الاعتبارات المهنية لعملية الاتصال، لتعقد مجالاتها وتعددها، ولكن ثمة أسساً عامة مهمة يمكن إثارتها في هذا المقام. وسيحتاج العاملون في مجال الإعلام في المركز إلى الاستزادة من كثير من مصادر المعرفة في هذا لإطار. 1- الطبيعة التفاعلية لعملية الاتصال: أتاحت تقنيات الاتصال -منذ عقود مضت تعود إلى بداية سبعينات القرن الماضي- بيئة جديدة تختلف جذرياً عن نموذج التأثيرات الخطية من المرسل إلى المتلقي. وتطورت هذه البيئة، شيئاً فشيئاً، حتى أصبح اليوم أمام كل فرد من جمهور وسائل الإعلام والاتصال، حرية واسعة جداً في إمكانية أن يختار ما يشاهده وما يسمعه وما يقرؤه، وأن يتفاعل معه مباشرة، بحيث يمكنه إيصال ردود فعله عبر وسائط متعددة وفاعلة إلى المرسل، بل ويمكنه تحديد عناصر كثيرة في تدفق الرسائل الإعلامية الموجهة إليه. وبذلك، يمكن القول، إن المركز - وفي إطار سعيه لبث رسائل معينة عبر وسائل الإعلام والاتصال، عليه أن يدرك هذه الاعتبارات المهنية التي يمكن للجمهور من خلالها التفاعل المباشر مع رسائل المركز، بل إيجاد آليات مناسبة تجعل الجمهور المستهدف هو الذي يحدد كثيراً من عناصر الرسائل التي يوجهها إليه المركز عبر وسائل الاتصال المختلفة. أما دون ذلك، فستبقى تلك الرسائل خطية وغير مضمونة النتائج والفعالية. وقد اتضح -في دراسات الاتصال- دور وأهمية التفاعلية، حيث تتميز البيئة الجديدة للاتصال بميزات مهمة من بينها: ثراء التحكم في وسيلة الاتصال Sensory richness، قدرة المتلقي على إدارة عملية الاتصال عن بعد Spatial management، والاستجابة الفورية Direct responsiveness. 2- الطبيعة التزامنية: أدت الطبيعة التزامنية للعمليات الاتصالية لوسائل الإعلام والاتصال الجديدة إلى الاهتمام بعنصر الوقت كأحد المتغيرات المهمة في عملية الاتصال. ونتيجة لذلك، اتجهت دراسات كثيرة إلى التركيز على المفاهيم الخاصة بالحتمية التكنولوجية، التي تفترض دوراً مركزياً للتكنولوجيا في التغيير. ويقوم هذا البعد التقني في العملية الاتصالية على أنه من الضروري العمل على أن تكون الرسائل والمضامين التي يتم بثها عبر وسائل الإعلام المختلفة، متزامنة مع الحدث على أرض الواقع كلما كان ذلك ممكنا -تقنيا-، حيث لم تعد المواد المسجلة تحظى بأهمية لدى الجمهور وبخاصة في تلك الموضوعات والمضامين التي يعتقد الجمهور أنه من الممكن - تقنياً- بثها مباشرة، وبشكل متزامن مع الحدث. إن عمليات المونتاج الممكنة للمواد المسجلة تجعل هذه المواد غير ذات قيمة كبيرة إلا -ربما- في اعتقاد من يقوم بهذه العملية. أما لدى الجمهور، فتشير الدراسات إلى أن هذا النوع من المواد لن يتم قبولها بشكل تلقائي وجيد، إلا في مضامين محددة، في مقدمتها موضوعات البايوقرافي والمواد الوثائقية والتسجيلية التي تتوافر على مواد كثيرة قد فات زمانها على أرض الواقع، شريطة أن يكون مرور الزمن على الحدث الاتصالي مروراً تلقائياً وليس رغبة في بثه مسجلاً بعد حين. وكذلك المضامين الترفيهية التي لا تتضمن أهدافاً إستراتيجية تتجاوز كثيراً الترفيه يمكن للمشاهدين قبولها مسجلة، على الرغم من أن التوجه الحالي في صناعة الإعلام، تسير بسرعة لإضافة عناصر التزامنية والتفاعلية حتى المواد الترفيهية. 3- الكفاية الفنية للإنتاج: تعد الكفاية العالية لمستوى المنتج الإعلامي والاتصالي الذي يمكن للمركز أن يقدمه لجمهوره، عاملاً حاسماً في مدى قدرة المركز على الاتصال بهذا الجمهور. وتطول قائمة عناصر الإنتاج الني يمكن الحديث عنها في هذا الإطار. ولكن، المهم هو الإشارة - في هذه الورقة- إلى أنه إذا ما أراد المركز أن تكون مواده الاتصالية والإعلامية مقبولة، وتحظى بنسب عالية من التعرض، فلا خيار له في أن يتم إنتاج هذه المواد وفق مواصفات فنية عالية جداً. ويشمل ذلك كل عناصر الشكل والمضمون للمنتج النهائي. إن البيئة الاتصالية المتطورة اليوم قد وضعت الجمهور أمام كم هائل من المنتجات الإعلامية عالية المستوى، مما رفع من واقع المنافسة، وجعل السباق محموما لامتلاك ولاء الجمهور ومتابعته. وهنا، يمكن القول: إن الكفاية المهنية العالية في الإنتاج لم تعد خياراً يمكن الأخذ به أو الاستغناء عنه، بل هي عامل حاسم في أن يكون ثمة جمهور للمواد المرسلة، أم أن تلك المواد تبقى دون فائدة مرجوة منها. وعلى الرغم مما يتطلبه هذا التوجه من كلفة بشرية ومالية، فهو يبقى خياراً وحيداً لا بد من الأخذ به والعمل على أساسه. والجدير بالإشارة في هذا السياق، أن المداخل الاجتماعية لوسائل الاتصال - سواء منها ما كان في الجانب الفكري النظري أم التقني المهني- لم يتم تطويرها في فراغ، ولكنها جاءت استجابة طبيعية لأسئلة مهمة في المجتمع الإنساني، أو تبعاً لنتائج البحوث الإمبيريقة في مجال الاتصال، أو للمساعدة في تقديم تفسيرات علمية مقبولة لمدى تفاعل الجمهور مع وسائل الإعلام أو نفوره منها وإعراضه عنها. ثالثا: آليات تكريس قيم الحوار في المجتمع إعلامياً: تمت صياغة هذه الورقة بكثير من الإيجاز والتركيز لاعتبارات خاصة بالوقت المخصص للندوة التي ينظمها المركز لغرض تدارس الأساليب الممكنة للتعاون بين المركز ووسائل الإعلام. ومن البدهي القول: إنه في ظل التوجه لتفعيل وسائل الإعلام والاتصال لخدمة الأهداف المجتمعية للمركز، وتكريس قيم الحوار في المجتمع، فقد يكون من الملائم توظيف وتسخير كافة أنماط ووسائل الإعلام والاتصال كلما كان ذلك ممكناً. ويشمل ذلك الاتصال الجماهيري والجمعي والشخصي، وكذلك الاتصال المسموع والمقروء والمشاهد، وعبر كل الوسائل المتاحة سواء منها التقليدية أم المتقدمة. ولعل المهم -هنا- ليس -في المقام الأول- الأنماط التي يتم استخدامها، أو الوسائل التي يتم توظيفها للتعامل مع رسالة المركز ووظيفته، فالإعلاميون العاملون في المركز سيتيسر لهم توظيف كثير من هذه الأنماط والوسائل إذا ما أتيح لهم ذلك، ولكن الأهم من ذلك -كما يبدو- أن يتم العمل - إعلامياً- في المركز وفق أسس علمية ومهنية جيدة، كما سبق القول، وألا يقتصر العمل الإعلامي على أن تكون قنوات إخبارية للمركز، ولكن أيضاً وسائل فاعلة في ترسيخ ودعم قيم الحوار بشكل عام، على أساس من الإيمان العميق بأن وسائل الإعلام يمكن أن تكون شريكاً مهماً في تحقيق المركز لغاياته وأهدافه. ومن أجل تكريس أفضل لقيم الحوار في المجتمع السعودي، ينبغي العمل على ما يلي: 1- إن يتم النظر -اتصالياً- للمركز ليس على أساس أنه يوفر بيئة مناسبة للحوار الفكري فقط، ولكن أيضاً باعتباره يحمل رسالة وطنية لإشاعة ثقافة الحوار بين الناس. ولتحقيق هذه الرسالة متطلبات عديدة من أهمها أن يتم الاستناد على أن الأصل في فئات المجتمع وأفراده التباين والاختلاف، بناء على خلفياتهم المعرفية وظروفهم المعيشية وقدراتهم الشخصية. وهنا لا بد من إشاعة حقيقة مفادها أن من واجب كل فئة أو فرد الإيمان الكامل بأهلية الفئات والأفراد الآخرين في الاختلاف والتباين. 2- عند تحقيق متطلبات الفقرة السابقة، ينبغي العمل على نقل هذه الثقافة إلى مجمل تفاعلات المركز مع وسائل الإعلام، حيث يتم التعاون الكامل والشفاف بين الجانبين على تحقيق إشاعة ثقافة قبول الاختلاف أولاً، ثم الحوار ثانياً، ثم قبول التعددية في الآراء ثالثاً. 3- حيث إن فئات المجتمع المختلفة لا تعيش في معزل عمّا يدور حولها من تفاعلات إقليمية ودولية، بل ساعدت وسائل الاتصال المتقدمة على تداخل كثير من الهويات وشيوعها، فمن المهم الأخذ في الاعتبار أن التباين بين الأفراد والفئات لن يكون مع من هم -داخل المجتمع- فقط، ولكن أيضاً، مع المجتمعات الأخرى بكل أنماطها الثقافية الاجتماعية. ويستلزم العيش الكريم، الاعتقاد الكامل بأن الآخرين، سواء القريبين أم البعيدين، قد يحملون آراء ويسلكون سلوكيات مختلفة عمّا لدى أفراد المجتمع، وأنه لا أقل من أن تقابل هذه الاختلافات بالاحترام، حتى لو تمت مناقشتها وتم نقدها بقوة. 4- يزخر المركز بالعديد من التجارب في مجال عمله، ويتوافر على كفايات مؤهلة في ميادينها، كما تمتلك مؤسسات الإعلام والاتصال خيارات ضخمة جداً من حيث الوسائل والأنماط وغيرها. ولذلك، يلزم بذل كثير من الجهد لتحديد طبيعة التعاون المطلوب والممكن بين المركز ووسائل الإعلام، بحيث يمكن تحديد أي المضامين وأي الوسائل يمكن استخدامها في أي من أنماط الاتصال ولأي جمهور مستهدف، وكذلك تحديد عناصر الزمان والمكان. 5- يحتاج المركز، من أجل تحقيق متطلبات الفقرات السابقة، العمل على إيجاد خطة استراتيجية إعلامية مرحلية، ذلك أنه من غير المتصور أن يتم إشاعة ثقافة قبول الاختلاف، وترسيخ مبدأ الحوار، وقبول التعددية في الآراء، خلال فترة زمنية واحدة أو قصيرة. وهنا، يمكن أن تكون الرؤية (الإعلامية الاتصالية) الاستراتيجية، ممتدة إلى ثلاث خطط خمسية على أقل تقدير تغطي خمسة عشر عاما، بحيث تتناول (الخطة الخمسية الأولى) تفعيل وسائل الإعلام والاتصال لإشاعة قبول الاختلاف بين الناس والفئات، ثم في (الخطة الخمسية الثانية) يتم العمل على ترسيخ مبدأ الحوار باعتباره الأسلوب الأمثل للتقريب بين وجهات النظر والوصول إلى أكثر الجوانب تجانساً في موضوع الاختلاف. وتأتي (الخطة الخمسية الثالثة)، للعمل على إشاعة قبول التعددية في الآراء والتعايش السلمي والناضج بين الناس. إن العمل على هذا الأساس، سيساعد في تنشئة جيل جديد يجعل الحوار قيمة من قيم حياته اليومية، وأسلوباً أفضل للتعبير عن آرائه ومعتقداته.
غداً نستكمل نشر بقية الجلسات واوراق العمل |