موسوعة جُدة - لمن لا يعرف - هي مشروع علمي حضاري قادم؛ ويُعنى تحديداً؛ بدراسة مدينة جدة ماضياً وحاضراً، دراسة موسوعية موثقة، بجهود كبيرة من هيئة مشرفة، وفريق عمل من الأكاديميين السعوديين، والمثقفين المعنيين والمعنيات بعروس البحر الأحمر . * الصديق الأستاذ (علي السبيعي)، منسق البرامج الإعلامية بالموسوعة؛ وفّر لي فرصة ثمينة؛ لأطلع على عرض موجز لأهداف وخطط العمل؛ تلك التي تجري في صمت، لإنجاز هذا المشروع غير المسبوق . * يتضمن المخطط العام المعد لمشروع الموسوعة؛ تقديم (ثمانية) مجلدات متخصصة: (إعلامي، وتاريخي، وتعليمي، واجتماعي، وجغرافي)، يضاف إليها؛ مجلد سادس للمرافق العامة، ومجلد سابع للاقتصاد والتجارة، ومجلد ثامن للآثار والتراث الشعبي. * أقول بهذه المناسبة؛ شكراً لهيئة موسوعة جُدة، ولأعضاء فريق العمل البحثي؛ الذي عددت منهم فيما وصلني من تعريف موجز؛ (26 باحثاً وباحثة).وشكراً كذلك لمن فكر ودبر واقترح ودعم وشجع، وتطوع للعمل في هذه الورشة الثقافية العلمية، ابتداءً من أمير منطقة مكة المكرمة؛ الأمير (عبد المجيد بن عبد العزيز)؛ وليس آخراً برجال الأعمال؛ الذين هم في صدارة المشروع الفكرة اليوم، والمنجز غداً بإذن الله. * نتابع خطوات ومراحل ولادة موسوعة جدة، ونحن نتمنى أن يتكرر مثلها في مدن سعودية حضارية أخرى، لا تنقص أبناءها الكفاءة، ولا تعوزهم القدرة العلمية؛ ولا المقدرة المالية. * ترجم القائمون على موسوعة جُدة؛ أهدافهم في كلمات قليلة؛ لكنها كثيرة بمعانيها وبلاغتها، فهي كما قالوا: تهدف إلى تعزيز الارتباط والمحبة، وتسجيل الشعور والإحساس بالفخر بالانتماء والتواصل مع هذه المدينة العريقة، وذلك من خلال إبراز الحقائق الإيجابية في مختلف المجالات والتخصصات، وزيادة التعريف بمدينة جدة؛ التي تملك (سحراً خاصاً)، وعبقاً له الكثير من الخصوصية والحميمية. * ثم من الأهداف التي صاغوها ابتداءً: إرساء العديد من القيم والمعطيات، التي تتلخص في نشر وتسويق موسوعة اجتماعية واقتصادية وإنسانية شاملة، موثقة ومحكمة. * الفكرة كما ترون جيدة، وقد توقفت كثيراً عند أهدافها ومخططها العام، وأنتظر مثل آخرين غيري؛ أن ترى النور عما قريب، وأن تفتح الطريق لمشاريع مماثلة لمدن أخرى في المملكة. * من الصياغة الجميلة للأهداف، يتضح الحرص على تكريس البعد الإنساني الذي يربط الإنسان بالمكان، فجدة مثلها مثل غيرها من المدن، ليست فقط شوارع وعمارات ومتاجر وأعمدة للنور، ولكنها نتاج لخبرات بشرية متراكمة عبر السنين؛ فأنفاس الناس، وأفراحهم وأتراحهم وثقافاتهم؛ كل ذلك؛ شكل جزءاً رئيسياً من تاريخها وجغرافيتها وملامحها التي خلقت تميزها. * إن ما يميز جدة أكثر عن غيرها من المدن؛ هو بحرها - البحر الأحمر - فهي (عروس البحر الأحمر)، وهي هبته وهديته لنا منذ مئات السنين، وإذا لم يرد ذكر لهذا البحر الجميل في مخطط الموسوعة العام - كما بدا لي - فلأنه - حسب ظني - محسوم المكانة في كل مجلد من مجلداتها الثمانية، وهذا هو ظننا في الموسوعة، وفي القائمين عليها. * أتحدث عن بحر جدة، وكأني مولود فيه، وليس في (بلاد بني سالم) بعيداً عن سحر الماء، حتى وإن كان لطبيعة القرية؛ ولحقولها وبساتينها؛ سحرها الخاص هي الأخرى، فمنذ عرفت جدة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وبحرها هو الذي يشدني إليها، وليس شوارعها الفسيحة، ولا أسواقها الزاهرة، وأضواؤها الباهرة، ولهذا فإن (سحر جدة الخاص)، الذي ذكر في أهداف الموسوعة، هو في ظني؛ بحرها لا غير، حتى ولو لم يذكر صراحة من قبل الباحثين. * مرة أخرى أيها السادة في جدة - في إمارتها، ومحافظتها، وأمانتها، وغرفتها التجارية، وهيئة موسوعتها - لا تنسوا بحر جدة.. لا تنسوا بحر جدة، فهذا البحر تحديداً، هو (سر سحر جدة) الذي تتحدثون عنه، فلولاه ما كانت جدة، ولا كان سحرها، ولا بريقها اللازوردي، الذي يجلب إليها كل عاد وباد. * جدة أيها السادة.. بدأت تفقد سحرها الخاص تدريجياً؛ بكل هدوء أو بخجل لا فرق، فساحلها الطويل.. الطويل، من جنوبها إلى شمالها، أخذ ينكمش، ويدخل في لجة وحجبة عن أنظار المحبين والمتعطشين لنور البحر، ولضوء البحر، وسحر البحر. * لم يتبق لعشاق سحر جدة، وخاصة هواة السباحة في المياه الدافئة المشمسة؛ سوى شريط صغير في أبحر الجنوبية، يرتمي على رماله المتعبون صباحاً ومساءً، لكنه ملوث مغبر، ويزداد تلوثاً وغبرة يوماً بعد يوم. * من يصدق أن شريطاً ساحلياً صغيراً كهذا؛ يغص بالحجارة وكتل الإسمنت والحديد المدفونة تحت سطح الماء، وهي تتربص بعشاق السباحة من الصغار والكبار، حتى لم يسلم منها أحد، ومع أن فرع البلدية لا يبعد عن الموقع كثيراً، إلا أنه لم يحدث نفسه يوماً ما؛ بهاجس تلوث هذا الشاطيء الصغير، وشكوى المرتادين مما هو مخبأ لهم تحت الماء، وكأن يداً عابثة تلوث البحر، وتعتدي على الشط، وتعمد إلى تطفيش هواة السباحة، وإعادتهم إلى لهيب الصحراء..!! * هذه اليد العابثة ببحر جدة؛ هي نفسها - أو هي من بين أولئك الذين قال عنهم المهندس (عبد الله بن يحيى المعلمي)، أمين مدينة جدة السابق بأنه: (بيننا وفينا؛ من يتعمد طمس تاريخ جدة)..! * المهندس المعلمي؛ كان يتحدث عن قرار تاريخي عظيم تسبب في ظهور مدينة جدة حيث لم تكن معروفة من قبل، ففي عام 26هـ؛ جعل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه هذه الفرضة (جدة)؛ بوابة للحرمين الشريفين؛ بدلاً من أبحر والشعيبة، فظهرت جدة، وها هي تطفئ في الظلام؛ الشمعة رقم (1400عام) من عمرها على طرف البحر الأحمر.. وبمناسبة مرور أربعة عشر قرناً من عمر مدينة جدة؛ يقترح المعلمي في مقال له بصحيفة المدينة (الاثنين 21 نوفمبر)؛ أن تحتفل جدة بهذه المناسبة التاريخية. وأجدني هنا؛ في صف المهندس المعلمي في هذا الاقتراح الوجيه، حتى لا تكون هذه المدينة ناكرة وجاحدة معاً؛ ناكرة لفضل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في وجودها، وجاحدة لجميل بحرها الذي هيأها لهذه المكانة العظيمة. * أعود بكم إلى شط أبحر.. الشط الوحيد المتبقي لمن يريد أن يسبح في الماء المالح، ولكنه تحول إلى وجه كالح، وكنت أظن أني أول من يضرب عن السباحة فيه منذ العام الفارط، حتى جلست إلى آخرين كانوا يجلسون على طرف الشط دون الخوض في عبابه، وهم يتحسرون على أيام نظافته وبريق مائه، وأنهم أقلعوا عن عادة السباحة فيه توخياً للحذر مما فيه..! * المستثمر الوحيد لشاطئ أبحر - لمن يريد أن يعرف - علق لوحة إعلانية كبيرة على طرف الماء تقول: (اعمل خيراً.. ولا ترم في البحر).. وهي حكمة عربية مقلوبة تقول قبل القلب: (اعمل خيراً وارم في البحر)..! والمستثمر نفسه؛ على تواضع ما يقدم من خدمة مقبوضة الثمن؛ تكاد لا تذكر؛ لم يكلف نفسه أو تكلفه الجهة المانحة للاستثمار؛ تنظيف الموقع، أو رفع الخطر المحدق من تحت الماء، فماذا بقي إذن لم يرم في البحر..؟! * الخطاب في اللوحة إياها؛ موجه لمرتادي البحر بطبيعة الحال، لكن ماذا لدى هؤلاء ليرموه في الماء؛ أكثر من مناديل الورق وعلب العصائر..؟! أما ما نجده تحت سطح الماء؛ من كتل إسمنتية وحديدية وصخرية ومخلفات تعمير ونحوها؛ فهي لها أهلها الذين هم من صنف (عبث وطمس وطفّش)، وعلى عينك يا تاجر في كل يوم..!! * أقترح على هيئة الموسوعة الكرام، القيام برحلة خاطفة إلى شاطئ أبحر الجنوبية، و(التجرد من ملابسهم) هناك..! والسباحة لدقائق معدودات، في هذا الماء الملوث، والشاطئ الملغم بالمخلفات والزجاج؛ وكل شائك خشن، ثم بعد ذلك؛ ليكتبوا عن (سحر جدة)؛ الذي أصبح في مهب الريح..! * إن من لزوميات نجاح موسوعة جدة؛ أن يترجم المسئولون في هذه المدينة على مختلف مستوياتهم؛ حكمتهم البليغة المعلقة في الهواء الطلق: (اعمل خيراً.. ولا ترم في البحر).. ولكن بعد تنظيف البحر، مما رمينا فيه طيلة كل السنين التي مضت.--
fax 027361552
|