الوطنية حب الإنسان لبلاده؛ أرض آبائه وأجداده. نحب وطننا لما بيننا وبينه من الصلات المتينة؛ فقد تربينا فوق ترابه وصرنا منه منزلة الفرع من الشجرة، وصرنا نحمل شعاره ونتسمى باسمه، نحن إليه ونأنس بقربه ونعتز بعزته ونتألم لهوانه. حب الوطن مغروس في فطرة الإنسان حيث نرى الطيور تحن إلى موطنها وأوكارها، ونرى البدوي يواجه الجدب ومكان الفقر وهو مع ذلك سعيد بوطنه ويقنع به ويفضله على كل مكان. ويكون حب الوطن عند الخطوب يوم يدهم الوطن خطر أو توجد دواع تنبههم كما يجري بين حينة وأخرى من فئات سخرت نفسها للخراب وإدخال الفزع والخوف في قلوب الذين آمنوا، يقودهم الهوى والضلال والعلم الذي سخرهم لأن يكونوا مصدر إرهاب وتخويف، في هذا الوقت تتجلى صور المواطنة الصادقة والانتماء الحقيقي للوطن لأن هذا الوطن ليس كباقي الأوطان فهو منطلق الإسلام وقبلة المسلمين؛ فالعمل من أجله والدفاع عن أرضه من أقرب القربات وأجل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى ربه؛ لأنك بهذا تحقق قول الله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}فيبذلون نفوسهم وأموالهم في سبيل نصرته والذود عن مجده وحريته. من مظاهر المواطنة - الدفاع عن الوطن إذا هوجم أو بغي على حريته وأمنه، وهذه وطنية الجنود، وقد ظهر هذا النوع من الوطنية في أحلى مظاهر البطولة فهؤلاء جنودنا البواسل في كل يوم لهم مجد جديد في قمع مظاهر الطغيان والغطرسة والانحلال. - محاربة مظاهر الانحلال الديني؛ وذلك بمحاربة الجريمة بجميع أنواعها كالرشوة والسرقة واللواط والزنا وقتل النفس بغير حق والربا والأفكار المضادة للشرع القويم. كل هذا يأتي بمبدأ النصيحة وبذلها بالطرق الحكيمة المجدية في طمس معالمها أو التخفيف من مظاهرها ومقياس الأمم بشعوبها فمتى كنت مواطنا تراقب الله - عز وجل - في أعمالك كنت إنسانا إيجابيا في حياتك. قال - عليه الصلاة والسلام -: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم) الحديث. - احترام النظام. من مظاهر الوطنية الصادقة النظام الذي وضعته الدولة فهو من أوجب الواجبات؛ لأن به تنظيم حياة الناس وحفظ حقوقهم فالمجتمع لا يسوده الأمن والإخاء إلا باحترام نظام الدولة ورجالها. - الوقوف أمام الشائعات المغرضة. التصدي لهذه الظاهرة يعد من مظاهر الوطنية الحقة فالمواطن يقف أمام هذه الحرب الشرسة موقف الشجعان لأنه المقصود بها ولأنه أيضاً أعلم الناس بحقيقة وطنه وقياداته الحكيمة، فيجب أن نكون أكثر وعيا لأننا مستهدفون من قبل أناس سخروا أنفسهم لنشر الضغينة والحقد والفساد في الأرض. - الأفكار الضالة واتباع الهوى. إن المزلق العظيم الذي سقط فيه هؤلاء المغرضون هو أنهم لم يتعلموا العلم من أهله وسادته إنما كان الهوى هو شعارهم والأفكار المخالفة لمنهج الإسلام السمح هي عقيدتهم؛ وبذلك ضلوا وأضلوا عن الصراط المستقيم؛ فإذا أصيب الإنسان بالهوى والجري وراء شهواته يستحسن كل شيء يخالف الشريعة، ويقوده ذلك إلى تشرب هذه الأفكار وجعلها عقيدة يتسنى بها ويموت ويحيا من أجلها. كل هذا من باب الغلو في الدين أو من باب الانفتاح والحرية. كل هذه مزالق كان لهوى النفس نصيب كبير منها لتقود إلى الانحلال والصراع الدائم مع الغير؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. - وحدة الصف واتحاد الكلمة. المواطن الغيور على دينه ووطنه يعتبر نفسه عضوا من كيان أمته فهو - طوعاً أو كرهاً - يأخذ نصيبه مما يقع على الآخرين من مسؤولية نحو نماء وطنه واستقراره. قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه..). إن من مظاهر الوطنية أن تحرص على وحدة الصف واتحاد الكلمة... (وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار...)؛ لذا فإن الوطنية فطر الإنسان عليها بأن يقدم حاجة الجماعة على حاجته؛ قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. المواطن الصالح هو الذي يحقق معاني الإسلام قولا وعملا ليجمع الناس إلى تحقيق معنى العبودية ووحدة الصف لضمان خيري الدنيا والآخر. - العفو والصفح. من مظاهر الوطنية الحقة ما يغرسه الإسلام في نفوس أهله ويحببهم إليه؛ لأن المجتمع المسلم لا يقوم على المحاسبة والانتصار للذات إنما يقوم على المسامحة والصفح؛ قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}ولا يمكن لمجتمع أن ينمو إلا عندما تتصافح الأيدي وتتصافى القلوب من الحقد والغل؛ قال تعالى: {َاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}. - مجالسة الأخيار. إن من مظاهر الوطنية الصادقة مجالسة الأخيار؛ لأن لها آثارا حميدة؛ مما يجعلك مواطنا غيوراً موفقا لعمل الخير وجنديا مغوارا في حفظ أمن وطنك. الجليس الصالح يأمرك بالخير وينهاك عن الشر والجلساء - بحسب منزلتهم - يكون نفعهم من علماء ناصحين أو رجال فكر مدركين. مجالسة الأخيار فيها عز وشرف وكرامة؛ منهم تتعلم العلم النافع لك في دينك ودنياك ليساعدك على شؤون معاشك ويقوي من إيمانك ويجعلك مواطنا محبا لوطنك. مجالس الأشرار تذهب الأعمار والأموال وتجعلك بعد العز ذليلا، مجالسهم لا يكون بها إلا ما يغضب الرب - عز وجل - من فحش الكلام والأفعال، منهم من تكون مجالسهم عامرة بالزنا واللواط وشر الخمور وتعاطي المخدرات ومنهم من تكون مجالسهم مجالس هدم للفكر وغرس روح الانتقام وشحن القلوب بالضغينة والحقد؛ فهم أصحاب شعارين شعار الغلو وهذا خطره عظيم لأنه يصرف الفطرة القويمة التي نشأت عليها النفس البشرية عن مكانتها ويجعل ذلك الإنسان الذي ولد على فطرة صالحة إنساناً شريراً خطره يكمن في عقله فكم رأينا نفوسا أزهقت وأطفالا تيتموا وأسرا فقدت فرحتها وسعادتها بفقد رب أسرتها بسبب هذا الفكر الضال. ولم يكن هذا لولاء الجلساء والأقران الفاسدين. هم مرة يحملون شعار الحرية والانفتاح؛ فغزوا العقول بأفكارهم الهدامة وسهلوا الانحلال الأخلاقي بحجة الحرية والانفتاح للآخر، وبذلوا الأموال والجاه ليجمعوا الأتباع والأنصار لهم فأصبح مجتمعنا يعيش صراعين متباينين الكل يريد أن يسحب البساط إلى زاوية رأيه، ومن الضحية؟ الوطن ونماءه وأمنه. فالحذر الحذر أخي المواطن أن تحتويك هذه المجالس فهي مجالس هدر للطاقة والقوة وإفساد للفكر والبدن،,. إن الأعباء التي نحملها لوطننا لا تتوقف عند حد معين أو شخص بعينه؛ فالفلاح في مزرعته يحرث ويزرع وينتج، والتاجر في متجره ببيعه وشرائه والجندي بحماية ثغور الوطن وحفظ ممتلكاته والأطباء في العناية بمرضاهم ومحاربة الأمراض ورجال الدين في نصح الأمة وإرشادهم إلى الخير، والمعلم في مدرسته يوجه طلابه وينمي فيهم حب الوطن والعمل على نمائه ورقيه، ورجال السياسة في نصرة قضايا أمتهم، وجميع الفئات المهنية والفنية تسخر نفسها لخدمة الوطن وإعزازه ورقيه. كل هؤلاء إذا أدوا أعمالهم بإتقان وإخلاص ولم يراعوا مصالحهم الشخصية وجعلوا مصلحة الوطن واستقراره غايتهم كان ذلك قربة يتقربون بها إلى الله - عز وجل - ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
|