كلما قرأت كلمة - الصحوة - أو جيل الصحوة في مقال يطرح في الجريدة أو سمعته عبر لقاء يُذاع في وسائل إعلامنا الأخرى أو نقاش في مجالسنا تبادر لذهني هذا السؤال: هل كان مجتمعنا في غفلة؟ بمعنى هل كان آباؤنا وأجدادنا على ضلال في عقيدتهم؟ والجواب بالتأكيد: لا..! فكيف إذن تأتي صحوة إن لم يسبقها غفلة؟ فالذي نعرفه أن سلفنا كانوا أكثر منَّا قرباً إلى الله وتعلّقاً به بكل شفافية بعيداً عن التكلف والتنطع الذي يغشانا الآن! فقد كانوا يتمثّلون بحديث أنس رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن عمل يدخله الجنة فذكر له صلى الله عليه وسلم أركان الإسلام (فقط دون أي نوافل حتى العمرة لم يذكرها) فعقّب الرجل بقوله: (والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا أنقص)، فلما مضى قال عليه الصلاة والسلام (دخل الجنة إن صدق).. إذن لا مبرر لهذا الاصطلاح إلا إن كان هؤلاء الصحويون يعتبرون حفظ كل الأدعية الثانوية هي من صميم العقيدة فمن لا يحفظ دعاء الدخول والخروج أو دعاء الركوب والنزول أو دعاء طلوع الشمس ومغيبها أو دعاء لبس الثوب وخلعه يعتبر في غفلة؟ مع أن النبي عليه الصلاة والتسليم عندما سأل رجلاً ما تدعو في صلاتك؟ قال: أسأل ربي الجنة، وأتعوّذ به من النار، وأما دندنتك ودندنة معاذ فلا نحسنها، فقال - صلى الله عليه وسلم - : حول هذا ندندن. أي أنه أيّده ولم ينتقده ولم يطعن في عبادته ولم يطلب منه أن يتعلّم تلك الدندنة. فما بالنا اليوم نجد من يغالون كثيراً ويعتقدون أن السجع بالدعاء من شروط القبول فصرنا نسمع أدعية متكلَّفة ومغالية لزوم هذا السجع الذي لم يكن النبي المصطفى يفعله. حتى وصل الأمر ببعضهم أن حجب صفة من صفات الله عزَّ وجلَّ وهي السميع حيث صار السجع هو المتحكم فانتشر هذا الدعاء (نعوذ بك من قلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاء لا يسمع)!! فكيف بمن يسمع دبيب النمل أن لا يسمع الدعاء؟ وفي معمعة تلك الصحوة الموهومة عج المجتمع بالفتاوى المكثفة في كل أمر حتى إننا لو أحصينا ما صدر في العقدين الماضيين من فتاوى لفاقت في العدد ما صدر منذ بزوغ الإسلام!! فما الذي حدث ليظهر بيننا من هو أشد حرصاً على صفاء العقيدة ممن بُعث لنشرها ولم يتوف إلا بعد إكمال رسالته.
صالح عبد الله العريني - البدائع |