Monday 21st November,200512107العددالأثنين 19 ,شوال 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

والفضائح تتوالى وتتنوَّعوالفضائح تتوالى وتتنوَّع
عبدالله الصالح العثيمين

ليست الفضائح مقتصرة على ما اكتشف من أفعال شائنة مرتكبة في مجال أخلاقي واحد، بل إنها تشمل كل ما اكتشف من فعل أو قول متنافٍ مع سجية من السجايا التي يتفق العقلاء المنصفون في العالم على أنها من مكارم الأخلاق، وبعض الأفعال أو الأقوال تفتضح من بداية ارتكابها، وبعضها الآخر يمضي زمن قبل اكتشافها.
والدولة الأمريكية الممسكة - في حاضرنا التعيس - بتلابيب دول العالم، تظهر نفسها - وكما يظهرها من أشربت قلوبهم حبها - وكأنها المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم، العاملة على تحقيق العدل وحماية الحرية بين ربوع أقطاره. غير أن المتأمل في تاريخ هذه الدولة في علاقاتها مع الآخرين حق التأمل يرى أنه سجل حافل بجرائم مرتكبة ضد حقوق الإنسان، ومواقف متَّسمة بالظلم والعدوان، وأعمال موجهة ضد حرية الشعوب في اختيار ماتريده من أنظمة تحكمها. ومجرَّد عرض شيء من ذلك التاريخ في أنحاء العالم أمر يطول ذكره ويصعب رصده، بل إن في عرض ما هو خاص بقضية العرب والمسلمين الأولى وحدها - وهي قضية فلسطين - إطالة لا يتسع مجال هذه المقالة لها. ويكفي أن يشار إلى ما حققته للصهاينة المجرمين بحق أمتنا، وبخاصة الشعب الفلسطيني، من دعم لجرائمهم وإمدادهم بكافة الوسائل المعينة لهم على ارتكاب تلك الجرائم. بل إن تماديها في تحدِّي مشاعرسواد هذه الأمة والمخلصين من قادتها ومفكريها وصل إلى درجة وصف رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وأبشع مجرمي الحرب من قادة هذا الكيان، بأنه رجل سلام، ووصف من يقاومون احتلال المحتل من الشعب الفلسطيني بأنهم إرهابيون، ومواقف كل من الصهاينة ومن يدعمهم من المتصهينين كلها فضائح تترى وتتنوَّع. لكن ماذا عن جرائم المتصهينين بحق أمتنا التي اكتُشِفت خلال العقدين الأخيرين؟
الشهادات التي كشفت شيئاً من فضائح الجرائم التي ارتكبتها أمريكا ضد أمتنا حفل بها كتاب السيد رمزي كلارك: جرائم الحرب الأمريكية في الخليج، الذي صدر عام 1992م. ومؤلف هذا الكتاب ليس مسلماً أو قومياً عربياً حتى يتَّهمه المتأمركون من كتاب أمتنا بالتجنِّي أو المحكِّم للعاطفة؛ بل هو شخصية أمريكية مرموقة ومعروفة معرفة واسعة على المستوى العالمي، وقد جمع تلك الشهادات من الذين نجوا من تلك الجرائم، ومن شهود عيان ينتمون إلى دول مختلفة، وهي شهادات على تحطيم القوة العسكرية الأمريكية للحياة البشرية والبيئية، ومخالفة للقانون الدولي، مع أن قادة أمريكا كانوا حينذاك يزعمون أن هدفهم رفع الظلم وتحقيق العدل، وقد نشر كاتب هذه السطور في صحيفة الجزيرة الغراء قراءة عن ذلك الكتاب في أربع حلقات أسبوعية ابتداء من 20-6-1424هـ.
ثم افتضحت جرائم أخرى بشعة ارتكبت في ظلَّ الحصار الذي فُرض على العراق أكثر من عشر سنوات، ومات بسببه مئات الآلاف من الأطفال والمرضى من نقص التغذية وفقدان الدواء، وبعد ذلك افتضحت أكاذيب أناس من اللجنة التي كلَّفتها الأمم المتحدة بالبحث عن أسلحة دمار شامل في العراق.
وفي نظر كاتب هذه السطور أن هدف أمريكا بالذات من تكوين تلك اللجنة أساساً هو التأكد من عدم امتلاك حاكم العراق حينذاك أسلحة فعَّالة يستطيع أن يستخدمها دفاعاً عن بلاده أمام الهجوم المبيَّت ضدها.
ثم جاء دور أفغانستان، التي كان قد أُعد مخطط غزوها سنة 1998م، وحدث ما حدث من كارثة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م ليكون سبباً من أسباب الإسراع في تنفيذ ذلك المخطط، ولقد افتضحت جرائم كثيرة أثناء عملية اجتياح ذلك البلد المسلم وبعد تلك العملية.
وما جرائم إغلاق الحاويات على المئات حتى ماتوا داخلها، ومعاملة المقبوض عليهم معاملة أبعد ما تكون عن مراعاة حقوق الإنسان في معتقلات داخل أفغانستان ذاتها، ثم في قاعدة جوانتانامو، إلا أمثلة لتلك الجرائم التي افتضحت ومازالت وجوهها البشعة تفتضح آناً بعد آخر.
ولقد أتى عدوان أمريكا، مدعومة من بريطانيا وأتباعهما على العراق، ثم احتلالها غير المشروعين حتى من المنظمة الدولية التي لأمريكا ما لها من سيطرة عليها، وقد كان ذلك العدوان، وهذا الاحتلال مبنيين على زعم مرتكبيهما للقضاء على أسلحة الدمار الشامل، ثم افتضح كذب ذلك الزعم بعدم وجود تلك الأسلحة في العراق، فما كان منهم إلا أن ادَّعوا أنهم احتلوا العراق لتحريرها من الظلم ولنشر الحرية والديمقراطية فيها، ولكن افتضحت جرائمهم المرتكبة ضد العراق؛ إنساناً وبنية أساسية وتراثاً، منذ ذلك الاحتلال. كان التدمير، الذي شاهده العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة للبنية الأساسية المدنية للعراق أبشع ما يكون، وكانت صنوف الإذلال والاحتقار للعراقيين، رجالاً ونساء، متعدَّدة الجوانب، وكان نهب تراث ذلك القطر العربي الإسلامي فضيحة غير خفية، ثم جاء دور مقاومة المحتل لتقابل بجرائم ندر أن وجد لها مثيل في التاريخ.
وكان من أمثلة ذلك ما حدث في الفلوجة قبل عام، ومواصلة ارتكاب مثله في مناطق متعدَّدة من العراق؛ وبخاصة في وسطه الغربي، فلم يوفَّر القصف بالطائرات والصواريخ، والدك بالدبابات، وكافة الأسلحة الثقيلة، شيوخاً ولا نساء ولا أطفالا، بل إن المستشفيات والمساجد لم تسلم من تلك الجرائم. وجرائم التعذيب البشع التي ارتكبت في سجن أبوغريب - مثلاً - من أوضح الأدلة على كذب من يدَّعون أنهم يسعون لاحترام حقوق الإنسان.
ولقد افتضحت تلك الجرائم، وفي الأسبوع الماضي صرحت مسؤولة رفيعة في ذلك السجن على أن التعذيب كان بأوامر من وزير الدفاع الأمريكي نفسه.
وفي الأسبوع نفسه افتضحت جرائم الأمريكيين المحتلين للعراق بإيجاد سجون سرية في بلدان متعددة من العالم يُزَج فيها من يريدون زجَّه دون أي رقابة دولية. وافتضح أيضاً، في ذلك الأسبوع استخدامهم أسلحة محرَّمة دولياً إبَّان هجومهم على الفلوجة، وأعلنت الأمم المتحدة، أيضاً، أن ما ارتكبوه في هجماتهم الغاشمة ضد غربي العراق منافٍ لحقوق الإنسان. هؤلاء هم من يدَّعون أنهم حماة العدل والحرية وحقوق الإنسان في العالم.. وهؤلاء هم من يدافع كتاب من أمتنا عنهم، ويتبارون في الإشادة بمثلهم وقيمهم، ويستجدون رضاهم ونصائحهم .
أما بعد:
فإذا كانت جرائم أعداء أمتنا من خارجها قد افتضحت وجوه كثيرة منها فإن من أبناء هذه الأمة المحسوبين على الفكر والثقافة، وبخاصة في مجال الإعلام، أناساً لا يخجلون من ممارسة ماهو من الفضائح المشينة. ولقد عرف الكثيرون كيف تعاون أفراد وفئات من العرب والمسلمين مع منفَّذي جرائم بشعة ضد أمتنا، سواء حدث ذلك التعاون بالنسبة لقضية فلسطين أو قضية أفغانستان أو قضية العراق، وسواء كان ذلك التعاون من داخل تلك الأقطار أو من خارجها.
ومن الأمور اللافتة للنظر، التي يمكن أن تصنَّف بأنها فضائح ما حدث في الاجتماع الذي عقد في الأمم المتحدة أخيراً عن الإرهاب، وقد ألقى فيه مندوبون عن الدول المختلفة - وبينهم بطبيعة الحال مندوبون من الدول العربية والإسلامية - وإذا تُحدِّث عن الإرهاب، في ظلَّ الظروف التعيسة الحاضرة، فإن المفهوم السائد الذي كان الدور الأكبر في تكريسه للصهاينة والمتصهينين في أمريكا يكاد ينحصر في الأعمال التي يقوم به أفراد أو فئات من المسلمين. ويدخل الصهاينة والمتصهينون المقاومين للمحتل في أي بلد عربي أو إسلامي ضمن هذا المفهوم، ومع وجود هذا المفهوم - شئنا أو أبينا - فإنه لم يشر مندوب واحد من مندوبي الدول الإسلامية أو العربية إلى الإرهاب الذي توالي ارتكابه الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، مؤيَّدة ومدعومة من الإدارة الأمريكية، ناهيك عن الإشارة إلى إرهاب قوات تلك الإدارة المحتلة للعراق، فالشكوى لله الواحد الأحد.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved