Friday 18th November,200512104العددالجمعة 16 ,شوال 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

الخميس 26 رمضان 1392هـ الموافق 2 نوفمبر 1972م - العدد (446)الخميس 26 رمضان 1392هـ الموافق 2 نوفمبر 1972م - العدد (446)
أبي عيدي.. عادت عليكم.. في حالة زينة.. جعل الفقر.. ما يدخل عليكم..
كيف تلتهم 7 بحار من الهيل واللوز وحلاوة الحلقوم والعلك ملوك..!!

* كتب - س البادي:
* أبي عيدي..!
عادت عليكم..
في حال زينة..!
.. جعل الفقر.. ما يدخل عليكم، ولا يكسر رجليكم.. ولا يديكم!
.. جعلكم تعودونه.. ها الزمان وكل زمان!
.. نسوق (الحمير)، والا نوقفه..؟!
** وقفوه!!
ويندفع (الأطفال) سيلا (عرم)، لينثرون جحافل العطور والحلوى، والمكسرات وزاهيات الملابس.. من كل صوب في كل صوب..!
آه (!!)، ما أجمل أن (أعود ألعب، وألعب.. وألعب!!)
***
(حلة القصمان)
، تلك مراتع الصبى، ملاعب الطفولة الأولى..
و.. لنبدأ الحكاية: حكايتي والعيد وابنة العم!
كان اسمها (نورة)، وكان العيد عندها أياماً سبعة: يوم العيد وثلاثة قبله.. وثلاثة بعده: هي العيد - عندها وعندي.
***
7 أيام، تطفح:
فساتين (دق المطر)، وبخانق (منيخل)، وطواقي تنتر، وتلاليك جلد أسود لامع، وكحل أثمد، ودهن عود، وعلك لامي، وحلاوة حلقوم، وعلك ملوك، وكحافي زرى، وقمصان بريسم..
***
أبي عيدي..!
تبدأ أيام عيدنا السبعة، باليوم الـ 28 (أو الـ 27) من رمضان، نسميه (عيد البنيات) أي لا نتعيد فيه نحن الصبية!!
***
(نورة) كانت في العاشرة.. تكبرني بسنتين أي كنت في الثامنة - تلبس الثوب (الفستان) المشغول بالزرى والتليك اللامع والبخنق المزين بالتنتر، وتقبل أمها لأرافقها - فأنا رجل يحمي مكالفه - إلى الشارع.. حيث البنات شاديات.. هاتفات..
أراقب (ابنة العم) تتألق (حبة) في عقد البنات (الرادح):
(حباً)..
حباً حوني..
(ويصرخ ويندفع إلي.. وتهتف بي رفيقتي):
** يا الله.. أيوه.. دس رمته في التراب!
(وأتلقى (مسطات حاميات) من خيزرانه.. وينصرني الله و(أدوس رمته) في التراب ويصفق البنات والصبية الصغار حولي:
(أيوه.. أدي لو.. آآآه.. يا لله.. جاي زامر).
وأخرج مشجوج الرأس.. مفقود الغترة والطاقية..
وتخرج (رفيقتي) وقد فقدت 6 هلل.. لا غير..
وعدنا للمنزل..
فتناولت (علقة) اضافية، فحمدت الله.. وألقيت بنفسي في (المجبب) مرهقاً.. فنمت، لأستيقظ (العصر) معاوداً التجوال.. ومقارعة الصبية دفاعاً عن رفاقي.. والهاتفين باسمي: انها بطولات!
***
* أبي عيدي
عادت عليكم..
في حال زينة!
اليوم هو اليوم (29 أو 28 رمضان)، الذي (نتعيد) فيه - نحن الصبية فقط - الا أن (ابنة العم) ترفض إلا مرافقتي - رداً لما قمت به إزاءها يوم أمس - وهنا. في هذا اليوم بالذات تكون مهمتي (أعضل) إذ إن علي أن (أتعيد) في حين أقوم بدور البطل المغوار الذائد عن ذماره.. ضد كل طالب (قمرق) أو من تسول له نفسه (تجريب) (عرقه) في ظهورنا..
ننطق (صبية) هاتفين:
(عمي بن (...)
تبع الفن
لابس كنادر
تبع الفن
(أعور).. وتاجر
تبع الفن!)..
حتى إذا أدركنا بابا وجاء في مزاجنا - وقفنا إليه:
(أبي عيدي..
عادت عليكم.. الخ).
لتملأ جيوبنا وأيدينا.. وأفواهنا.. بما لذ وطاب من عجائب الملهيات المسهيات.. ولنختم نهارنا (السايح) بعلقة معتادة في المنزل، لا تحول دون متابعة الشقاوة في اليوم التالي!..
***
أبي عيدي..!
جعلكم تعيدونه..
ها الزمان وكل زمان!
يقع (اليوم) في الرقم (30 أو 29 رمضان)، وهو يوم (عيدية البنات والصبيان معا): ننطلق حتى إذا بلغنا (غروب) الشمس، عدنا (تعباء) مكدودين.. نحمل تهاويل البحار السبعة في جيوبنا، وبين أسناننا نلوك عجائب العالم..!
***
العيد
* أبي عيدي..!
عادت عليكم..
ها الزمان.. وكل زمان!
العيد - عيد الكبار - اليوم..
كنا نستاء لمشاركتنا الطعام من جانبهم.. حلوياتنا و(فلوسنا).. نحصل بها على ما نشاء طوال ساعات النهار.. دون تدخل أو مشاركة (غير مستحبة) من كبارنا.. نشتري ما نشاء ونلتهم ما نشاء.. غير أننا لا ننام كما نشاء:
(أه.. يمه.. بطني! .. أه.. يا بطني.. بطني يمغصني.. أه.. ياربي.
* أخافك..! خلك هذا من الحلا اللي ما تشبع منه..
- والله يمه.. ما أكلت واجد..!
* لا.. لا!، حقك وما جاك!!)
وهات يا تقلبات.. يا توجعات طوال الليل.. الذي ربما لا ننامه دون (أكل) كفوف من (أبونا) أو (قبصات) من أمنا الحنون (تخمدنا) وقتاً ليس بالقصير ينتهي بنومنا!
***
اليوم..
(يوم العيد الكبير): يزور منزلنا (المعارف) بأطفالهم، حيث نلعب معاً، وأحياناً كثيرة نتشاجر.. وربما أشركنا أمهاتنا في (الترادح) بينهن من أجلنا فيتغاضبن في حين نعود إلى مرحنا في الشارع!
دأبت و(رفيقتي) وبعض الصبية على القضاء (مبرما) على (المكسرات) التي يقدمها الأهل للضيوف كالعادة - في العيد: (نلبد) متظاهرين بالدعة حتى إذا ما خلت (الديوانية) هجمنا زرافات ووحدانا.. وهات يا (نهب) تاركين الفرشة أشكالاً وألواناً: (قريض) حلويات وأشياء أخرى لذيذة الطعم مجهولة الهوية..
المهم أن (الوالدة) إذا ما تفقدت (الصينية - صينية المكسرات) ستجدها نظيفة من غير سوء.. لتبدأ تحقيقاً معي أولاً ثم مع (رفيقتي) ثانياً، غالباً ما ينتهي بصراخنا.. (راكضين) بعفرتة في (الحوش) هنا وهناك.. مختبئين بين القدور والصحون وربما ألقى أحدنا بنفسه - خشية العقاب - في حنفية الماء (الفارغة).. حيث لا تعثر (الماما) له على اثر!
***
أبي عيدي!
ثاني أيام (العيد)! لابد أن نزور أحداً!
وتوافق والدتي ووالدتها.. ونسير:
- الله!.. يا زين ها لبسكليت (!!)..
* ليش عمي ما يشتريلك بسكليت؟!
- ما دري!! يقول في العيد الجاي!
* يا سلام! عشان تردفني، ونتمشى.. والا شفنا بنت والا بزر قمرقناه.. وانحشنا بالبسكليت..!
- شوفي.. شوفي البسكليت. توه شاريه راعيه..!
* جديد.. يا سلام عليه!
- حللي به!
* عاد تقدر تسوقه؟!
- أقدر.. هالحين أوريك!
.. واندفعت إلي صاحب الدراجة (البسكليت):
- أقول.. تعطيني دوره؟!
* لأ..!
- تكفى بس في ذا.. قريب.. ألف لفة صغيرة.. واعطيكياه..!
* لا.. يا خي.. أمي مرسلتني.. وأخاف أبطي عليها..
* ياخي عطه دوره.. ما هوب ماكل بسكليتك!
.. وأتوسل إلى الصبي.. ويصر على الرفض.. ولكن (رفيقتي) تهتف بي:
* أنت خواف.. لو ني منك كان أخذ دورة بالقوة!
.. وأتشجع، فأصرخ بالصبي:
- تبغى تعطيني دورة.. والا ترى ما هوب أحسن لك!
* مانيب.. سو اللي تبي..!
.. ويمتطي الدراجة.. فأسحبه.. فينكفئ.. فيرتطم رأسه بالأرض فيسيل الدم:
* يو لله.. يا ويلك من أهله.. كذا فلقت ولد الناس!.. فأغضب ألم تكن هي من دفعني ل (مقاشرته):
- بس عاد..
* والله لوريك..
- خلنا ننحاش..!
.. وفعلاً ننحاش، متفادين سيل الحجارة يلاحقنا من راعي البسكليت.. وقد أخذ بعض الصبية يعاضدونه في ملاحقتنا وقذفنا بمختلف الحجارة مما قويت سواعدهم على حمله والتطويح به بعيداً.
أما نحن، فهات يا جري!!
***
أبي عيدي!
ملحمة الطفولة كل ما جن عيد، بل يفرحون هازجين!
اليوم الـ 3 للعيد.. كسابقاته.. بيد أن لنا اتصالا بالبادية، فكنا نقضي عادة هذا اليوم في أحد (المضارب) حيث نرى كيف يكون الاحتفاء بالعيد:
في (المضارب) ينصهر وجودنا في ما يهتم به الكبار.. لا صغار في البادية.. الكل يجب أن يفكر ويتصرف بنضج..
كذا (قننت) الحياة الطليقة.. المكتظة بكل مجهول!
(المزين!)..
هي (شكل بدائي) على هيئة (حرمة) تدور الصبايا حولها راقصات مرسلات الشعور - منشدات:
(.. يا مرحبا
باللي لفانا
يا مرحبا..
يا مرحبا..
إلى آخر النشيد الذي نسيته..
تنحر الابل.. وتقدم للقطين في مجلس (الشيخ) بعدها تقام عرضات الخيل والرجال والهجن.
نوخذ - رفيقتي وأنا وبقية الصبية الحضر - بروعة وغرابة ما نشاهده في البادية.
كنا نستمتع بقضاء الأعياد في البادية رغم الفارق الذي نشعر به بين مستويات تفكيرنا - نحن الأطفال - أعني أن أطفال البادية يبزوننا في منطقهم وتصرفاتهم إلى حد نشعر معه أنا أطفال فعلاً أمامهم: ان احد الاطفال في البادية يستطيع قيادة قطيع من الأغنام يوماً كاملاً.. ونحن - كحاضرة - لا نستطيع.. بل أذكر أني (أكلت) مقلباً.. غاية في السخونة ذات يوم:
- تبي تسرح معي اليوم.. يا ولد؟!
- ايه!
* أروح معكم؟
- لا! انتي أقعدي.. وش تبين تروحين؟!
* أبا روح؟
- لا!..
- خلا يا بن الحلال تروح!
- لا!..
* أعلم أمك!! أقول ترى..
- روحي.. علميها.. فارقي.. بس.. يالله!
* أعلمها.. ايه!
وتذهب (نورة) (لتعلم) الوالدة.. وأعود للحديث مع الصبي البدوي الذي يصغرني بنحو سنة:
* هاه..!
- وش قلت..؟!
* نروح.
- توكل على الله!
ونذهب مسرعين قبل أن تعلم (أمي) ولكني أتعب من السير:
* ياخي تعبت!
- أفا.. تعبت وأنت رجال!!
وأخجل فاسكت.. ولكن التعب يأخذ شكلاً مؤلماً:
* آه.. يا خي تعبت!
- شوي.. شوي وناصل الملفي.. عانه ورا السميرات هاذ للي.. عانه!!
.. وأمد طرفي نحو السميرات هاذ للي).. فلا أكاد أتبينها.. فأصرخ:
* عود بي يا خي.. ما أبغى أروح! عود بي!!
- أذكر الله يا رجال..
* عود بي بس..
- تباً تهجد والا عان الدرب قدامك..
.. ماذا؟! أي درب.. لقد ابتعدنا كثيراً عن المضارب..
* نروح؟
- توكل على الله!
ونذهب مسرعين قبل أن تعلم (أمي) ولكني تعب من السير
* يا خي تعبت!
- أفا.. تتعب وأنت رجال!!
وأخجل فأسكت.. ولكن التعب يأخذ شكلاً مؤلماً:
* آه.. ياخي تعبت!
- شوي.. شوي وناصل المفلى.. عانه ورا السميرات
هاذ للي.. عانه!!
.. وأمد طرفي نحو السميرات هاذ للي.. فلا أكاد أتبينها.. فأصرخ:
* عود بي ياخي.. ما أبغى أروح! عود بي!!
- أذكر الله يا رجال..
* عود بي بس..
- تباً تهجد والا عان الدرب قدامك..
.. ماذا؟! أي درب.. لقد ابتعدنا كثيراً عن المضارب..
ولكن ماذا يصنع زميلي..
ماذا؟! انه يغني (أو يهيجني):
- يا م ل عين..
تلد خلافها..
والدرب قدام!
ويا..
م ل عين..).
* انت ياخي عود بي.. والا ترى عودت..
- هب ورع.. عان (الجحش) أركبه يوديك للبيت!
* بس أخاف!
- تذل.. تعال..
.. وشدني بعضدي.. فتحاملت عليه (مرتعداً) وعلوت (الجحش) فانطلق بي إلى المضارب!
لم تنته الرحلة عند هذا الحد.. اذ (كع بي) وقف الجحش فجأة.. ليلقي به أمام (بيت الشعر الذي نحتله) متخبطاً في دماء و(فرث) وما لزج من مخلفات (الجمال) المنحورة! بين سخطي وضحكات (ابنة عمي) المتشفية!
وانطلق (الجحش).. وبقيت أتأمل في الوجوه.. وفي ملابسي الجميلة.. ملطخة بمختلف الألوان البنية وغير البنية.!!
***
أبي عيدي!
عادت عليكم
في حال زينه، جعلوكم تعودونه..
هالزمان.. وكل زمان!!
وتختم باليوم الرابع ملاحم الأفراح في أعين الصغار.. وكأنهم قد التهموا 7 بحار من الهيل واللوز وحلاوة الحلقوم والعلك ملوك..
وكأنهم قد لبسوا تهاويل البحار السبعة!
ويرحل العيد!
(كل عام وأنتم بخير).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved