في الشوارع الدمشقية القديمة حيث تمتد أسواقها، ألمحها.. امرأة طاعنة في السن ضريرة، تأتي كل يوم من مكان قصي تحمل في يدها صرة متواضعة تحوي أدوات بسيطة متواضعة تفترش إحدى زوايا الطريق، وتبيع ما قدر لها، تأبى أن تأخذ حسنة أو صدقة.! رغم حاجتها إلا أن صدرها يحوي الإصرار، والعزيمة والإباء.! نعم تأبى كرامتها أن تمتد لها يد محسن، لينعم عليها بحسنة أو صدقة، رغم أنها لا تملك من حُطامِ الدنيا شيئا.! في أحد الأيام الشتوية، وبينما المطر ينهمر بشدة جلست في زاويتها المعتادة ممسكة بيدها وشاحها الأسود الرث الذي لم يبق منه سوى ثقوبٍ كبيرة، وتحتَ انهمارِ المطر الشديد كانت تتساقط دموعها ألماً ووجعاً.! وفي ذاكرتها ضباب لوجل لا تعرف منتهاها. صورة قلما تحتفظ بها الذاكرة لسيدة فقيرة لا تحمل من هذه الدنيا سوى صمودها وعزة نفسها، تحمل نفسها بكبرياء الصمت، وتعلن أنها تمضي وسط أمواج الحياة المتكسرة، والآهات المتلاطمة، وازدحام الذاكرة بصرخات الناس ! وسط وحشة الموقف تلملم دموعها المنصهرة بالوجع على مفرق الفجر، وتغفو وسط جدران خرساء تشاطرها الألم وطريق قلما يقاسمها خطواتها التي لا تكتمل ! وما زالت بانتظار الصباح بلون قوس قزح.! مرفأ: قالت العرب: استغن عمن شئت تكن نظيرا، واحتج إلى من شئت تكن أسيرا، وأحسن إلى من شئت تكن أميراً.
|