Friday 11th November,200512097العددالجمعة 9 ,شوال 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

كافور والمتنبي والعيد.. كل عام وأنتم بخيركافور والمتنبي والعيد.. كل عام وأنتم بخير

وبمناسبة العيد فقد مرّ على أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي العيد وكان بمصر في ضيافة كافور الإخشيدي الذي وعده بالعطايا وماطله، فهجاه أبو الطيب بهذه القصيدة التي يستشهد بالبيت الأول منها كل من جاءه العيد بنكد. بدأ كافور مخاطباً العيد شاكياً من الحال التي جاءه عليها.. قال:


1- عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
2 - أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
3 - لَولا العُلا لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها
وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ
4 - وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً
أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ
5 - لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي
شيئاً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ
6 - يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما
أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ
7 - أَصَخرَةٌ أَنا ما لي لا تُحَرِّكُني
هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ
8 - إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً
وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ

وتأتي الأبيات الأربعة الأولى بمخاطبة العيد وأنه جاءه وهو في أسوأ حال والاستفهام (بأية حال) للتهويل، وهل العيد جاء بما مضى من النكد والهم أم فيه تجديد؟ والعيد زمن يجتمع فيه شمل المحبين، أما أحباء أبي الطيب فبينهم وبينه صحراء شاسعة، ويتمنى أن لم يأت العيد بل باعدته عنه بيدٌ وبيد. ويفخر بنفسه معللاً الشقاء الذي هو فيه بسبب طلب العلا؛ فلولاها ما جاب الدنيا على ناقة أو فرس، وبدل السيف كان استمتع بالغيد، ويشكو أن الدهر أتى على قلبه وكبده؛ فلم يَبق منهما شيء يلتفت إليه جيد لتنظره عين راء.
ثم ينتقل إلى الخمر، وهو غير صادق فقد ذُكر أن أبا الطيب ما صلى ولا صام ولا قرأ القرآن ولا زنى ولا شرب الخمر، وإنما هي عادة الشعراء، ويقول إن الخمر عادة تجلو الهم لكن ساقييه قدما له خمراً فيها هم وتسهيد؛ فلم تحركه حتى ولا الغناء؛ لأن حبيب نفسه - سيف الدولة - مفقود، والخمر أم الكبائر لا تزيل الهم بل تزيده في الدنيا، وقد يفتضح أمر شاربها فيجلد، ويوم القيامة عذاب أليم؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلاَمُ رِجسٌ مِّن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) (سورة المائدة: 90).


9 - ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُ
أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ
10 - أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِناً وَيَداً
أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ
11 - إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ
عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ
12 - جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ
مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ
13 - ما يَقبِضُ المَوتُ نَفساً مِن نُفوسِهِمُ
إِلاّ وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ
14 - مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ
لا في الرِحالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ
15 - أَكُلَّما اِغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ
أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ
16 - صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها
فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ

ويعرض المتنبي إلى حاله في الدنيا وما لقي بها من متاعب وهموم وغموم يبكي منها، لكن الناس يظنون غير ذلك فيحسدونه عليها، يُظن به الغنى وهو فقير؛ إذ أمواله مواعيد (مثل شيكات بلا رصيد هذه الأيام)، وينتقل إلى الهجاء: فهو ضيف على كذابين (كافور الإخشيدي وجماعته) لا يقدمون له القِرى (طعام الضيف) ولا يسمحون له بالرحيل، والعادة أن الناس يجودون بأيديهم التي تقدم العطاء والمال، ولكن مضيفيه يجودون باللسان (مواعيد كاذبة) ويدعو عليهم بالفناء هم وجودهم. ويصفهم بالنتن، وأن ملك الموت يشمئز من قبض أرواحهم بيده بل يسحبها بعود من نتنها، ويصفهم بالرخاوة ملاء البطون (مفتوقين)، وأنهم خناث مشكلون لا ذكور ولا إناث. ويذكر أنهم عبيد سوء أو أن كافوراً عبد سوء.. قتل سيده وأصبح مكانه سيداً؛ فالعبد سيد والحر مستعبد (انقلبت الموازين).


17 - نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها
فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ
18 - العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ
لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ
19 - لا تَشتَرِ العَبدَ إِلاّ وَالعَصا مَعَهُ
إِنَّ العَبيدَ لأَنجاسٌ مَناكيدُ
20 - ما كُنتُ أَحسَبُني أَحيا إِلى زَمَنٍ
يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ
21 - وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا
وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ
22 - وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ
23 - جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني
لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ
24 - إِنَّ اِمرَأً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ
لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ

وينتقل إلى غفلة المصريين عن كافور مشبهاً مصر بالبستان ذي الكروم والأعناب أكلت الثعالب العنب حتى امتلأت وتخمت (وبشمت) والنواطير (الحراس) نائمون. ويقول إن العبد لا يكون أخاً لحر أبداً ولو ولد في ثياب حر. ويقول إن العبد كالحمار لا بد من العصا معه، والعبيد أنجاس مناكيد. والحمد لله أن أذهب عن المسلمين أخلاق الجاهلية وتفاخرها بالأنساب؛ فكلكم لآدم وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، رغم أنف المتنبي الذي حمله غضبه على هذه الأقوال المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف. ويصف كافور بالكلب الذي يحمده الناس وما ظن أبو الطيب أنه يعيش إلى هذا الزمن، وما ظن أو توهم أن الناس الأحرار ماتوا، وأن كافور (أبا البيضاء - سخرية) موجود. ويصفه بصفات سيئة واضحة في الشعر لا داعي لشرحها، ويقول إن كافور جائع يأكل من زاد أبي الطيب ويحبسه عن الرحيل؛ لكي يقول الناس إن كافوراً عظيم القدر يقصده الشعراء مثل المتنبي ويقول إنه امرؤ تدبر أمره امرأة حبلى ذليل سخين العين (مريضها) مريض القلب (مفئود).
نزار رفيق بشير الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved