* إعداد :محمد بن إبراهيم السبر(*) المرأة المسلمة تحظى بشطر المجتمع وعليها مسؤوليات في هذا النطاق كما لها من حقوق ومنها دور المرأة المسلمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محيطها من الأبناء والأسرة والصديقات؟! وما صفاتها التي ينبغي أن تتحلّى بها وما مجالات احتسابها؟! وما الأماكن التي يتأكد فيها الاحتساب بحقها؟! هذا ما بيَّنه فضيلة الشيخ يحيى بن إبراهيم أبو شريفة من منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مركز شمسان بأبها في محاضرته التي ألقاها بهذا المجال، حيث بيَّن أن المرأة المسلمة أياً كانت تنتمي إلى هذه الأمة التي قال عنها خالقها جلَّ في علاه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران 110). وأنها إذا أرادت أن تكون من خير الناس للناس، ومن خير أمة أخرجت للناس، فعليها بتحقيق شرط الخيرية ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حتى لا تتعرض لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. ولعظم خطورة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعا فضيلته إلى الاهتمام بهذه الشعيرة العظيمة، وقال فأنت أيتها الأم المحضن الصالح لأجيال الأمة، وأنت المعلمة والقدوة الصالحة على يديك تسقط رايات الجهل والأمية، فإليك أختي العزيزة هذه النبذة اليسيرة عن هذه الشعيرة من الآداب والصفات والبشارات لمن قامت بهذه الشعيرة. صفات وتوقف فضيلته في معرض تناوله لهذا الموضوع في البداية مع الصفات التي ينبغي أن تتحلى بها الآمرات بالمعروف والناهيات عن المنكر التي دعا إليها الإسلام ومن هذه الصفات: 1 - الإخلاص: الإخلاص هو إفراد الله سبحانه بالقصد في الطاعة، والإخلاص هو روح كل عمل، والأعمال التي يستعظمها الناس لا وزن لها عند الله عزَّ وجلَّ إذا فقدت هذه الروح قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (سورة البيّنة 5). ولهذا الشرط أهمية إذ عليه مدار قبول العمل وبالتالي النفع به. 2 - العلم: من أهم ما يحسن بالآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر أن تتحلَّى به، فإن العلم زينة لها، ووسيلة صحيحة للعمل، ومرافق دائم في مجال الأمر والنهي. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر 9)، وإن جهالة من تأمر وتنهى فيما تدعو إليه أو تنهى عنه، قد يوقعها في حماقات كثيرة، وإشكالات عديدة، بل ربما حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة، أو تعطلت مصالح راجحة. 3 - القدوة الحسنة: من السمات الحسنة المؤثّرة التي ينبغي أن تتحلَّى بها الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، أن تكون قدوة حسنة للآخرين، لأن التأثير بالاقتداء والتقليد له قيمة كبيرة في نفوس المدعوات، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقدوة صالحة يحتذي الناس بأقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم فمن أسرتها نفسها وأصبحت عبدة لهواها، فلا يمكن أن تنكر على الآخرين. 4 - الرحمة بمن تفعل المنكر والخوف عليها من عذاب الله: ينبغي أن يتم استشعار هذه الصفة والأدب، مع النظر إلى المرأة التي وقعت في المنكر نظرة الرحمة، والشفقة، والرغبة في الإحسان إليها، لكونها تتنازع مع الشيطان ومع هواها ومع نفسها الأمّارة بالسوء لذا ينبغي عدم إعانة هؤلاء الأعداء عليها، بل الوقوف معها وفي صفها حتى تتخلص من هذا الداء الذي ألم بها فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري. 4 - الرفق: وهو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف. وقد سلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جانب الرفق في عملية التغيير والبناء مع كل مدعويه، وأولئك الذين كان يحتسب عليهم سواء أكانوا من اليهود، أم من المشركين، أم من المسلمين. ولقد حث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المسلمين عامة ويدخل في ذلك الدعاة والمحتسبون من باب أولى بالرفق في جميع أمورهم، ومن ذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يحرم الرفق يحرم الخير) رواه مسلم. 5 - الصبر: قال ابن القيم: (الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس، يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها). وإذا كان الصبر ضرورياً لكل مسلم، فإنه لمن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أشد ضرورة، لأنها تعمل في ميدان استصلاح نفسها، وفي ميدان استصلاح غيرها ممن تلي وتطلع على أموره، فإن المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم. ولقد أدرك هذه الحقيقة - التحلّي بالصبر - لقمان الحكيم حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمّنها التحلي بالصبر. قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (سورة لقمان 17). الأوساط النسائية ثم تطرق الشيخ يحيى إلى الأوساط النسائية التي يتأكد فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وذكر منها صالات الأفراح فقال: ولا يخفى عليك أختي المسلمة ما قد يحصل في هذه القصور من التقصير في أداء حقوق الله تعالى من التستر والحشمة للنساء اللاتي قلّ حياؤهن عياذاً بالله، وقال فالدور عليك أختي المسلمة في إنكار هذه المنكرات، والترهيب من لبس هذه الألبسة التي لا تليق بالمرأة المسلمة، مشيراً إلى أنه لا يجوز لك أختي المسلمة الحضور في الأماكن التي يعلم وجود المنكرات فيها إلا إذا كنت قادرة على التغيير لهذه المنكرات. المدارس: ويكون الإنكار فيها على شقين أحدهما: الأمر والنهي للمعلمات اللاتي يقصرن في الحجاب واللباس، وتذكيرهن أنهن قدوات في هذا المقام مع عدم جواز ذلك، والإنكار على المعلمات يكون من مديرة المدرسة أو أخواتها المعلمات. الثاني: الأمر والنهي للطالبات من تقصيرهن في الحجاب والصلوات، والترهيب من فعل هذه المنكرات. الأماكن العامة كالحدائق والأسواق: لا يصدّنك أختي المسلمة خوف الناس، أو الحياء من تغيير المنكر إذا رأيته من إحدى النساء في الحدائق والأسواق والمجتمعات العامة إما بالوعظ اللطيف، أو بإهداء شريط أو مطوية تناسب الحال. مجالس النساء: كاجتماع نساء الحي أو اجتماع الأقارب، وغالب هذه المجالس لا تخلو من منكر إما غيبة، أو نميمة، إلا من رحم الله، فالواجب في هذه المجالس لمن رأت المنكر أن تغيِّره بحسب القدرة، إما بتغيير الموضوع، أو الحديث عن سيرة بعض الصالحين، فإن لم تقدر فلا أقل من الانصراف عن هذا المجلس وهجره وهجر أهله. كما أنه يجب مراعاة أن تغيير المنكر من عدمه يختلف بحسب تفاوت السن، فليست المرأة الكبيرة كالطفلة، وليست الأم كالبنت في التغيير. تنبيهات بعد ذلك طرح الشيخ أبو شريفة عدداً من التنبيهات التي عدها معينة على القيام بهذه الشعيرة ومنها: 1 - أن استكمال هذه الصفات أمر عزيز، ولا شك في ذلك ولو كانت كل واحدة تنتظر استكمال هذه الصفات لطال الزمان، ولتعطَّل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن حسبك بالواجب من هذه الصفات كالإخلاص والعلم والقدرة على التغيير، وما يبقى من هذه الفضائل يأتي مع الصبر والدعاء والممارسة، وهذا أمر مجرَّب. 2 - إن الإنكار في جميع الأماكن في بداية الأمر يبدو صعباً، ولا تستطيعه كل واحدة، ولا شك أن الإنكار في بعض الأماكن أسهل من البعض الآخر، فالإنكار في البيت ليس كالإنكار في صالات الأفراح مثلاً ولا بد من الصبر والدعاء. 3 - إن الآمرة والناهية لا بد أن تتعرض لبعض المواقف، التي ربما تجعلها تتراجع عن القيام بهذا الواجب، ولكن لا بد من معرفة أن طريق الأنبياء المرسلين ليست طريقاً ممهداً بالورود والرياحين، وأن الجنة محفوفة بالمكاره والمخاطر، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة. 4 - إن الصحبة الصالحة من أهم الأمور المعينة على القيام بهذه الشعيرة العظيمة، فاحذري من مصاحبة ضعيفات الهمة والخاملات، يقول الشاعر: قد هيؤك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل تغيير المنكر وفيما يتعلّق بمراتب تغيير المنكر التي ينبغي للمسلمة مراعاتها قال أبو شريفة إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يكلّف نفساً إلا وسعها، وهذه قاعدة متينة من قواعد هذا الدين العظيم، وقال مخاطباً: المرأة وتصوري لو كان الأمر بالإنكار باليد لكل الناس لحصل من الشر والبلاء والتطاحن بين الخلق ما لا يحصي شره إلا الله وحده... ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. مشيراً إلى أن في هذا توجيهاً نبوياً بإنكار المنكرات ولكن كل على حسبه كما يلي: المرتبة الأولى: الإنكار باليد وهو مشروط بالقدرة، وعدم ترتب مفسدة أكبر من جرّائه، وليس لكل أحد الإنكار باليد، فإذا رأيت أنك لا تتمكنين من تغييره بيدك إما لعدم قدرتك على ذلك، أو خشيتك ترتب مفسدة أكبر من المصلحة المرجوّة، فإنك تنتقلين بعد ذلك إلى ما يليها. المرتبة الثانية: الإنكار باللسان إذا عجزت عن التي قبلها، وهذه المرتبة أيسر ولا شك، والذي ينبغي في هذه المرتبة هو التغيير بحسب قول الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (سورة النحل: 125)، فإذا عجزت عن الإنكار باللسان فإنك تنتقلين إلى ما يليها. المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي أدناها ولا شك، ولا رخصة لأحد في تركه أبداً، وضابطه هو الإيمان بأن هذا منكر وكراهته في كرهه وبغضه، فإذا لم يكن الإنكار بالقلب فهذا دليل على عدم الإيمان، ودليل على موت القلب والعياذ بالله، لأن الإنكار بالقلب هو آخر حدود الإيمان. بشائر ومحفزات وفي ختام محاضرته ساق الشيخ أبو شريفة مجموعة من المبشّرات للمرأة المسلمة القائمة بهذه الشعيرة والتي حملت على عاتقها الهم الأعظم، ألا وهو همّ الدين ومرضاة رب العالمين بأنها، قد انتظمت في سلك الفالحين، وسلكت طريق الأنبياء والمرسلين، ومن هذه البشارات والمحفزات: - التشبه بالرسل، والقيام بدعوتهم، والسير في طريقهم. - النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي، وحينما يحل العذاب بقوم ظالمين، فإن الله ينجّي الذين ينهون عن السوء. كما قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} (سورة الأعراف: 165). - الخروج من عهدة التكليف، ولذا قال الذين حذَّروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل، لما قيل لهم {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (سورة الأعراف: 164) فالساكتة عن الحق مؤاخذة، ومتوعَّدة بالعقوبة، كما أنها شيطان أخرس. - إقامة حجة الله على خلقه قال الله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (سورة النساء: 165). - أداء بعض حق الله عليك من شكر النعم التي أسداها لك، من صحة البدن، وسلامة الأعضاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة... وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة) رواه مسلم. هذا بالإضافة إلى الكثير من الفضائل والفوائد التي لا يحصي عددها إلا الله، والتي تعود بالنفع للفرد والمجتمع كرجاء استقامة الأفراد، ورفع العقوبات العامة عن المجتمع.
(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. |