Saturday 5th November,200512091العددالسبت 3 ,شوال 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

عيديات شعريةعيديات شعرية

وبمناسبة العيد السعيد (كل عام وأنتم بخير) أقدم باقة شعرية قيلت بها، بعضها سعيد وبعضها حزين وبعضها بين بين، أبدؤها بقصيدة جميلة لابن الحباب الغرناطي يرحب بها في العيد، مع تعليق يسير وشرح مختصر.
مرحباً بالعيد


يا قادماً عمَّت الدنيا بشائرُهُ
أهلاً بمقدمكَ الميمونِ طائرُهُ
قدمت فالخلق في نُعمى وفي جذل
أبدى بك البشر باديهِ وحاضرُهُ
والأرض قد لبست أثواب سندسها
والروض قد بسمت منه أزاهرُهُ
حاكت يد الغيث في ساحاته حللاً
لما سقاها دراكاً منه باكرُهُ
فلاح فيها من الأنوار باهرها
وفاح فيها من النوار عاطرُهُ
وقام فيها خطيب الطير مرتجلاً
والزهر قد رصعت منه منابرُهُ
موشيُّ ثوبٍ طواه الدهر آونةً
فها هو اليوم للأبصار ناشرُهُ

يرحب الغرناطي بالقادم الذي عمت بشائره الدنيا، قدم على الطائر الميمون، والخلق في نعمة مسرورون، والبشر بادٍ على حاضرهم وباديهم، وكأن العيد يومها جاء في الربيع فالأرض موشاة بالسندس الأخضر والأزهار تبسم في الرياض وكانت هذه الحلل البهية بعد هطول الغيث المبكر. فلاحت الأنوار الباهرة، وأينع النوار العاطر وارتجل خطيب الطير أغاريده، على منبر مرصع بالزهر بثياب موشاة كانت مطوية فنشرت اليوم.
هدية العيد
وهذه أبيات يقدمها الشاعر إبراهيم الطباطبائي(؟) لابن أبي العلياء(؟) راجياً منه قبول هدية بمناسبة العيد.


هدية أرتجي منك القبول لها
إن الهدايا على مقدار مهديها
وافاك ذا العيد يزهو في تطلعه
ببهجة تملأ الدنيا وما فيها
يرنو إليك بعيني شادن رشأ
أحوى المدامع ساهي العين ساجيها
فالبس له جدد الأبراد وانضِ به
مخرقات على الأعوام تلقيها
واسلم ودم واعط واسعف واستدرَّ حياً
فالسحب عنك غدت تروي غواديها

يرجو الطباطبائي ابن أبي العلياء قبول هديته في العيد، ويظهر أن الهدية على قد الحال، ولذلك يعتذر بأن الهدايا على مقدار مهديها لا المهداة إليه، ويذكر أن العيد جاء زاهياً طالعاً ببهجة تملأ الدنيا ومن جماله كأنه ينظر بعيني غزال دمعت عيناه المسجاة المسبلة، ويطلب أن يلبس الجديد ويخلع ما عليه من ثياب مخرقة، وينهي القصيدة بالدعاء بخمسة أفعال أمر معناها (السلامة.. وطول العمر.. واعطاء الناس من كرمه.. وإسعاف المكروبين.. وأن يمطر كرماً مثل السحب المرسلة الأمطار).
إبراهيم طوقان يعطف على ديك الحبش
وهذا أبو جعفر إبراهيم طوقان، وقد رأى ديك الحبش يذبح ثم يلقى على الأرض يتعفر بدمائه، وكان ذلك في العيد فقال:


برقت له مسنونةٌُ تتلهبُ
أقوى من القتلِ المتاحِ وأغلبُ
حزّتْ فلا حدُّ الحديد مخضَّبٌ
بدم ولا نحرُ الذبيح مخضَّبُ
متدفقٌ بدمائه متقلبٌ
متعلقٌ بدمائه متوثبُ
أعذابهُ يُدعى حلاوة روحِهِ
كم منطق فيه الحقيقة تقلبُ
إن الحلاوة في فم متلمظٍ
شَرَهاً ليشرب ما الضحيَّةُ تسكبُ
هي فرحةُ العيدِ التي قامت على
ألمِ الحياةِ وكلُّ عيدٍ طيبُ

يقول الشاعر مبتدئاً بوصف السكين مسنونة (لتصير حادة) تتلهب شوقاً إلى الذبح فحزت رقبة ديك الحبش (هكذا يسمى في فلسطين ويسمى الديك الرومي) وبالانجليزية turkey.
والناس ما كانوا يعرفون المجمد فيشترون الدجاج والحمام والتركي ويذبحونها، يقول حزت السكين رقبته ولمضائها لم يخضب نحر الذبيح ولم تتلوث السكين بالدماء (الدماء تخرج فيما بعد) ثم تدفق الدم وأخذ الديك يتقلب به، وعندنا في نابلس عندما يرون الذبيح ينقلب من الألم ويعلو ويهبط يقولون: من حلاوة الروح، فقال ابراهيم: هل عذاب الديك حلاوة؟ إنه لمنطق مقلوب، فالحلاوة في فم آكل الديك الشره (طبعاً هو مبالغ ويشبه آكل اللحم بشارب دم الديك) والدم محرم ولله الحمد.
وينهي أبياته بأن فرحة البشر بالعيد بأكل اللحوم قامت على ألم الطيور، ثم يعايد قراءه (كل عيد طيب) وأنا أقول: سبحان من أحل الحلال وحرم الحرام، وقد هربت شاة من يد جزارها وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام للجزار: ارفق بها، وقال للشاة اصبري لأمر الله.
مدافع العيد
وهذه صورة لشاعر بائس بعيد عن أهله يستقبل العيد وقد تذكر أهله فحزن حزناً شديداً، وأخيراً يتجلد:


سألتُ لمن هذي المدافعُ تُطلَقُ
فقالوا بشيرٌ قام بالعيد ينطقُ
فقلتُ وما للعيد في نفس بائسٍ
بعيدٍ عن الأهلين بالحزن يُحرقُ
بلى إنها هاجت دفين صبابتي
إلى ما قلبي والمُعنَّى معلقُ
تذكرت أهلي والصحابَ وغربتي
وداراً عليها شمس بيروتَ تشرقُ
فسالت دموع العين مني كأنها
لآلئ حتى كدت بالدمع أشرَقُ
لك الله من عيدٍ أعاد لي الأسى
وهمّاً وآلاماً وشجواً يؤرقُ
وكيف يطيب العيد في نفس نازحٍ
غريب بأغلال المكاره يوثقُ
ولولا رأيتُ الصبر في المجد والعلا
يليق بمثلي كادت النفس تزهقُ

سمع الشاعر إطلاق المدافع فسأل وكأنه لا يعرف السبب، فقالوا له إنها بشائر العيد، فقال إن العيد يسعد غيره أما هو فماذا يفعل له العيد بعيداً عن الأهلين يحترق بغربته، كما أن المدافع هيجت صبابته (واشتياقه) وزادت على قلبه المعنى عناءً، تذكر أهله في بيروت فسالت دموعه اللؤلئية حتى شرق بها، ويخاطب العيد الذي أعاد له الأحزان والهموم والشجو المؤرق إلى أن يقول: إن الصبر شيء من المجد والعلا فتمسك به وإلا لكادت نفسه تزهق (يموت).
الأمن والعيد
ونختم بهذه الأبيات التي قالها الشاعر الأندلسي ابن الحباب الغرناطي الأندلسي مخاطباً الحاكم:


عيدٌ وكلُّ زماننا بك عيدُ
للدين والدنيا به تمهيدُ
فالأمن قد عم البلاد وأهلها
وضفا عليها ظله الممدودُ
والجود قد غمر البسيطة فيضه
فبكل صقع بحره مورودُ

يقول: إن اليوم عيد، وأيامنا في عهدك أعياد حيث أقمت تمهيداً وتطبيقاً للدين والدنيا (ولا ينبغي للحاكم أن يزهد في الدنيا بل يقبل عليها ويدبر أمرها)..
مدح شاعر المأمون العباسي ببيت قال فيه:


أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً
بالدين والناس بالدنيا مشاغيلُ

فنظر إليه بغضب، فسأل أحدهم عن سبب غضب المأمون، فقال له:
ما زدت على أن جعلته عجوزاً على سجادتها ماسكة سبحتها، إذا لم يدبر المأمون الدنيا فمن يدبرها؟ حسن أنه لم يؤدبك.. ألا قلت مثلما قال الشاعر:


فلا هو في الدنيا مضيع نصيبهُ
ولا عرضُ الدنيا عن الدين شاغلُه

ويصف البلاد (غرناطة) في عهده وقد عمها الأمن في ظل حاكمها الذي غمر جوده البلاد والعباد فبحر كرمه امتد ليغمر كل الأصقاع.
نزار رفيق بشير
الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved