Monday 31th October,200512086العددالأثنين 28 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

الاثنين 16 من رمضان 1392هـ الموافق 23 أكتوبر 1972م العدد 438 الاثنين 16 من رمضان 1392هـ الموافق 23 أكتوبر 1972م العدد 438
البكاء بين يدي امرئ القيس..

قصة: إسماعيل كتكت
صدقيني أنه منذ أن ترجل امرؤ القيس عن ناقته.. وذبحها لحبيبته وأنا أحلم بصورتك متكورة تذروها الرياح وتحملها لتضعها في قلبي.. فأحتفظ بها طرية كأحلام العذارى.. تنساب في شراييني فانتفض لها.
قلت لك ذات مرة.. لو كنت أملك الحل الجذري لنفذته دون تردد ولكن مصيبتي أنني لا أومن بإنصاف الحلول.. أتزوجك؟!
أمل في حياتي يتدفق ملحاحاً.. كما يتفصد العرق بعد إجهاد.. ولكنني لا أملك سوى أخي.. وثلاثين ريالاً.. وعشرة أيام حتى نهاية الشهر.
قلت لك أن الانتظار مفيد.. وارتسمت على وجهك علامة تعجب كبيرة اصطكت لها ركبتاي.. وهفت أنني مخطئ.. إنني لا أودك أنت ساحرة.. وأنا لا أستحقك.
لم تفصحي.. كان صمتك تلالاً من الأسى تدفنني في جوفها.. وكانت في عينيك قصيدة تافهة.. ألفها شاعر مكتسب في ليلة خواء.. أنت مخطوبة.. وأنا أجتر خيبتي.. صدقيني أنني لحست عظامي أبحث في تصلبها عن ملوحتك.. ولكني عدت ماشياً تلسعني ضحكاتهن.. بعد أن أكلن ناقتي وتركنني بلا راحلة.. كأن زمنا من الحب.. وكنت مورقة.. معطاءة.. كان في طيفك إحساس كبير بالمسؤولية.
وفي عروقي تخثر الدم.. وسعلت حتى امتلأ وجه الحائط بالرذاذ تبينت صورتك قميئة.. تتزحلق.. في دائرة بلا حدود.. كانت لك ساق واحدة والأخرى نبت عوضها قضيب من حديد.. وعكاز تحت إبطك.. وشريحة من القماش تتدلى فوق صدرك.. وخيط زئبقي لزج يتدلى من شفتك السفلى.
بصقت ضحكة فجة.. وعدت من حيث أتيت.. بعد أربعة أعوام.. تنطلقين في داخلي أغنية ربيعية فاستقبلك بالزغاريد.. ومضه.. طال عمرها دقيقتان وانحنت تقبل يديك واختفت.. بحثت عنك في الطرقات العتيقة.. فقالوا إن التي حذاؤها من زجاج.. لا يمكن أن تسلك الطريق الوعر.. في عيون (ميدوزا) رأيتك.. كنت قالباً متصلباً.. وكانت حرارتك فوق الألف.. تمخض صمتك جبلا.. وتمخض صبري قطا بعين واحدة.. كنت لا تزالين تحتفظين بالوردة التي قطفتها لك ذات يوم من حديقة ما.. وكنت قد كسرت أصيص الزهور وألقيته خلف متسول لكع.. ظل بالباب يغني (كتبنا وما كتبنا).
أيتها المعتوهة بالرغبة.. النائمة في ظلال الأشياء.. ليس بعد الإغفاءة ألا تفكك في الأوصال.. وذكريات تنسكب بقسوة على رؤوس الأصابع.. في الخلايا.. قلت ذات يوم أن أمرك لا يعنيني وأن حبك ليس إلا لعبة أتسلى بها.. بعد أن تحطمت كل الألعاب من شظايا القنابل.. وسرني وقتها أنني لعبة.. فلطالما تمنيت في طفولتي دراجة صغيرة امتطيها كما يفعل النبت قبل موسم الحصاد.. لكن أبي الذي وعدني بإحضارها سقط على عتبة المنزل.. والدم يتدفق من فمه كمزراب قروي في لحظات شتاء مبالية.
لا الطبيب رضى أن يداويه بلا أجرة ولا زوجته فرطت بذهبها لتدفعها أجرة للطبيب ولم يكن يهمني أبي وأنا أمسح بكمي دموعي المدرارة.. بقدر ما كانت الدراجة الصغيرة تدوس صدري بعجلات حديدية صلبة.. صلبة.
كان الدم ينزف من جبيني عندما قابلتك.. قلت لك إنني لا أستطيع العمل هذا اليوم وابتسمت.. واستعدت حكاية الجمل الذي يعرج من أذنه.. كانت تلك بداية البداية.. أو نهايتها لا أدري.. ولكنني أدري أن أرض الشوك لا تنبت إلا الشوك.. ولو زرعت بها حنطة.. لوخزها.. وامتص الجذور.. واصل صدقيني أنني تشمت بامرئ القيس وأنا أراه يعدو في البراري والصبايا تهتز صدورهن استخفافاً.. لأكثر من ساعة قبل أن يلتفت إلي.. ويضحك.. ضحكات.. تحرها التعب والعطش ويشير إلي باصبعه.. كأنه يود أن يقول.. أنت أيضاً تسير على نفس الدرب.. لكن الفرق بيني وبينك أنني أعرف خيمتي.. أما أنت ف.. هه.. هه.. هه!!!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved