الجود وحب الإنفاق وبذل الصدقة بل التسابق إلى قضاء حاجات ذوي الحاجات ومواساة المعسرين والإعانة على نوائب الدهر هذه كلها من سمات وخصائص هذا المجتمع إذ هي من أهم وأسمى الأخلاق التي جاء بها ديننا الحنيف وهي من صفات نبي الرحمة وإمام الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ومع ما أكرمنا الله به من نعم تَتَرَى وخيرات لا تُحصى بلغت هذه السمات الحد الأعلى كماً وكيفاً وشملت كل طبقات المجتمع وفي رمضان الخير والرحمة يتسابق الناس رجالاً ونساءً لدفع زكاة أموالهم طاعةً لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وطمعاً في وافر الأجر وعظيم المثوبة وهذه الخصائص التي أكرم الله بها هذا المجتمع رعاةً ورعيةً مع سمة قل أن تتوفر في مجتمعات أخرى هي إحسان الظن بالجميع عملاً بالنصوص من الكتاب والسنة وسلامة القلوب أقول هذه الخصائص والسمات مجتمعة جعلت الأمم تتوافد على هذا البلد من مشارق الأرض ومغاربها. ومن أنواع الصدقات المبذولة الصدقة الجارية، وكفالة الأرامل والأيتام، وحفر الآبار، وبناء المساجد، وإفطار الصائم، ودعم المؤسسات الخيرية، وغيرها الكثير. ولقد كان الناس قبل أحداث الإفساد والتفجير يغمض أحدهم عينيه ويدخل يده في جيبه ليساهم في مثل هذه الأعمال العظيمة دون سؤال أو حساب، وكان الناس يبحثون عن أي شخص يتسم بسمات الدين ومظهره مظهر الاستقامة والصلاح ليدفعوا إليه أموالهم ليقوم هو بدور الوساطة فيسلمها إلى أهلها ومستحقيها. وإن مما ينبغي التواصي به في هذه الرؤية مراجعة الحسابات وبذل كل الجهد وأقصى درجات التحري فيمن يُدفع له المال فحسن الظن مطلوب ولكن الكياسة والفطنة أيضاً مطلوبة بل هي من صفات المؤمن (المؤمن كيس فطن) ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وحيث قد أدرك الجميع وعلم الجميع أن هناك من ضعفاء النفوس وأرباب الهوى من يلبس على الناس فيستدر عواطفهم مستغلاً سلامة قلوبهم وحسن ظنهم ليجمع ما يمكنه جمعه من أموالهم وتحت مظلة أي مشروع خيري لتكون رصيداً لعمل إرهابي أو يقوم على أقل أحواله بدفعها لبعض المؤسسات غير المعروفة التي تنتمي لبعض الجماعات والأحزاب خارج هذه البلاد ومن واقع قراءتي لرؤية ورسائل وأهداف عدد من هذه المؤسسات الحزبية وربما (الجهادية) بل من واقع تجربتي مع بعضهم فإن جميع الأموال التي ندفعها وتصلهم بطريق أو آخر تسخر للإساءة لنا جميعاً وتشويه صورتنا وربما سبنا وشتمنا على المنابر. ولعلي أن أسجل بعض ذكرياتي في هذه الرؤية حول هذه القضية فأتذكر إبان الجهاد الأفغاني لطرد الروس أنني دعيت في مأدبة عشاء وكان الدعوة على شرف ضيف وهو من دولة مجاورة قد قدم من أفغانستان وهو يلبس العمامة فقام يتحدث عن الجهاد وفضل الجهاد وفضل الإنفاق في سبيل الله تعالى فما هي والله إلا لحظات حتى انهالت عليه المبالغ الهائلة والذهب وغيره؛ وليس الخلل في حب الناس للنفقة وبذل المال في سبيل الله تعالى فهذا العمل دلت على فضله وعظيم أجره النصوص من الكتاب والسنة ولكن الخلل وهو الشاهد سرعة بذل الناس أموالهم دون تحرٍ عن الرجل وتثبت من حاله ومصداقيته. كما أتذكر أنني أوفدت للإمامة في إحدى دول العالم الغربي وقد صليت في أحد الجوامع فخطب الإمام خطبة ما زالت في ذاكرتي كلها ذم وشتم وسب لهذا البلد حكاماً وعلماءً رعاةً ورعيةً فسألت عنه بعد خطبة الجمعة فإذا به يعمل أميناً عاماً لمؤسسة دعوية تنتمي إلى إحدى الجماعات الحزبية التي عرفت برعايتها للإرهاب وحقدها الشديد على حكامنا خاصة وحكام العرب عامة وقد أكد لي عدد من الحضور بعد أسفهم الشديد عن خطبته السيئة أنه وفي كل رمضان يفد إلى المملكة لجمع التبرعات لمؤسسته. فالوصية والنصيحة لكل فرد من أبناء هذا المجتمع تحري الدقة والحرص الشديد على أن تكون زكاته ونفقته وبذله في وجوهها السليمة وأماكنها الحقيقة ولدينا عدد من جمعيات البر التي يرأس مجالسها ويشرف عليها رجال لا يخالج أحداً شكٌ في مصداقيتهم وحرصهم على أموال الناس ولنأخذ على سبيل المثال جمعية البر بمدينة الرياض فرئيس مجلسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وأعضاؤها عدد من خيرة مشايخنا وهكذا جمعيات البر والمؤسسات الخيرية التي لا يشك في القائمين عليها ولا في تصرفاتهم في أموال المسلمين. كن حذراً حتى وإن جاءك مَنْ تثق بديانته وعلمه وصلاحه يتلو عليك آيات من كتاب الله تعالى وأحاديث من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضل الجهاد في سبيل الله تعالى بالمال وفضل مؤازرة المجاهدين وأن أموالك بأيدٍ أمينة وستصل لإخوانك المجاهدين في سبيل الله في أي بقعة على وجه الأرض فكن حذراً فليس الخبر كالعيان ولربما ساهمت في قتل أنفس معصومة فوفدت على الله يوم القيامة وفي عنقك دم مسلم أو معصوم. أؤكد على هذه القضية بعد أن علم الجميع ومن خلال وسائل الإعلام واعترافات بعض الموقوفين في قضايا إرهابية بأن مصادرهم المالية كانت مما يبذله بعض الناس في وجوه الخير من صدقة وزكاة وإفطار صائم ونحوها ولا أظن عاقلاً وبعد هذه الاعترافات يتهاون في الجهة التي يدفع إليها زكاته أو صدقته وقد ذرفت عينه دمعة على أرملة فقدت زوجها أو طفلة قُتلت بدون ذنب أو أطفال يُتموا وفقدوا والدهم في تلكم المحنة التي مرت بنا وليتذكر كل منفق ومتصدق أنه سوف يُسأل بين يدي ربه جل وعلا عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما أخبر الصادق المصدوق (لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) وذكر منها ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وليعلم المتهاون في بذل النفقة أنه شريك لمن يستغل ماله في عمل إرهابي شريك له بالفعل وشريك له بالإثم والعقوبة العاجلة والآجلة.. وفق الله الجميع للصواب وهداهم صراطه المستقيم.
(*)جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض
|