أرسل الله عز وجل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، فَبَلَّغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ وترك أمتَه على المحجةِ ليلَها كنهارِها لا يزيغ عنها إلا هالك، وهذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، وقال تعالى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقد أنزل الله كتابه العظيم مهيمناً على الكتب السابقة وحاكماً عليها في الهدى والنور وفيه صلاح الناس في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فهو ينظم علاقة العبد بربه وعلاقته بمن حوله من الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وعندما أقر الإسلام لغير المسلمين البقاء في دار الإسلام شرع لهم من الحقوق والواجبات ما يبعث على بقائهم في داره وتحبيبهم، بل إدخالهم في دينه، وما قررته الشريعة الإسلامية من حقوق وواجبات لغير المسلمين باقٍ إلى قيام الساعة، وإنْ غاب تطبيقه في معظم بلاد المسلمين اليوم، فغير المسلمين أحد أفراد المجتمع الإسلامي الذين أُذن لهم بالبقاء فيه بعقد الذمة أو الأمان وقررت الشريعة من الحقوق والواجبات ما هو بمبسوط في كتب الفقه ومن أجمع ما كتب في ذلك كتاب الإمام ابن القيم - رحمه الله - (أحكام أهل الذمة)، وكتاب (أحكام أهل الملل) للخلال - رحمه الله. ومصدر الحقوق والواجبات للمسلمين وغير المسلمين في المجتمع الإسلامي هو الوحي الإلهي بمصدريه المعصومين الكتاب والسنة، فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا حق إلا ما جعله الله حقاً. ولذا فإن حقوق غير المسلمين في المملكة العربية السعودية التي شرفها الله برعاية الحرمين الشريفين وأكرمها بتطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامه وحدوده، تُسْتَمدُ من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح واجتهادات علماء هذه البلاد فيما يجد من قضايا تتعلق بمعاملة غير المسلمين، ومن ثم ينعم المقيمون في المملكة من غير المسلمين بحقوقهم الكاملة. وتعد المملكة العربية السعودية رائدة تطبيق تعاليم الإسلام في معاملة غير المسلمين فلهم حقوق مكفولة ينعمون بها، وواجبات يؤدونها، لا لأن منظمة حقوق الإنسان أو الهيئات الدولية تنادي بذلك فحسب، ولكن لأن هذه الدولة تحكم بشريعة الله التي كفلت لكل أفراد المجتمع المسلم ومن يعيش فيه بعهد أو ذمة حقوقاً محددة واضحة وأوجبت عليهم مقابل ذلك واجبات يلزمهم أداؤها وهذه من أهم مزايا معاملة غير المسلمين في المملكة، فإذا كانت الدول تسعى في معاملتها للرعاية الأجانب إلى تطبيق المبادئ التي تنادي بها منظمة حقوق الإنسان، فإن الحقوق التي كفلتها المملكة للأجانب المقيمين فيها من المسلمين أو غير المسلمين لا تهبط إلى مستوى التوصيات التي لا ضمان لها، بل تستمد قوتها من الشريعة الإسلامية التي كفلت لغير المسلمين حقوقهم في المحافظة على أموالهم ودمائهم وأعراضهم. هذا وجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية أخذت بجميع المبادئ الدولية التي وضعت لصالح العمل والعمال، خاصة في حق الأجر العادل، وحق العطل المأجورة، وتحديد ساعات العمل، والإجازة السنوية المأجورة، والشروط الصحية والوقائية، والتأمين الصحي وتعويض الإصابة، مما جعل المملكة في ميدان حقوق العمل في مقدمة دول العالم، ولذلك كانت المملكة مصدر استقطاب للعمال حيث تتعدد جنسيات العمالة المستقدمة في المملكة بصورة يندر أن توجد في دولة العالم الثالث، وقد حافظت المملكة على علاقات تجارية مع معظم دول العالم، وتسعى إلى تشجيع التبادل التجاري وجلب التقنية، والاستفادة من الخبرات والمهارات البشرية عن طريق التدريب والاحتكاك بالعمال والخبراء من الدول التي تستقدم منها. وغير المسلمين في المملكة هم من المستأمنين والإسلام يكفل للمستأمن حقوقه دون الحاجة إلى قيام عقد، فله حق الحفاظ على نفسه وماله وعرضه، ولم يفرق الإسلام بين الذمي والمستأمن في الحقوق، فإن للمستأمن في دار الإسلام من الحقوق ما يقرب من حقوق الذمي، لأن المستأمن بمنزلة أهل الذمة في دار الإسلام، وعلى هذا فالقاعدة العامة أن للمستأمن حقوقاً وواجبات كالذمي إلا في استثناءات قليلة اقتضتها طبيعة كون المستأمن أجنبياً عن دار الإسلام، فالجزية مثلاً لا تجب على المستأمن لأنه أجنبي عن دار الإسلام وتجب على الذمي وإن كان الاثنان من غير المسلمين. وعندما يقوم المسلم في المملكة بأداء حقوق غير المسلمين يقوم بذلك امتثالاً لأمر الله ورسوله وطاعةً لأولى الأمر، لا لأن منظمة حقوق الإنسان قررت ذلك ودعت إليه، فحفظُ المُعاهد في نفسه وماله وعرضه أمرٌ كفله الإسلام قبل ظهور منظمة حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات. كما أن الفرد المسلم في المملكة لا يقوم بأداء هذه الحقوق مكافأةً أو معاملةً بالمثل، وإنما يقوم بها لأنها من دين الإسلام بل إن المسلم لا يرتبط في معاملته لغير المسلمين من إيذاء المسلمين لا يخول أي مسلم أن يكافئ بني جنسهم بإيذاء مماثل، قال تعالى {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وقد نُهينا عن ذلك بنصوص كثيرة، كما أن المحافظة على دماء المستأمنين وأموالهم وأعراضهم من مقتضيات الأمان؛ والوفاءُ بالأمانِ توجيهُ الشريعةِ الإسلاميةِ، ولا يمكن التفريط فيه لأنه غدر وخيانة والخيانة منهي عنها في الإسلام. ويمكن أنْ تُبينَ صور حماية غير المسلمين في المملكة العربية السعودية من خلال العناصر التالية: * حرمة دمائهم وأعراضهم: لما أذن الشارع للغير بالبقاء في دار الإسلام وشرع عقد الذمة والأمان، فإن ذلك يقتضي مسؤولية الدولة عن هؤلاء المستأمنين وحمايتهم، فلهم على الدولة حق الحماية والحفاظ على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فيُحرم قتالهم، وأخذ مالهم، وانتهاك أعراضهم. وقد قرر الفقهاء أنه: يجب على الإمام حفظهم ومنع من يؤذيهم. وأصل تحريم قتالهم مقتضى العهد معهم، وقد جاء الوعيد الشديد لمن اعتدى على معاهد، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قتلَ معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً). والمعاهد: مَنْ له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم. ففي هذا الحديث تحريم قتل المعاهد وحرمة دمه، قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي الديار السعودية رحمه الله: (لا يجوز قتل الكافر المستأمن الذي أدخلته الدولة آمناً) فالاعتداء على غير المسلمين المستأمنين لا يجوز، لأنهم دخلوا بأمان، ولا يعني كفرهم جواز قتلهم أو إيذائهم. * حرمة أموالهم: كما لا يحل شيء من أموال المسلمين إلا بطيب أنفسهم فكذلك لا يحل شيء من أموال غير المسلمين المستأمنين إلا ما صولحوا عليه، لأن في الأخذ بغير طيب أنفسهم معنى الغدر وترك الوفاء بالعهد، وكلا الأمرين مرفوض في الإسلام، ولذلك فملكيتهم مصونة شأنها شأن ما يملكه المسلم، ولهم حق التصرف في أموالهم. وفي سبيل المحافظة على الحقوق المالية لغير المسلمين في المملكة العربية السعودية فقد جاءت التعليمات والأنظمة التي تساعد على حفظ أموال الوافدين إلى المملكة من المسلمين وغير المسملين، خلال إقامته في المملكة، بل حال دخولها فقد تضمن نظام الإقامة أن على الأجنبي أن يوضح المال الذي يحمله ساعة دخوله إلى المملكة نقداً أو شيكاً، وفي ذلك لا شك حماية لماله وحفظ لحقه ومن المحافظة على حقوقهم المالية من قبل صاحب العمل، أوجب نظام العمل والعمال على صاحب العمل عدم تأخير حقوق عماله المالية. * عدم إكراههم على ترك دينهم: ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من هديه إيذاء الكفار بل ذهب ليضيق عليهم الطريق؛ وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مع اليهود في المدينة ولا أصحابه يفعلونه بعد فتوح الأمصار. وبهذا يتبين لنا خطورة الوقوف على بعض النصوص في معاملة غير المسلمين، كما يتبين لنا ضرورة الأخذ بكل نصوص القرآن الكريم والسنة، وبذل الجهد في فقه نصوصهما المتعلقة بغير المسلمين، ومن ثم لا يؤخذ النص على إطلاقه من غير فكر ولا روية، ولا يُفهم بعيداً عن النصوص الأخرى الواردة في الكتاب والسنة.
|