Monday 24th October,200512079العددالأثنين 21 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

دراسات قرآنية في شهر القرآن الكريمدراسات قرآنية في شهر القرآن الكريم
مالك ناصر درار

نزل القرآن الكريم في رمضان، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(سورة البقرة 185). ولذلك يستحب أنْ يكثر المسلمون من تلاوة القرآن، وأن يكون اهتمامهم بالتلاوة في شهر رمضان أكثر. فقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في شهر رمضان من كل عام يقوم بمراجعة عامة، وذلك بتلاوة الآيات التي نزل بها الوحي مرتبة، وكان ذلك يتم في حضور جبريل، فلما كان العام الأخير في حياته صلى الله عليه وسلم راجع عليه جبريل القرآن مرتين، وكان القرآن قد اكتمل وكانت المراجعة شاملة وكاملة، وقد حس الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه المراجعة على هذا النحو أن أجله قد قارب النهاية.
فضائل القرآن الكريم
قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}(الجحر 87) وقال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ}(سورة البروج 21) وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}(سورة فصلت 41)، وصحّ من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة تصف فضائل القرآن، منها ما صحّ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لله أهلين من الناس)، فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذا القرآن مأدبة الله في أرضه، فهلموا إلى مأدبته ما استطعتم، وإن هذا القرآن هو حبل الله ونوره المبين وعصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه).
وعن معاذ قال: كنت في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله حدثنا بحديث ينتفع به، فقال: (إن اردتم عيش السعداء، وموت الشهداء والنجاة يوم الحشر، والظل يوم الحرور، والهدي يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن وحرس من الشيطان، ورجحان في الميزان).
وعن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنني أخاف أن أتعلم القرآن ولا أعمل به، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يعذب الله قلباً أسكنه القرآن).
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد)، فسئل وما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: (ذكر الموت وتلاوة القرآن، ألم تسمعوا قوله تعالى: {وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ} (يونس 57).
وأخرج الترمذي والدارمي وغيرهما: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن). فسئل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ فأجاب: (كتاب الله: فيه نبأ مَنْ قبلكم، وخبر مَنْ بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، مَنْ تركه من خيار قصمه الله، ومن ابغتى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيع به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، مَنْ قال به صدق، ومَنْ حكم به عدل، ومَنْ دعا به هُدي إلى صراط مستقيم)، واخرج الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب). وأخرج ابن ماجة من حديث أبي ذر الغفاري: (لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة).
القرآن والعلم
رفع القرآن العلم ووضعه في مكانة جليلة، وأكبر دليل على ذلك أن أول سورتين نزلتا من الذكر الحكيم تقرران قيمة الكلمة المقروءة والكلمة المكتوبة، والسورة الأولى التي تتكلم عن الكلمة المقروءة قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وتلك أول آيات نزلت من القرآن. والسورة التي نزلت بعد سورة (اقرأ) بناء على رأي الأكثرين هي سورة (ن) التي مطلعها {ن. وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}وعلى هذا فالآية الأولى تتكلم عن القراءة والآية الثانية تتكلم عن الكتابة، وذلك قمة في التقدير للفكر مقولاً أو مكتوباً.
وبعد ذلك تجيء في القرآن الكريم آيات كثيرة تثبت جلال العلم ومكانة العلماء ومنها قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}(سورة آل عمران 18)،{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر9)، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(سورة المجادلة 11)، {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}(سورة آل عمران 7).
القرآن الكريم ليس كتاب علوم
ذلك قدر إجمالي يبرز مكانة العلم والعلماء كما وردت في القرآن الكريم، ولكن ينبغي أن يكون واضحاً أن القرآن الكريم ليس كتاباً في الدراسات الإسلامية، طبية أو فلكية أو نحوها. وفي ذلك يقول الإمام محمد عبده: إنه ليس من وظائف الرسل ما هو من عمل المدرسين ومعلمي الصناعات. فليس ما جاؤوا له تعليم التاريخ، ولا تفصيل ما يحويه عالم الكواكب، ولا ما تحتاج إليه النباتات في نموها، ولا ما تفتقر إليه حيوانات في بقاء أشخاصها وأنواعها، وكل دخل الأديان في ذلك هو حراسة العقول حتى لا تزل، وإذا كان ورد في كلام بعض الأنبياء إشارات للكون والأفلاك وغيرها فالمقصود توجيه النظر إلى حكمة المبدع، أما التفاصيل العلمية فأبحاث يتطلبها مَنْ استطاع من مجالاتها العلمية.
القرآن والحقائق العلمية
ومع هذا فإن القرآن حوى بعض اللمحات العلمية التي أثبت العلم الحديث دقتها وروعتها.. ومن أقوال بعض الباحثين في ذلك ما يلي:
القرآن ليس كتاباً علمياً بالمعنى الفني، فهو لا يتوافر على دراسة فرع معين من فروع العلم ولا بحث مسائله ومشكلاته ولا يعالج نظرياته، ولكن القرآن مع ذلك تعرض عموماً لما في هذا الكون من ظواهر ومشاهد وقوانين طبيعية واجتماعية وإشارات إلى الحياة والموت، وإلى الكواكب والنباتات، وإلى السنن الكونية. ومرت القرون تلو القرون وتقدمت العلوم والمعارف تقدماً واسعاً ومع هذا لم يحدث تصادم بين آيات القرآن الثابتة منذ مئات السنين ومقررات العلم الحديث، بل على العكس أبرز بعض المفكرين من العلماء المحدثين المطابقة الدقيقة بين آيات القرآن وآخر ما انتهى إليه العلم الحديث، ومن هؤلاء المرحوم الدكتور عبدالعزيز إسماعيل أحد الأطباء الكبار في مصر الذي أثبت المطابقة الدقيقة بين آيات القرآن الكريم وما انتهت إليه أحدث البحوث في علم الأجنة.
ومن النماذج الواضحة في ذلك قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}(سورة العلق الآية الثانية) فالعالم الإسلامي القديم كان لا يفهم من هذه الآية إلا ظاهرها اللفظي فكان يقول في تفسيرها، العلق جمع علقة، أو يقول عنها الدم المتجمد، ثم ينتقل سريعاً إلى غيرها من الآيات، ولكن عندما ظهر الميكروسكوب في العصر الحديث تبيّن أنَّ هذا الماء الذي ينتقل من الذكر إلى الأنثى والذي هو أصل الحياة البشرية ليس في حقيقته إلا ملايين الملايين من الحيوانات المنوية الدقيقة التي تشبه العلق في شكلها، وهكذا ينجلي هذا السر الرائع الذي تنطوي عليه هذه الآية، والذي لم يظهر لنا إلا عن طريق الكشوف العلمية الحديثة. وشبيه بهذه الآية آية أخرى لم يدرك الأقدمون معناها الحقيقي، وكانوا يفسرونها تفسيراً مجملاً، وهي قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}(سورة الحجر الآية 22) فما كان البشر يعرفون من قبل أنَّ النبات كائن حي كالإنسان والحيوان، وأنه يتألف من ذكر وأنثى، وأنه يتلاقح كما تتلاقح الأحياء، وأن الريح في كثير من الأحيان هي واسطة هذا التلاقح.
وهكذا تتضح كل يوم إشراقات جديدة من آيات القرآن الكريم، كما استطاع العلم الحديث أن يصل إلى كنه ما يحويه.
فضل قراءة القرآن
يستحب الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته، فقد روى الترمذي من حديث ابن مسعود: (مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها). وأخرج مسلم من حديث أبي أمامة: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه). وتسن القراءة والتدبر والتفهم؛ فذلك هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب.. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (سورة ص 29).
وقال: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}(سورة النساء 82).
ويستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها؛ لأن الذي يَسِرّ قد يمل فيأنس بالجهر، والذي يجهر قد يكل فيستريح بالإسراروالقراءة من المصحف أفضل من القراءة من الذاكرة؛ لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة يُثاب الإنسان عليها، وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (أديموا النظر في المصحف)، ولكن إذا كان التدبر يحصل في حالة القراءة من الذاكرة فإن هذه القراءة تكون حسناً.
وينبغي الاستماع بخشوع لتلاوة القرآن، وترك اللغط وترك الكلام عند القراءة، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(سورة الأعراف 204).
التطريب في أداء القرآن: ويسن تحسين الصوت بالقراءة وتجميله لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} ولقوله عليه الصلاة والسلام: (زينوا القرآن بأصواتكم) وقوله: (حسنوا القرآن بأصواتكم)، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً.ولكن ينبغي ألا يخرج بالقراءة إلى حد التمطيط والألحان، وقد ذكر السيوطي أن بعض الناس ابتدع في قراءة القرآن أصوات الغناء، وأن أول ما غنى به من القرآن قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}(سورة الكهف 79).
التكسب بالقرآن
ويكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها، وأخرج الأجري من حديث عمر بن حصين مرفوعاً: (من قرأن القرآن فليسأل الله به، فإنه سيأتي قوم يقرؤون القرآن يسألون به الناس). ولكن تعليم القرآن بأجر جائز عند الأكثرين، ولا يجوز أن يقرأ القارئ القرآن عند ظالم حتى لا يخدع الناس به، وفي الحديث: (من قرأ عند ظالم ليرفع من شأنه لعن بكل حرف عشر لعنات).
قراءة القرآن بغير العربية
ولا تجوز قراءة القرآن بغير العربية مطلقاً سواء أحسن العربية أم لا، وسواء كان ذلك في الصلاة أو خارجها. قال أبو حنيفة أولاً بالجواز ثم رجع عن ذلك، وأجاز يوسف ومحمد ذلك لمن لا يحسن العربية، وسبب المنع أن القرآن إذا ترجم لغير العربية ذهب إعجازه البياني، وهذا الإعجاز مقصود لذاته.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved