Saturday 22nd October,200512077العددالسبت 19 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

قوافل الشعرقوافل الشعر
سلوى أبو مدين

هؤلاء شاعرات غمسن أقلامهن بالهمّ الإنساني، وكتبن بالدم قصائدهن، شاعرات من غزة حملن رغبة في فردِ أجنحة الصراخ، لغة مكسوة بالياسمين المعتق، تشاركها غموض وجموح الحرف في علاقة دافئة، وذوات تتحرك في داخلنا تحاصر أبجديات قادرة على التنفيس.
هناك من يمارس التحليق بين المعاني الغضة؛ ليعكس لنا مذاق الوجع والحرقة، وأشرعة الخوف لا تكف عن الهذيان! يحملن الفراغ المسكون باللهفة والحنين إلى مرفأ أضاء شاطئه؛ لنعيش تلك البدايات إلى ما لا نهاية، ونقرأ هذا الفيض الشعري، ونرتوي كمن لا يعرف الارتواء!
لين الوعري طالبة تدرس في الجامعة من غزة تكتب الشعر، ونشرت في الصحف المحلية، تقول في قصيدتها (عشرون ربيعاً وباقة ورد وأجمل الذكريات):
لا توبخي الشمس؛ إذ لا تجعل من وجهها لوحة سريالية سخيفة؛ فهي تعشق اللهو بالرمال وتسلق الأسوار ثم تعود في المساء متسخة محمرة الخدين حافية ثم لتغرق في البحر.
عشرون ربيعاً أقنَعَت غروري بأني مُحنّكة في مراوغة القطط؛ فلماذا أشعر بعجزي أمامك.
عشرون ربيعاً سئمت كتبي أروقة المطارات واشتاق جواز سفري إلى المبيت في درج مكتبي ولفظتني كل السفن المسافرة.
أضعت منديل جدتي الذي ودّعت به النخيل وخمائل الزيتون.
ارتفع أزير جهاز التفتيش بحثوا فيّ فماذا وجدوا؟
عشرون ربيعاً وجدّتي تخبرني بأن الحمائم تُعِد لي ثوباً من ورق الورد إكليلاً من زعتر القدس وباقة من زنابق يافا وأنها ستُغسّل شعري بليمون غزة وتُخضّب يدي بحناء السبع.
مضت جدتي، ولم تعلمني أهازيج الفرح.
فمتى أزَفّ إليك؟
عشرون ربيعاً.. هل صنعت من روحي أنثى؟!
حقاً لا أدري! لكنها تبقى عشرين ربيعاً أهديها مع خالص حبي.
***
في حين ينساب حبر فداء الأعرج كعبيرٍ يتراقص مثل إصرار الفراشة على الاقتراب من الضوء فتهمس عبر الورق بقصيدة عنوانها (موسيقى تلبس عري القافلة):
أيتها الفراشة الهاربة من حلمي إلى وجع الطريق..
الحلم زجاجة في حبري إذا انتفض الحبر في بضع كلمة كسرت..
وإذا استكان وخزت طيب ألوانه أطلب الآن من شمسي عذراً..
لبقع الظل تغشى ثوبها..
الظل يفتح عيني ويغلق قلبي عند نقطة المنعطف
كيف يكون المنعطف نقطة للرجوع؟
وكيف يكون الرجوع انسحاباً للظل من شمس ثوبي؟
خشب يرتع في خربشات الصوت..
خربشات تحترف الألق لها حواف ثلجية
بعدها تحترق.. لها شجر ينمو في عمر القصائد
ترعاها بعض المكائد.. لكنها تهفو ثم تنزلق..
الصوت يرجف في زحام الموت بعض الصدى ثم يضيع الصوت.
***
رغبة تدفعني لصدى حروف تلك الشاعرات، وألمس أوتار خيوط الشمس فترسل لحناً عذباً.. يتماهي في خاصرة الياسمين عقودا.. فتنسكب رائحة المطر.. ويرتع نجم خافت بين أصداء السحب.. فتنسج نجوى شمعون، وهي كاتبة شعر وقصة ومقالة قصيدتها وهي بعنوان (هنالك نساء):
هنالك نساء على حافة الرصيف
يطويهن الحنين إلى اللاشيء
وإلى الشيء. فيسرقهن الملل رويدا رويدا..
هناك نساء تحت العواصف..
عاصفة وتحت الرعد.. رعد
وتحت الحنين بنفسجة..
هنالك نساء في بحر من قلق
يجرفهن تيار.. ويقتلهن تيار
يمضي الخريف وتموت أزهار
تحت القبعة..
هنالك نساء يقتلن البرد عنوة..
ويخطفن الليل في رداء فيخرجهن أشباحا،
وورد أقل..
هنالك نساء يتطاير شعرهن خريفاً..
ويسقط كقطن الحقول ناعما..
ناعماً.. فيكسرن نوافذ المكان نافذة.. نافذة..
لا عابر يلتفت للجدول حين يمر.. دماً.
***
وها هو قلم نهيل مهنا ينثر الوطن رغوة وغيمة أحزان في أول العتمة فتكتب قصيدة (انتفاضة):
من سيقتل شبح الموت اليوم
أشرف مصاب يتساقط في الشِعر
أم عقيمة تنجب كل صباح..
باقة ورد طفولية
مقبرة بحاجة إلى مصمم ديكور فريد
(وأنتِ يا جميلة ما اسمك؟)
اسمي اسم هذه المدينة
وماذا لكِ من العمر؟
عدد هموم شيوخ الأرض!
ما تهمتكِ؟ اللهو تحت شجرة تفاح
يحاصرها جيش من الأسود..
وفي رصيف أحادي يسكنه البياض وموجة ناثرة رذاذها تنشد قصيدة (صديقة): في ركن الحائط..
أفكار بلون الفوضى
تغرس في هيبتي شوكة
لتكف عن اعتناقي الحماقات!!
في السنة تصاب الطيور باكتئاب حاد
يحرمها بحة الغناء..
في الشهر.. تسقط المدينة
تحت وابل الرصاص
تتهاوى الفتيات ربيعاً ربيعاً..
في اليوم لا تصارع الموج
عتمة حبلى بشموع مشروخة
في الساعة تتزوبع
في أرقي خيانة
لست غبية؟!
في هذه اللحظة،
ما أبعدك عني
تقتلك الصدفة!!
اكتشف بعد مشوار مرير
أنها عسراء..
***
هذا مشهد شعري طرزته أنامل شاعرات من مدينة غزة، انبعث برائحةِ البخور تشبثت بعبقِ الحرفِ، وغاصت في منبع الألق. وهج الفقد يضيء كهوف العتمة ليبقى صوت الحبر أقوى من أيّ حصار.
***

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved