على الرغم مما لمحاكمة صدام من أهمية لدرجة أنْ سمَّاها بعض المراقبين محاكمة القرن فإن الشارع العراقي - كما تقول بعض القنوات الإخبارية - انشغل عنها إلى حدٍّ ما بمشكلاته اليومية الرهيبة التي نتجت عن الاحتلال الأمريكي للعراق، وأهمها المشكلة الأمنية التي تعتبر أم المشكلات؛ كون لا ازدهار اقتصادياً ولا حركة ثقافية ولا تنمية في ظل أجواء الخوف وانعدام الأمن. وليس من المحتمل أن تضع المحاكمة الخاضعة لعدالة المنتصر حداً للعنف في العراق، وذلك لعدة أسباب، أهمها التشكيك في عدالة المحاكمة، واقتناع البعض بأن الحكم قد صدر قبل دخول صدام ومعاونيه إلى ساحة القضاء. ولذلك تمنَّت بعض المنظمات، ولا سيما منظمة حقوق الإنسان، لو أن المحاكمة كانت دولية للخروج من مأزق التسييس الذي يطعن في صحة المحاكمة وسلامة ما ستخرج به من أحكام، وهو الذي سلط عليه الضوء محامو صدام في تعليقهم على كلمة المدعي العام في المحكمة، فشبهة تسييس المحاكمة قد تجعل شلالات الدم تتدفق في شوارع العراق أكثر من السابق، وقد بدأت أولى بوادره باختطاف محامي محمد البندر ثم اغتياله في اليوم الثاني. ومما يزيد من القناعة بأن المحاكمة لن تخفِّف من حدة العنف ما ظهر من انقسامات في الشارع العراقي والعربي بل العالمي حول المحاكمة، فقد اندلعت في العراق مظاهرات ومظاهرات مضادة تخرج أحياناً عن السيطرة، وترتكب فيها الجرائم المخيفة، ويلاحظ أن حوادث العنف تتابعت بشكل لافت للنظر بعيد انتهاء جلسة المحاكمة بساعات. إن زيادة العنف المحتملة بسبب الانقسامات التي تزيد من عمقها مقاضاة صدام تجعل مهمة الجامعة العربية صعبة، ممثلة في زيارة أمينها العام عمرو موسى لبغداد ولقائه بجملة من القيادات السياسية لتحقيق مصالحة وطنية تنهي أو تخفِّف على أقل تقدير حالة الغليان في البلد الشقيق العراق، ولكن مع الأسف تزامنت زيارة موسى مع المحاكمة التي ظهرت بشكل دراماتيكي متوقَّع. وفي الوقت الذي يرجو فيه العرب إنهاء العنف والاحتلال الأمريكي للعراق تصدر وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس تصريحات تزيد الأمر سوءاً، ومفاد هذه التصريحات أن رايس لا تستبعد بقاء القوات الأمريكية في العراق لخمس أو عشر سنوات قادمة، الأمر الذي يثير قلقاً وإحباطاً لدى أكثر المتفائلين بإنهاء الأزمة العراقية التي تحاول الجهات التي نفَّذت احتلال العراق والقوى التي تعاونت معه إطالتها بإلهاء العراقيين وغير العراقيين بمسرحيات، منها مسرحية محاكمة الرئيس التي جاءت لتغطي على مسرحية الاستفتاء الذي جاءت نتائجه غير متوافقة مع مخططات حكام العراق الجدد، ليتم التعتيم على نتائج الاستفتاء حتى يتم طبخ نتائج جديدة فيما ينشغل العراقيون بمتابعة محاكمة الرئيس.
|