Saturday 22nd October,200512077العددالسبت 19 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الأحلام الإنسانية التي يبعثرها الإرهاب..الأحلام الإنسانية التي يبعثرها الإرهاب..
الحور العين.. نجاح في الرسالة.. تفوق في الأداء
د. علي بن شويل القرني *

المسلسل التلفزيوني (الحور العين) الذي يعرض في أكثر من قناة فضائية عربية استرعى تعلى انتباه المشاهدين العرب، وخاصة السعوديين، كما تشير إلى ذلك الوقائع التي حولي، والملاحظات الإعلامية التي تنشر وتبث في برامج وصفحات مختلفة.. وقد أثار هذا المسلسل قبل بدئه الكثير من الاحتجاج، وربما كان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة شعبيته.. وفي أقل تقدير أثارت نوعاً من الفضول لمعرفة ما يتوجه له هذا المسلسل.. وبعد مرور ست عشرة حلقة (حتى كتابة هذا المقال)، فإن المتابع قد يلاحظ قوة التشويق لمعرفة ما سيئول إليه المجمع السكني بعد حادث التفجير.
وفيما يلي أعرض على الإخوة والأخوات من القراء عدداً من الملاحظات حول رؤيتي الشخصية لهذا المسلسل:
1- المسلسل نجح في عرض العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تدور بين أبناء الجاليات العربية الموجودة في بلادنا.. وقد عكس هذا المسلسل طبيعة هذه العلاقة، ونمطها، إيجابياتها وسلبياتها.. حلوها ومرها.. وهذا ما كنا - نحن السعوديين - نفتقده في معرفة ما يدور داخل الأسرة العربية المقيمة بيننا.. وهذا نجاح كبير للمسلسل.. وبعد معايشة الحلقات الأسرية للجاليات العربية في وقائع أحداث (الحور العين)، نجد أنفسنا في حاجة لمزيد من الخوض في تجربة الاستكشاف الثقافي للعلاقات الاجتماعية للجاليات العربية - وغيرها من الجاليات - المقيمة بيننا.. وربما يبدأ هذا المسلسل مرحلة جديدة من المسلسلات التي تخوض في هذا النوع من الإنتاج الثقافي والاجتماعي.
2- حمل المسلسل الكثير من القيّم الإيجابية من الجاليات العربية تجاه السعوديين، ومن السعودية بشكل عام.. وهذا والحمد لله صورة حقيقية في الواقع انعكست جيداً في هذا المسلسل.. وفي ظني أننا - السعوديين - يجب أن نحرص على أن تكون صورتنا كأفراد وكمجتمع إيجابية دائماً في نظر أبناء الجاليات العربية والإسلامية وغيرها.. وهذا في نظري جزء من مفهوم الوطنية الذي يجب أن نتحلى به.
3- لم يوضح المسلسل أي تفاعل يذكر بين السعوديين وبين هذه الجاليات.. وكنا نتمى أن يحدث مثل هذا التفاعل، على صعيد العمل، والمدرسة، والجامعة، والشارع.. وغير ذلك.. ولكن المسلسل أعطى الانطباع أن هؤلاء العرب معزولون عن الحياة السعودية، وغير متفاعلين مع الأفراد والأسر السعودية.. وفي ظني أن هذا غير الواقع، فنحن نتفاعل كثيراً مع أبناء الجاليات العربية وغيرها من الجاليات الأخرى.. وقد ألمح المسلسل إلى مواقف محدودة جداً في ثنايا العلاقة التبادلية مع السعوديين.
4- من الملاحظات السلبية على المسلسل، أنه لم يعكس أي مشاهد حقيقية من واقع حركة أفراد الأسرة العربية داخل مدينة الرياض، فكم كنا نتمنى أن نرى بعض اللقطات للممثلين وهم يتحركون أو يسيرون أمام أو خلف بعض المعالم الحضارية في الرياض.. عدا لقطة واحدة تتكرر وهي صورة ثابتة جوية عن برجي المملكة والفيصلية.. وكنت أتمنى أن توجد لقطات حقيقية لهؤلاء الممثلين والممثلات وهم في سوبر ماركت، جامعات، شوارع، مطاعم، شركات، إلخ.. ومثل هذه اللقطات تقرب الناس من الواقع الذي كان يعيشه أبناء هذه الجالية.
5- من أقوى الرسائل التي يحاول أن يوصلها المخرج القدير نجدت أنزور هو أن هذه الحياة الهادئة، المليئة بالهموم الشخصية والأسرية، وهذه الطموحات الفردية التي كان يحلم بها كل طفل وشاب وفتاة ورجل وامرأة.. كل هذه البراءة التي كانت تحملها هذه الأسر من مصر ولبنان وسوريا والأردن والمغرب العربي والسودان وغيرها.. تبددت وتحطمت على صخرة الإرهاب.. دون مراعاة لهذه الأحلام، والطموحات، والمواقف الإنسانية، ولم تراع هؤلاء الناس، الذين يؤدون فرائضهم على أكمل وجه.. ويكدون من أجل كسب رزقهم، وتربية أبنائهم وبناتهم.. الرسالة الرئيسة التي يحاول أن يوصلها هذا المسلسل، وقد نجح فيها، هي أن الإرهاب لا يراعي صغيراً أو كبيراً، شيخاً أو امرأة.. لا يراعي مسلماً أو غير مسلم.. فهو يضرب بعشوائية في كل مكان، ودون تميز، وبلا مبررات.. ما يريد أن يقوله نجدت أنزور هو أن هذه الصفحات الاجتماعية من حياة أناس بسطاء، وملتزمين بفرائض الإسلام، وهؤلاء الذين لديهم أحلام لهم ولأبنائهم وبناتهم ستقلبهم أحداث المحيا رأساً على عقب، وستبدد كل الأحلام والطموحات.. الإرهاب يصيب ويجرح كل من عاش داخل هذا المجتمع، وعرفه وكل من قرأ وشاهد عنه.
6- كان بالإمكان أن يكون هذا المسلسل أفضل بكثير مما هو عليه، رغم أنه متميز في رؤيته ومساره واتجاهاته الفنية.. ولكن لو تمت أحداث هذا المسلسل في الرياض المدينة، ولو تمت معالجة بعض الأمور بطريقة فنية، استطعنا من خلالها أن نشاهد هذا المجمع بتفاصيله الداخلية ومظاهره الخارجية.. لكان أفضل.. واعتقد أن هذا المسلسل سيقود - ربما - إلى فكرة فيلم عالمي، من إخراج هوليود.. لأن موضوع الفيلم يتميز باندماج الحدث الإنساني مع الحدث الإرهابي.. وقد تجد هذه الفكرة من يهتم بها لتصبح عملاً درامياً عالمياً.

* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved