Friday 21st October,200512076العددالجمعة 18 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "أفاق اسلامية"

الفضائيات حولته إلى مسلسلات وسهرات..والبعض جعله شهراً للملذات من المأكولات والمشروباتالفضائيات حولته إلى مسلسلات وسهرات..والبعض جعله شهراً للملذات من المأكولات والمشروبات
ماذا بقي من شهر القرآن والإحسان ؟!

* الزلفي - أحمد البدر:
ما الذي تغير في شهر رمضان؟ وما الذي حدث للناس؟ ولماذا انقلبت عاداتهم وتقاليدهم؟ البعض يريد رمضان شهراً للفضائيات والإنترنت والسهر أمام الشاشات لمشاهدة المسلسلات والأفلام والسهرات التي تعد خصيصاً لإلهاء الناس عن فضائل الصوم، والبعض يحول الشهر الكريم إلى شهر للأكل والشرب، وكل همومهم الجولات في الأسواق ومحال بيع المواد الغذائية، والبعض الآخر يرى في الشهر الكريم شهراً للنوم والراحة وعدم العمل..!!
يحدث هذا والشهر الكريم هو نفسه شهر القرآن وفعل الخيرات، والعطف على المساكين والصلة مع الفقراء، والسؤال عن ذوي الأرحام، والتواصل معهم.
لقد كان الآباء والأجداد يعظمون هذا الشهر ويستغلون أيامه ولياليه في حفظ كتاب الله وتلاوته والتواصل مع الفقراء والمساكين ويجهدون أنفسهم بالطاعات والذكر، وكف الأذى، وغض البصر.هناك فرق بين حياة الأجداد والآباء، وما نعيشه الآن من رغد العيش، وسهولة الحياة، وتوافر جميع المغريات، ألا تكفي هذه النعم لأن نشكر الله ونبتهل إليه بالدعاء ونزيد الصلة به أم العكس؟
في هذا التحقيق نلتقي ببعض آبائنا وأجدادنا الذين عاشوا الشهر الكريم قديماً، ويرون الآن كيف يعيش أبناؤهم وأحفادهم الشهر الكريم.. فماذا يقولون؟!
*****
يقول الشيخ راشد بن عبد الرحمن البداح (خطيب جامع ابن عثيمين رحمه الله): كان السلف الصالح - رضي الله عنهم - يتذوقون لرمضان مذاقاً بأرواحهم لا براحاتهم!! وأما نحن (وما أكثر نحن) فيصدق علينا قول أحد الأدباء الفضلاء: نأكل الأرطال ونشرب الأسطال ونزعم أننا أبطال! هل يستوون؟!! ولما بعدنا صرنا نقرأ في سير الغابرين فلا تخال سيرهم في رمضان إلا خيالاً ثم نرى في أوساطنا فلا نرى إلا أحمالاً!
لكنها قد برقت بارقة أمل في شباب نشأوا في طاعة الله تعالى فتراهم يحتذون شيئاً من عبق سيرة السلف فيعتكفون في المساجد ويختمون الختمات (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه).. وختاماً أقول: قد بعدنا.. لكن ها قد عدنا.. والعود أحمد بتوفيق الله تعالى.
حال الآباء والأجداد
كان الآباء والأجداد يحرصون على العبادة في شهر رمضان ويكثرون منها يقول الشيخ عبد العزيز بن أحمد بن زيد المسعود (97 سنة): أدركت أناساً لا يخرجون من المسجد إلا نادراً في شهر رمضان، مثل عيسى العراجة ومحمد العبد الله المسعود وزيد المسعود - رحمهم الله جميعاً -، وكان الناس في الماضي يصلون التراويح بثلاث وعشرين ركعة يختم فيها الإمام في التراويح والتهجد مرتين على الأقل، وربما زادوا إلى نصف القرآن كما كان يفعل ذلك عبد الله المحمد المسعود، وكان الناس يحرصون على من يفعل ذلك، كما كان الناس على قلة ذات اليد والفقر يتنافسون على الطعام وما يسمونه عشاء الوالدين والصدقة، أما الآن فإن الشباب قد توافرت لهم سبل العبادة وتيسرت ولكنهم يفرطون فيها ويحرصون على التخفيف.
أما الشيخ أحمد بن محمد العمر (مؤذن جامع الملك عبد العزيز) فيقول: كان الناس يحرصون على العبادة قديما وقد أدركت من يختم القرآن فيه كل يومين مثل محمد العبد الله المسعود، وكان بعض الناس إذا دخل رمضان أغلق دكانه وأدركت في رمضان من لا يخرج من المسجد إلا للوضوء وقضاء الحاجة في العشر وغيرها، ومنهم - على سبيل المثال - عبد الله العلي اليحيى وفالح الرومي ومحمد العبد الله المسعود، وكانوا في السابق يحضرون للمساجد قبل الصلاة بساعة ونصف تقريبا ولا يخرجون من المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء.
أما الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الموسى (مؤذن مسجد أبي عمر سابقا) فيقول: كان الناس يستبشرون بدخول شهر رمضان صغاراً وكباراً ويجتهدون غاية الاجتهاد بالطاعات وقراءة القرآن، وأذكر أن إمام الجامع في ذلك الحين محمد بن زيد المنيفي يقوم بتوزيع المصاحف التي تأتي من الحجاز وهي عادة تعود عليها أهل البلد في رمضان. وكانت تقام حلقات التدريس للقرآن في الجامع ويشرف عليها الشيخان محمد بن زيد المنيفي وحمدان الباتل رحمهما الله، وبالنسبة لموائد الإفطار فكانت في الغالب تقتصر على الماء والتمر أما العشاء فيكون بعد صلاة المغرب مباشرة حتى يذهب الناس بسرعة إلى المساجد لصلاة العشاء والتراويح واستماع الذكر وكانت صلاة التراويح تتكون من اثنتي عشرة تسليمة أي ثلاث وعشرين ركعة مع الوتر وهو المتعارف عليه في ذلك الوقت وكانوا يطيلون الصلاة ويهتمون بالترتيل أثناء التلاوة وكان يصلي بنا الشيخ محمد الزيد خمس تسليمات والشيخ حمدان الباتل خمساً أخرى وهذا يدل على أنهم كانوا يطيلون الصلاة.
يقول الشيخ محمد بن صالح البدر (معلم متقاعد): كان لرمضان مكانة عظمى في نفوس الناس وما زالوا، وأذكر أنهم كانوا يضاعفون الأعمال فيه دون كلل أو ملل، حتى أن إمام جامع الروضة عبد العزيز بن أحمد الخميس كان يصلي بالناس في رمضان ويختم بهم ثلاث ختمات، وفي الجامع الجنوبي يختم القرآن ختمتين، وكانوا يحرصون على الصدقات وصلة الأرحام وقراءة القرآن وهذا أمر مشهور ومتعارف عليه بينهم.
الناس في رمضان
يقول الشيخ عبد الله بن أحمد السلمان (رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الزلفي): إذا أقبل رمضان هلت سحائب الخير والبركة مما يفيء الله على عباده من الأرزاق وانقسم الناس إلى قسمين: قسم قدر قيمة هذه الأيام وقدر نعمة هذا الرزق فأمضى أيامه في منافسة جادة للحاق بركب السلف الصالح، واستعمل المال فيما يرضي ربه جل وعلا. والقسم الآخر لا يعرف من رمضان إلا أنه نوم بالنهار وسهر وإضاعة للأوقات بالليل بما يضر ولا ينفع، فأهلك أمواله وسيارته ولم يقدم أمامه ما يحتاج إليه من زاد ليوم المعاد.
واقع الناس في رمضان
يقول الشيخ إبراهيم بن صالح الزغيبي (رئيس المحكمة العامة المكلف في الزلفي): حقيقة القول أن واقع الناس يدعو للتأمل فكثير من الناس جل اهتمامه توفير أصناف المأكولات والمشروبات وحركة البيع والشراء والسهر في ليله والنوم في نهاره؛ مما يجعلهم يفوتون بعض الفروض ويضيعون العبادات والسنن وقراءة القرآن وصلة الأرحام وتكثر مجالس اللهو والعبث وما يكتنفها من غيبة ونميمة.
لماذا اختلف رمضان؟
أما الأستاذ صالح بن راشد العبيد (مشرف تربوي) فيقول: يلحظ المتابع لمجتمعنا وتطوره السريع بفضل النعم التي أنعم الله بها علينا، يلحظ تحول كثير من مناسباتنا الدينية إلى تظاهرة اجتماعية وترفيهية، فرمضان مثلا كان في السابق مناسبة دينية عظيمة مليئة بالعبادات المتنوعة؛ تعمر فيه المساجد والأسواق والمنازل والقلوب بالقربات والروحانية، ولكن ذلك قل نوعا ما في الآونة المتأخرة، وبدا الغزو الإعلامي وخصوصا المرئي منه بقنواته الفضائية يزاحم روحانية الشهر ويسرق الشباب بل بعض الأسر إلى مواد إعلامية وبرامج ساقطة وهدامة في الأعم الأغلب، وهذه مصيبة ومشكلة تحتاج إلى علاج سريع قبل أن تستشري في مجتمعنا.
بداية مفرحة.. ونهاية محزنة
من الأمور الملاحظة في رمضان أن الناس يجدّون في العمل في أيامه الأولى ثم تضعف هممهم ويقل عملهم مع مرور الأيام الأولى. يعلق الأستاذ محمد بن رميح الرميح (معلم وإمام مسجد) على هذا الموضوع قائلا: من الأمور التي نلحظها في رمضان حرص كثير من المسلمين على العبادات بداية الشهر فترى الناس يقبلون على تلاوة القرآن قبل وبعد الصلوات؛ حتى أن قليلاً منهم من يخرج وخصوصا بعد صلاة العصر، وتسمع له دويا كدوي النحل تطرب لسماعه وتسعد برؤيته ثم يبدأ التراخي ويقل العدد يوما بعد الآخر حتى إذا دخلت العشر الأخيرة وهي أفضل ليالي العام رأيت الأعداد أقل بكثير مع أن الأصل هو العكس لأن العشر أفضل ليالي العام على الإطلاق.
أسواقنا في رمضان
للأسواق في رمضان وضع خاص، حيث تكتظ بالمشترين قبل دخول الشهر وبعد دخوله حتى آخر ليلة منه؛ يقول الأخ أبو محمد (صاحب محل للملابس النسائية الجاهزة): إن شهر رمضان يعتبر من المواسم التي يتضاعف فيها كسبنا أضعافا مضاعفة حيث إن ما نكسبه في ثلاث أو أربع ليال يعادل كسب شهر في الأيام العادية الأخرى.
ويشارك الأخ عبد العزيز بن سليمان الطيار قائلا: إن من الأمور التي تؤرقني وفي نفس الوقت تحزنني في شهر رمضان ما أراه من زحام شديد في السوق خصوصا في النصف الأخير منه فعندما أقتطع ساعة من وقتي لشراء مستلزمات العيد أجد المعاناة فهناك صعوبة في وجود موقف قريب للسيارة ومعاناة في دخول المحال حيث تمتلئ بالنساء اللاتي لم يقتصر وجودهن على المحال النسائية بل تعدينها إلى المحال الرجالية، وقد عزمت - بإذن الله - في رمضان القادم على شراء مستلزمات العيد في نهاية شهر شعبان تخلصا من الزحام ومحافظة على خصوصية الشهر المبارك، وأنصح الجميع بذلك.
ويقول الأخ أحمد العبد المحسن: عندما أشاهد أنواع المأكولات الرمضانية تتصدر المحال قبل دخول الشهر، وأرى الزحام الشديد من الناس لشرائها أسأل نفسي: هل شهر رمضان شهر صيام عن المأكولات أم هو العكس فبدلاً من أن نقلل من المشتريات صرنا نضاعفها ولا أدري حقيقة ما السر في هذا الأمر؟! ولمَ تغيرت أفكار الناس؟ وهل لهذه المشكلة حل؟ أتمنى ذلك.
النساء في رمضان
للنساء مع شهر الصيام أحوال متباينة فالبعض منهن يعرفن أهمية الشهر ويحرصن على الاستفادة منه والبعض الآخر يضيعن أوقاته الفاضلة بين المطبخ والنوم والخروج للأسواق فمثلا تذكر (م. س) في برنامجها اليومي أنها تستيقظ الساعة الحادية عشرة وتصلي الضحى وتقرأ جزءا من القرآن ثم تصلي الظهر ثم تعد الأكل لأطفالها وترتب المنزل. وتضيف قائلة: قبيل العصر أقرأ جزأين من القرآن ثم أصلي العصر ثم أدخل المطبخ لإعداد الإفطار وأخرج منه قبل أذان المغرب بنصف ساعة أستغلها في الدعاء والورد اليومي. وبعد صلاة المغرب أرتاح قليلا ثم أصلي التراويح ونتناول العشاء ثم النوم في الساعة الثانية عشرة تقريبا ثم الاستيقاظ قبل الفجر لإعداد السحور وهكذا.
أما (س. ر) فتقول: بعد صلاة الفجر أقوم بقراءة الأذكار وقراءة شيء من القرآن ثم النوم إلى الساعة العاشرة تقريبا ثم جلسة مع الوالدين أو قراءة كتاب، وبعد ذلك أصلي الضحى مع قراءة جزء من القرآن ثم بعد صلاة الظهر أدخل المطبخ للبدء بإعداد الإفطار وبعد العصر تكملة إعداد الإفطار وتهيئة مكان الإفطار للرجال، وبعد صلاة المغرب أشارك في ترتيب المطبخ ثم أرتاح قليلا ثم أصلي التراويح ثم نتناول عشاء خفيفا ثم النوم والاستيقاظ قبل الفجر بساعة لتجهيز السحور وأداء الوتر.
ونحن نلحظ هنا أن برنامج الأختين حافل بالأعمال الصالحة مع ملاحظة طول البقاء في المطبخ لإعداد طعام الإفطار.
أما (أم محمد) فتقول: إن كثيراً من النساء يمضين جل نهار رمضان في المطبخ لإعداد الإفطار والتفنن في تزيين مائدته بأشهى المأكولات وأنواع المشروبات، وتتبارى النساء في رمضان في تجهيز المعجنات بأنواعها، وذلك إرضاء للأزواج والأولاد الذين تعودوا على ذلك، كما أن الكثيرات منهن - للأسف الشديد - يمضين أغلب الليل وخصوصا في النصف الأخير من الشهر في التردد على الأسواق بحجة شراء مستلزمات العيد التي يكفي لشرائها ساعة أو اثنتان فقط، ويمكن أن يقوم بها الرجال، صيانة للنساء من الأسواق التي لا تعود على المرأة إلا بالشر والفتنة في الغالب.
رئيس الهيئة يفجر المفاجأة
يقول الشيخ عبد الله بن أحمد السلمان (رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر): مع الأسف الشديد ما يختفي في نهار رمضان من ملاحظات وأخطاء يظهر في الليل بشكل لافت فكأن الناس يقترضون وقت الليل لقضاء ما فاتهم في نوم النهار والعكس فمثلا يوجد الناس في صلاة الفجر بشكل يدعو للرضا والسرور ولكن ينام كثير من الشباب عن صلاتي الظهر والعصر.
وتقل حركة المرور في الأسواق والشوارع والأزقة وتختفي بعض حركات الشباب المريبة ولكن ما أن يفطر الصائم ويحل الظلام حتى تعود هذه الحركة النشطة التي هي بحاجة إلى جهد كبير من الهيئة والشرطة وغيرهما من الأجهزة المعنية؛ ولذلك فإن الملموس والواقع المشاهد والمثبت أن القضايا وبخاصة القضايا المنافية للأخلاق تزداد في مثل هذه المواسم وللأسف بخاصة في الأسواق التي ترتادها النساء.
وأعظم موسم في السنة تعاني منه الجهات المعنية بما فيها الهيئة هو شهر رمضان وعيد الأضحى فمنذ دخول الشهر وحركة السوق في ازدياد إلى أضعاف مضاعفة عن ذي قبل، وأشد ذلك في العشر الأواخر من رمضان ويكثر مع الأسف المتسوقون والمتسولون والمتسكعون لغرض المعاكسة فلا تكاد تعرف الجاد من الهازل والصحيح من السقيم ويشتكي كثير من الغيورين من مضايقة بعض الشباب نساءهم وعوائلهم حيث يستغل هؤلاء الزحام وكثرة النساء والتبرج وإبداء الزينة والمفاتن والتوسع في محادثة الرجال، وخروج بعض النساء - هداهن الله - بكامل الزينة وبخاصة في أيام مثل هذه المناسبات وغياب الرقيب من أولياء أمورهن وغفلتهم وترك الحبل على الغارب بالنسبة للمراهقين والمراهقات بحجة التسوق من غير أي رقابة أو متابعة، والله المستعان.
هذه المظاهر تثلج الصدور
قد يقول البعض إننا نركز دائماً على الماضي ونثني على رجاله، دون أن نعي أن هناك مظاهر في وقتنا الحاضر أفضل مما كانت عليه في السابق، يجب أن نعترف بها ونثني عليها ونشجع من يقوم بها. يقول الأستاذ علي بن صالح الطوالة (مدير مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية): إن مما يثلج الصدر ويفرح النفس أننا نرى كثيرا من أبنائنا الطلبة في المدارس الابتدائية يحرصون على الصيام ويصرون عليه، وهذا كله بفضل من الله تعالى ثم بإدراك أهمية التربية من قبل الأسرة ومحاصن التربية والتعليم.
ويقول الأستاذ عبد العزيز بن سليمان الطيار (مدرس صف أول): إن من الأمور التي أفرحتني وأثلجت صدري ما لمسته خلال الأعوام الماضية من حرص طلبة الصف الأول على الصيام حيث إن نسبة منهم قد تصل النصف أو قريبة منها يواظبون على الصيام خلال شهر رمضان وهذا أمر يسعد الجميع ويعطي صورة حسنة عن مجتمعنا.
وأما الأستاذ عبد الرحمن بن أحمد البدر (إمام مسجد) فيقول: إن إقبال الناس وبالذات الشباب على التراويح أمر مشهور ولا ينكره إلا مكابر حيث نشاهد بعض المساجد تكتظ بالشباب الذين يحرصون عليها وعلى صلاة القيام في العشر الأواخر وإن كان ذلك بشكل أقل من التراويح بخلاف السابق حيث كان أغلب من يصلي التراويح من الكبار.
ويقول الأستاذ علي بن محمد الملحم (مرشد طلابي): من الأمور التي تسعدني في رمضان حرص الناس الشديد على العمرة في رمضان وإدراكهم فضلها وأنها تعدل حجة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمواكب المعتمرين تتوالى مع دخول الشهر والحرم يكتظ بالمعتمرين والطائفين والقائمين والساجدين، فيا له من منظر يثلج الصدر ويبشر بالخير ويزرع في النفوس الثقة بأن الأمة ما زال فيها خير كثير وكثير؛ فالحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً ومزيداً من المسارعة في الخيرات والمسابقة في الطاعات.
رمضان شهر القرآن
رمضان فرصة عظمى لمن يرغب في حفظ القرآن أو تثبيت حفظه حيث إنه شهر القرآن، وكان جبريل - عليه السلام - يدارس نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل ليلة من رمضان. حول هذا الموضوع يقول الطالب أحمد بن زيد الخنيني (يحفظ القرآن كاملا): إن حفظ القرآن سهل على من رغب في ذلك وحرص عليه، ونظم وقته كما قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، وذكر أن شهر رمضان من أهم المحطات الإيمانية التي يتزود فيها المسلم بأنواع العبادات وخاصة حفظ القرآن الكريم ومراجعته وذكر أنه من الحرمان والخسران مرور أيام هذا الشهر دون استغلال لأيامه المباركة.
ويضيف الطالب عبد العزيز بن عبد الله الفايز (يحفظ من القرآن خمسة عشر جزءاً) أن رمضان يعد من أفضل وأحسن الفرص لحفظ القرآن ومراجعته ففيه تصفو النفوس وتتضاعف الأجور. ويشارك الطالب محمد بن عبد العزيز الرميح (يحفظ ثمانية وعشرين جزءا) في هذا الموضوع قائلا: إن عدم تنظيم الوقت وعدم الحرص وعدم استغلال شهر رمضان الاستغلال الأمثل للحفظ والمراجعة وكذلك الصحبة من أكبر العوائق التي تواجه حافظ القرآن.
التفريط في الأيام
يقول الشيخ سليمان بن خالد الحربي (خطيب جامع الفالح): كم هي خسارة عظيمة أن يمر شهر رمضان على المسلم دون أن يستفيد منه أمورا تصحح مساره وسلوكه، وإذا كانت مثل هذه المناسبات والأزمات لم يقو المسلم على الاستفادة منها فمتى يستفيد ويقوى؟! ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له). وحال هؤلاء أنهم يضيعون أوقات رمضان الفاضلة بالسهر ليلاً والنوم نهاراً، مما يدل على عظم التفريط والتقصير الذي سببوه لأنفسهم، وأشد من هذا إذا كان النهار لا تؤدى فيه صلواته، وهذا خزي عظيم وما لهذا شرع الصوم؛ فنصيحتي لهؤلاء الشباب أن يتقوا الله - جل وعلا - في صومهم وأن يغتنموا نهاره ولياليه من قراءة القرآن وكثرة الذكر والاستغفار ومحاسبة النفس ولا سيما أن النفوس في النهار تنكسر سورتها وصولتها وتضعف بسبب الجوع والعطش ففي مثل هذا الحال يجمل التفكير والمحاسبة، وما أجمل أن يراك ربك على مثل هذه الحال طاعة له وامتثالا.
السهر في رمضان
يقول الشيخ راشد بن عبد الرحمن البداح (خطيب جامع ابن عثيمين رحمه الله): بات السهر يؤرق العقلاء، فحذروا من مغبته، ولم لم يكن من شيء إلا أنه يخالف الفطرة والخلق الذي هيأ الله لكفى به زاجراً، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ)، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا) فالليل جعل للنوم لا للسهر، ويزداد الأمر سوءا إذا كان يشغل عن العبادات الفاضلة، أو يقطع عن استثمار الأوقات الفاضلة؛ لذا كان السهر في رمضان أشد مقتا وتنكيلا، فعلى العاقل الأديب الشحيح بوقته أن يهتبل هذا الشهر فلا يجعل سهره في شهره إلا للصالحات اللاتي لا تقطع عما هو أولى منها بالإدراك، وإنها لدعوة للمربين والمصلحين أن ينظروا في تفاقم مشكلة السهر في رمضان وأن يسعوا إلى القضاء على تفشيها فماذا عساهم فاعلون؟ ف(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
التخلص من الزحام
وجّه الشيخ عبد الله بن أحمد السلمان بعض النصائح والتوجيهات علها تكون سبباً في التخلص من الخروج للأسواق في رمضان وهي:
1- بث الوعي لدى الناس وخاصة النساء بأن التسوق في رمضان ليس فريضة أو أمراً لازماً، بل يمكن الاستغناء عنه.
2- الحث على استغلال أيام الشهر القليلة التي سرعان ما تنقضي فيندم الإنسان على مرورها دون الاستفادة منها.
3- توعية الناس وحثهم على التسوق قبل رمضان بوقت كاف وشراء مستلزمات رمضان والعيد، وهذا عمل مجرب وثبت نجاحه.
4- تكثيف الدروس والتوجيهات في المساجد والمدارس وغيرها لتوعية الناس لاستغلال الشهر، والتحذير مما يضر ويوقع في المحظور.
5- تعويد الناس والنفس على الاقتصاد والادخار ولا يعني وجود المبلغ في اليد ضرورة إتلافه بشراء أشياء لا نحتاج إليها أو يمكن الاستغناء عنها.
6- توعية النساء وتدريبهن على القناعة باليسير الموجود وعدم التكلف شططا بلا بحث عن آخر الموديلات والموضات.
7- لا بد أن يستقر في نفوس الناس أن الأصل في الخلق هو عبادة الله جل وعلا وهذه الأمور كماليات فلا تطغى أو يطغى الاهتمام بها على الأصل فتخل به.
نظام العمل الرمضاني
يرى البعض أن تأخير الدوام الرسمي وبدء اليوم الدراسي إلى الساعة العاشرة يساعد على السهر حيث يذكر الأستاذ صالح بن راشد العبيد (مشرف تربوي) أن: مما يعين الطلاب والأسر على السهر في ليالي رمضاني هو تأخير بدء اليوم الدراسي والدوام الحكومي إلى الساعة العاشرة حيث يعطي هذا التأخير فرصة للناس ليسهروا على أمور قد تكون تافهة أو مضرة بالأفراد والمجتمعات، وأرى أنه لو كان الدوام الرسمي في رمضان كبقية أيام السنة لقضينا على السهر أو على الأقل قللنا منه بنسبة كبيرة، وهذا رأي يشاركني فيه الكثير فحبذا لو أعيد النظر في الدوام الرمضاني. هذه وجهة نظر الأستاذ صالح، وقد أفصح الكثير من الطلبة بأن تأخير بدء اليوم الدراسي يشجعهم على مواصلة السهر، فنتمنى لو كان الدوام في رمضان كما في بقية شهور السنة، ونحن نقول: لمَ لا يطبق ذلك سنة على سبيل التجربة؟ ونحن نثق بأن النتائج ستكون مرضية للجميع بإذن الله تعالى.
حتى لا تضعف الهمم
ويقول الشيخ سليمان بن خالد الحربي (خطيب جامع الفالح): إن أول ما يحرص عليه العبد هو إخلاصه، واستشعار معنى الإخلاص يجعل القلب مديم العبادة والإنابة والطاعة، أما إذا عمل العبد في أول رمضان على سبيل العادة والألفة بأن الناس يحرصون على العمل في نهار رمضان فقط، فإن عاطفته وجهده يضعفان بعد أيام بخلاف من أخلص في نيته بأن يراه ربه من المنافسين في هذا الشهر كله، ويعلم أن آخره خير من أوله فهذا داع إلى الزيادة كلما قربت نهاية الشهر، وهذا هو حال رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح الإمام مسلم عند دخول العشر الأواخر في كونه يشد المئزر ويجد ويجتهد ويعتكف في آخره. ومن المستحسن أن ينظم الإنسان وقته ببرنامج يألفه ويستطيعه؛ لأن بعض الناس يكلف نفسه ما لا تستطيع فيترك بعد ذلك ما يستطيع، وهذا سرّ قول نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: (عليكم من العمل ما تطيقون).
للأسرة دور مهم
يقول الأستاذ علي بن صالح الطوالة (مدير مدرسة ابتدائية): إن الناشئ الصغير يبدأ حياته ويأخذ منهجه وأسلوبه من أقرب مجتمع محيط به وخاصة من والديه وأسرته، ومصداق ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)؛ فأعظم واجب على الوالدين هو سقي الفطرة بشرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يألفه ويتعوده ويحبه، فقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تدريب الصغار على الطاعات منذ الصغر والحث عليها، ومن ذلك شعيرة الصيام، فيعوّد الوالدان أبناءهما على الصيام واحتماله، فالصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يعودون أبناءهم ويجعلون لهم اللعبة من العهن يشغلونهم بها إذا جاعوا، وأعظم شيء يستفيده الصغير من هذه التربية التعبد لله والتعلق به وطاعته، ويأخذ درسا في مجاهدة النفس عما تشتهي والصبر واحتمال الأذى والمشقة، وكذلك يتعود على اتخاذ القرار وألا يكون أسيراً لنفسه وهواه عندما يكبر، فيصبح صاحب شخصية متزنة ذات عقل وقدرات.
وختاماً.. يقول الشيخ إبراهيم بن صالح الزغيبي (رئيس المحكمة العامة المكلف في محافظة الزلفي): رمضان شهر الخير وحب البذل والعطاء وقراءة القرآن والقيام والمحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها مع الجماعة وصلة الأرحام والعطف على المساكين وذوي الحاجة وتلمس حاجة الناس وعدم الركون إلى الدعة والخلود إلى الراحة وتعويد النفس على الصبر وتهذيبها كما أن الصوم جنة من النار؛ فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصوم جنة يستجن بها العبد من النار)، والصوم جنة من الشهوات؛ فقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الشباب غير المقتدر على الزواج إلى الصوم، والصوم باب إلى الجنة لما فيه من فرص تقرب العبد إلى ربه، وفي الجنة باب خاص بالصائمين كما أن الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة؛ لما روى الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة)، وفضائل رمضان كثيرة لا يمكن حصرها في هذه الأسطر، كما أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيه تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة وتصفد الشياطين، كما في الحديث المتفق عليه، وللعبد دعوة مستجابة عند فطره؛ ولذا فإنني أهيب بإخواني ألا يفوتوا على أنفسهم الفرصة ويستغلوا هذا الشهر بما يعود عليهم بالفائدة ولا سيما بالحرص على مجالس الذكر والتفقه في الدين.. أسأل الله لي ولجميع المسلمين الفقه في الدين وحسن القبول.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved