* القريات - جريد الجريد: ديننا الحنيف يحثنا على الصدقات وفعل الخير طوال أيام السنة؛ فالصدقات تذهب السيئات وتزداد وتيرة الصدقات ودفعها للمحتاجين في هذا الشهر المبارك شهر الرحمة والمغفرة الذي يحرص الكثير من الناس على دفع زكاة اموالهم وصدقاتهم فيه، ومما تميز فيه مجتمعنا والحمد لله حبه لعمل الخير ومساعدة المحتاجين، ورغم فرحتنا بهذا التكافل الاجتماعي العظيم الا اننا بدأنا نلمس له صور مخزية ومعيبة اضحت تتزايد عاما بعد عام حتى اصبحنا نشاهد من الصور ما يندى له الجبين.. تجمعات وطوابير طويلة رجال ونساء كل منهم يحمل دفتر عائلته، وكأننا في احدى المجتمعات المعدمة الفقيرة التي تسعى لما يسد رمقها، هذه الصور كان لها أسبابها، ومنها غياب دور الجمعيات الخيرية وعزوف المحسنين عنها، كذلك حب المباهاة عند بعض المحسنين ممن يحرص على توزيع هذه الصدقات وكأنها هبات يستمتع بتلك الحشود الواقفة امام متجره ومنزله، وكذلك دناءة نفوس بعض السائلين والذين اكثرهم ليس بحاجة.. لكن هذا الشهر الفضيل أضحى موسم ربح لهم لايستحون من مد اليد وتعدَّى الامر إلى الطرق على أبواب المنازل والسؤال منهم،و ليس هناك شك في ان التسول شكل من أشكال الأمراض الاجتماعية باعتباره سلوكا جانحا يخرج فيه المتسول عن السائد والمألوف في المجتمع وعن قيمه وثقافته عندما يأخذ سبيل الاحتيال والخديعة واستدرار عطف الآخرين بغية الحصول على مساعدة منهم. وبناء على ذلك أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (123) بتاريخ 24- 1-1401هـ والذي تضمن (ان المسألة لا تحل الا لمن تحققت فيه صفة من الصفات الثلاث المذكورة في الحديث الذي اخرجه الامام مسلم في صحيحه عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله اسأله فيها, فقال: اقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال يا قبيصة: ان المسألة لا تحل الا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش او قال سدادا من عيش, ورجل اصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه (فيقولون) لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة, حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش, فما سواهن من المسألة - يا قبيصة - سُحت يأكلها صاحبها سحتا فمن وجدت فيه صفة من هذه الصفات الثلاث, فانه يتعين النظر في وضعه, ومساعدته حتى تزول حاجته فان لم تزل حاجته وتندفع ضرورته, فلا مانع - والحال ما ذكر - من سؤاله لاخوانه المسلمين حتى تزول ضرورته. أما من سأل الناس تكثرا او اتخذ من التسول مهنة وحرفة وهو قادر على الكسب بالطرق المشروعة، فإن ذلك لا يحل ولا يجوز, وقد تضاعفت الأحاديث الصحيحة على ذم فاعله, وبيان عقوبته في الدنيا بمحق بركته, وفي الآخرة ينتظره عذاب النار, فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا, فليستقل أو ليستكثر). وبهذا التقرير نسلط الضوء على إخواننا المحسنين الذين ينفقون صدقاتهم وزكاة أموالهم عن طريق منازلهم ومحلاتهم بصور مشينة لايعرف معها المحتاج من النصاب مما يحرم من كان بحاجة ماسة لها وخاصة تلك الأسر المسجلة لدى الجمعيات الخيرية والتي لديها بحث شامل لحالتهم الاجتماعية.. في البداية تحدث لنا حول هذا الموضوع فضيلة القاضي بمحكمة القريات الشرعية ورئيس جمعية البر الخيرية بالقريات الشيخ فهد بن عبدالله الصغير حيث قال (الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.. فنحمد المولى جل وعلا أن من علينا بادراك شهر الصيام شهر الخير والقربات والطاعات، ولا شك أن الحرص على اداء فريضة عظيمة كالزكاة في هذا الشهر خاصة له ميزة فالنبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) فتعظم الأجور وتبارك الاعمال الصالحة، لكن مما يؤسف له ما يشاهد من بعض أصحاب الأموال الذين يدفعون زكاتهم في هذا الشهر الفضيل بحيث يعطونها لمن سأل دون تحرٍ ولا تدقيق ولا بحث عن المحتاج الحقيقي الذي لا تدفع الزكاة الا له فترى تجمهر الناس امام ابواب الاغنياء وتدافعهم للحصول على المال ويندس من بينهم بكل تأكيد من هو من غير المستحقين للزكاة فتدفع له الزكاة مع غيره دون تحر و لا تدقيق، وهذا إشكال كبير بل ربما لم تبرأ ذمة صاحب المال بفعله ذلك، لذا أدعو إخواني من أرباب المال بتقوى الله جل وعلا والتحري في بذل الزكاة والعناية بها ومن فضل الله جل وعلا أن جمعيات البر الخيرية منتشرة في كل بلادنا ويقوم عليها من الاخيار ممن تطمئن النفوس إلى دفع الزكاة له بعد تطبيق شروط وضوابط تكون كفيلة بوضع الزكاة في مكانها الصحيح والمناسب.. والله أسأل أن يوفق الجميع إلى كل خير.. والله أعلم. كما تحدث سعادة مدير مركز التنمية الاجتماعية بالقريات الاستاذ صالح بن حمود الرثعان حيث قال (من الظواهر السيئة التي بدأت تنتشر في شهر رمضان المبارك ما نراه من بعض من يعون الاحسان من اصحاب المحلات التجارية وطريقة توزيع صدقاتهم وزكاة اموالهم من ابواب محلاتهم وهذا أمر مسيء لكلا الطرفين؛ فهذا التاجر الذي اصطف الكثير امام محله لا يبحث عن الاجر بقدر مايبحث عن الشهرة وكلام الناس عن احسانه وهو بذلك خالف السنة التي تحث على اخفاء الصدقة، أما إن كان ما ينفقه زكاة امواله فالزكاة لها مصارف تؤدى اليها وهو بهذه الطريقة لا يعرف المستحق من غير المستحق، وبذلك لاتكون قد صرفت لمن يستحق او في بابها المشروع، ومن الناحية الاجتماعية فتعطي هذه الطريقة انطباعا سيئا عن وضع المجتمع رغم ان المحتاجين لايستطيعون الوصول إلى اصحاب هذه المحلات فنرى هذا التجمهر وكأننا أمام (مركز انتخابي) ولعل بعضهم يسعى من هذا العمل إلى ايهام الناس بأنه رجل محسن، وعادة ما ينتج عن هذه الطريقة اغلاق الطرقات بسبب هذا التجمهر مما يؤثر على حركة الناس وسهولة وصولهم لقضاء حوائجهم، وحسب رأيي أن يمنع هذا العمل ومن أراد ان يدفع زكاته فهناك الجمعيات الخيرية، وهناك أئمة المساجد الذين يعرفون المحتاجين داخل احيائهم، وهناك الكثير من الطرق للوصول إلى المحتاجين الحقيقيين في منازلهم.. هؤلاء الذين لايسألون الناس إلحافا. اما ما نشاهده من صور مشينة لتوزيع الصدقات، فهذا أمر مستنكر من الجميع ولا يخدم المحتاج الحقيقي الذي تأبى نفسه الوقوف مع هذه الحشود).
|