Monday 17th October,200512072العددالأثنين 14 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

رمضان.. شجن على شجنرمضان.. شجن على شجن
د. عبد المحسن محمد الرشود

هذا الشهر العظيم الآسر بروحانيته، وجمال لياليه، وعبق نهاره بالإيمان يأخذك إن كنت مؤمناً بالله حق الإيمان إلى رحاب الرضا والتّسليم بالقدرة الإلهية العظيمة شئت أم لم تشأ.. ومن حيث تدري ولا تدري إلى أجوائه الهادئة المملوءة بقراءة القرآن الكريم، والتّأمل العميق في هذا الكون بأناسه وحياته.. والصفاء النفسي المتفرّغ للصلاة والذكر والعبادة.
- وحينما تخلو بنفسك قليلاً تتذكَّر رمضانات سابقة في طفولتك ويفاعة شبابك عايشت فيها آباء وإخوة وأقارب وأصدقاء منهم من قضى ومنهم من ينتظر.. عندما كانوا بين عينيك وملء سمعك وبصرك أخذهم الحق، الموت الذي لا مفر منه.. تتذكَّر رمضانات هادئة في مطالع الثمانينيات الهجرية والتسعينيات عندما كان الآباء بسطاء راضين قانعين بما آتاهم الله بعيدين كل البعد عن هذا الضجيج الذي نعاصره.
- رمضان وحده القادر على أخذنا من ضجيج الآلة العملية، وعنفوان العمل الخاص، ومن قلق المضاربين على شاشات الأسهم، والمشغولين بعالم التقنية والمستجدات المعاصرة.. سياسية كانت أم ثقافية أم اقتصادية.
- رمضان وحده الذي ينسيك الربح والخسارة ومصير الأمة بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية وآخر رسائل البلوتوث ومستقبل التعليم، وفضائح المجتمع المنشورة ومآسي الإرهاب.
- رمضان وحده يعيد إلينا أجيال الآباء التي لم تعرف التّطرف، ولا الإفراط ولا التفريط.. لا يصطرعون فيما بينهم على التكفير والغلو، وعلى الحداثة ومشتقاتها، وليس بينهم تصفية حسابات أيديولوجية!!
- كان الخطاب الاجتماعي المسالم والرضا بالمقسوم يحكم المجتمع السعودي قبل الطفرة المعروفة، وكان الناس مثالاً للتسامح والشعور بالمحبة والأخوة عندما كانوا يعيشون في حارات شظف العيش وفقر المداخيل.. كانت الحارة جميعها تصلي التراويح إلا من يمارس جذلاً بريئاً من المعطيات القليلة والنادرة من الصبية الذين يخيِّم الحياء على عيونهم عندما تهب ساعة اللقاء البريء أمام الأبواب وعلى قارعة الطريق في غفلة من مصلِّي التراويح، وبالكاد تعدهم على أصابع اليد في الحارة الواحدة.. لم يعلموا أن شباب نفق النهضة بُعيد أربعين أو ثلاثين عاماً سوف يفجرون المجتمع بتصرفات ضاربة في قلة الأدب والتربية والأخلاق!.
- رمضان وحده يذكِّرك الأمهات اللواتي غادرن هذه الحياة والآباء العظام الذين أحبوا الحياة وأحبوا الله وأحبوا أولادهم فأحسنوا تربيتهم وزرع نوازع الخير بين جنباتهم.. يعيدك رمضان إلى أخوة طالما تذكرت مواقفهم البطولية النادرة وشهامتهم في مساعدة إخوانهم وأقاربهم ومحبيهم.
- يا لهذا الرمضان العظيم.. هلاّ تأملنا صفاء الأجواء الروحانية السابقة التي يقرأ فيها الناس القرآن الكريم ويختمونه عدة مرات!.
- إنني أعجب كل العجب لآبائنا الذين جاوزوا الستينيات.. كيف وأنى لهم التعايش مع هذا العصر الذي يمور بكل شيء إلا العاطفة والتسامح والرضا ومحبة الآخرين إلا من رحم ربي.. أنى لهم الربط بين ماضٍ مليء بالروح وحاضرٍ مليء بالضجيج والفراغ الروحي الظاهر في القنوات والأسواق والشوارع وفي كثير من دهاليزنا الحكومية وردهات البنوك.
- الأمر الذي يثير العجب أكثر.. ما الذي يدفعنا إلى التطاحن حول حب النفس والدنيا ونحن نرى أن أحبابنا ومن كانوا ملء السمع والبصر في ذمة الله.. أليست هذه نهاية كل إنسان؟
- إذا لم يجعلك هذا الشهر الكريم تعيد حساباتك الدينية والدنيوية وتصل أرحامك، وتواسي أبناء مجتمعك المحتاجين لك.. وأبناءك ومن يرجون مواقفك النبيلة من المستحقين.. إذا لم تعد حساباتك في هذا الشهر الفضيل فمتى تعيد هذه الحسابات ومتى التّوقف لمحاسبة النفس قبل حساب بارئها؟.
- نحن جيل الأربعينيات نواجه عنتاً وألماً من التّعامل مع أبنائنا الذين نظن أن ثقافتهم تشكَّلت بعيداً عن مصادرنا وأجوائنا، وأفراحنا وأتراحنا.. ولم يكن الفاصل بين أجيالنا وأجيال الآباء بمثل هذا الفاصل الذي تشكَّل بيننا وبين جيل الشباب اليوم.. أترى المستجدات الثقافية والإعلامية والانفتاح المطلق وحب الذات والعيش الفاره وراء كل هذه الفواصل.. أهو فشلنا في إدارة العلاقة معهم، أم أن الطوفان أقوى من الجميع؟.
- إن أردت التّحقق مما أقول فما عليك إلا بإحصاء المصلين للتراويح من الشباب في المساجد.. وبالمقابل إحصاء المنفلتين في الشوارع والأسواق والمجمعات التجارية والقابعين أمام شاشات الإنترنت لقضاء وقت ليس باليسير فيما لا طائل من ورائه.
- هل نظامنا التعليمي توقف عند حدود رجالات الأمس ولم يتفهم واقع الحال.. أم أن القنوات الفضائية كانت أقوى من الجميع؟.. هل التناقضات بين ما يُذاع وما يُدرَّس وما يُشاهد وضياع القدوة الحسنة وراء هذه المصائب التي نراها.
- ما أن تتصفح صحف اليوم ألا وترى القتل من الشباب لآبائهم، وأمهاتهم وتحرشاً ومعاكسات وحوادث مؤلمة، ومشاغبات ومضايقات، ومضاربات، وأصوات إطاراتهم تهزّ الحارات يفحِّطون أمام المساجد والبيوت وسهر آناء الليل ونوم إلى أطراف النهار!!.
- هل نلومهم أم نلوم أنفسنا لأننا المسؤولون عنهم.. أم نلوم أنظمتنا التعليمية والجامعية، والعمل والمجتمع؟.. لا شك أن لكل جيل خصوصيته وطعمه الخاص ومذاقه ورغباته المختلفة وهذه سنَّة الحياة.. لكن هذه الخصوصية أما آن لها أن تسير بمحاذاة الفضيلة والجمال والرفق والأناة.
- رمضان وحده يجعلك تتأمّل واقع هذه الحياة الزائلة وترفع شأن الطمأنينة والرضا والقناعة والتسليم بما هو مقدّر ومكتوب!! ليس هناك أفجع من أن ترى شباب المستقبل ما بين متطرف مغالٍ في أمر الدين أو مستهتر بكل شؤون الدنيا والدين.. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.. أسئلة كثيرة يجلبها التّأمل في هذا الشهر العظيم، نسأل الله فيه أن يشد من أزرنا ويهدي ضالنا ويتسامح عن المسيئين منا، ويوفقنا إلى طريق الخير والصلاح.. ويزرع في قلوب شبابنا معاني الإيمان والرضا، والعقل ومحبة الآخرين والتّسامح، وتحمُّل المسؤولية فهم في النهاية أبناؤنا فلذات أكبادنا.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved