في هذه الأيام المباركة حلّ على الأمة الإسلامية ضيف عزيز، وشهر مبارك كريم.. انه شهر رمضان، شهر الهدى والرحمة والفرقان، وشهر الخير والمغفرة وتلاوة القرآن، فيه تفتح الجنان وتصفد مردة الشياطين، قد أقبل بشآبيب الرحمة وسحائب الغفران، شهر كريم قد كرمه الله بين الشهور فقال سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة. فيك يا رمضان وقفات للقلوب البصيرة كي تحاسب النفوس على التقصير فيما مضى، وفيك زاد الروح بالخير والتقوى لما يأتي، وفيك توجه القلوب والأعمال إلى الخالق الديان، وفيك أجل عبادة نسبها الله إلى نفسه، وخص بالثواب عليها لما ميزها به من ميزة الإخلاص.. قال صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). جئت يا رمضان بعبادة الصيام، لتهذب النفوس، وتحفظها من الشهوات، وتكف الجوارح كلها عن اللغو والمنكرات، وتحفظ الناس من عثرات الألسن، وأسقام القلوب، أنت يا رمضان فرصة خير وتدريب، وفرصة للتزود بزاد التقوى والإيمان، إذ تقوى القلوب على مجاهدة النفوس والمعاصي والذنوب، وتحيي قلوباً أسرتها الأسقام والآثام. بصيامك يا رمضان يذوق المسلم طعم الجوع، ويشعر بالفقراء والمساكين والمحرومين في هذه الحياة، فيشاركهم آلامهم، فترق القلوب ويواسي الأخ أخاه ويكون المجتمع متعاوناً على البر والتقوى، فيكون صفاً واحداً، وقلباً واحداً تجسيداً لوحدة تكاملت مقوماتها، ويتحقق بذلك التكافل الاجتماعي الذي حثّ عليه الدين الإسلامي. وفي لياليك يا رمضان تزهو العبادات، وتنهل الدموع بين يدي الرحمن فتطهر القلوب، تنهل الدموع تسبق الجباه إلى الأرض للسجود، وتخفق القلوب تتطلع إلى نفحات ربها. ما أجمل انطلاق أصوات المصلين! وما أحلى ترداد المؤمنين لآيات الذكر الحكيم! تلهج به ألسنتهم، وتتواضع أنفسهم، وتستقيم جوارحهم.. وما أروع مشاهدهم الإيمانية، وهم في بيوت الله في الأسحار، ما أعذب مناجاتهم للرحيم الغفار!، فها هم يا رب عبادك الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب أنابوا إليك في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم، واناخوا مطاياهم حول بابك يرجون مغفرتك ورحمتك، ويخافون عذابك فلا تردهم يا رب خائبين.
|