الحديث عن دور المسجد في الحياة العامة يحتاج إلى وعي بفقه الواقع وتلمس نمو المجتمع وآلية الدعوة إلى مخافة الله وتحقيق العبودية على الوجه الصحيح من خلال فهم التدرج العام لدور المسجد منذ عهد النبوة والعهد الراشد مروراً بالدولة الأموية ثم العباسية وباقي العصور حتى اليوم. ودور إمام المسجد فاعل في ارتباط الفرد بالمسجد فإذا كان متمكناً من وسائله مدركاً لمشاكل المصلين وداعياً بأهمية الترغيب بتجاوز المشاكل، يصبح من معالم الحي الذي يتوسطه المسجد. والعناية بالمساجد من أولويات بناء مؤسسات الدولة وحرص قيادتها الراشدة في التوسع العمراني وتنمية الجهات الراعية على شؤون المساجد في كل مدينة وتوسعة الحرم المكي وتجديده المتتابع دليل واضح على المقصد الحسن. ولكن ونحن اليوم في مواجهة كارثة عالمية ارتبطت في السابق بالتضخم الاقتصادي والبطالة واليوم أضيف إليها الارهاب {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (77) سورة المائدة. نحن بأمس الحاجة إلى مناقشة دور المسجد من خلال الإمام المتمكن والمؤذن الواعي بمسؤولية المسجد، وقد اعتدنا ونحن نناقش ذلك التوقف عند كلمة الاحتساب التي لم يعد لها مكان في فقه الواقع. فمع الأسف ونحن نطور آليات الأداء الحكومي ليحقق الرفاهة للمواطن لمعاش كريم وامن توقفنا عن شمول التطور في آلية المسجد الذي لم يعد مكان توعية اجتماعية يجد فيه الجيران مكاناً آمناً لمطالبهم الحياتية، فقد أصبح عادة لتأدية الصلاة فقط، نأتي مع الإقامة ونخرج مع التسليم وقد خيَّم السكون على رؤوسنا. المطلوب اليوم بعث دور المسجد المدرسة مسجد النبوة الشريفة الذي يتلمس حاجة المجتمع، وهذا يأتي من خلال اعتبار الإمامة وظيفة كباقي الوظائف العامة كوظيفة القاضي والمعلم وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن اليوم نجد المؤهل علمياً بشهادة جامعية من خريجي الشريعة وأقسام الدراسات الإسلامية ممن فيهم الورع والخيرية ويفي بالغرض إنما يحتاجون الى التوجيه السليم وهم بحاجة ملحة الى مصدر رزق لم يتوافر لهم بسبب الوفرة من المؤهلين في ظل محدودية فرص العمل. اليوم يقوم بإمامة المسجد معلم يترك مدرسته وطلابه حتى يؤم المصلين صلاة الظهر كما يقوم بهذه المهمة قاض شرعي أو أستاذ جامعي أو كاتب عدل، وكل هؤلاء لهم دخل ثابت من خلال وظائف رسمية ويأخذون مكافأة إمامة المسجد كدخل إضافي وبالتالي فقد المسجد دوره الديني والاجتماعي للانفصال الحاصل بين المصلين والإمام الذي لم يتعد دوره الحضور للصلاة والانصراف بعد السلام. إن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد معنية بتطوير فاعلية المسجد من خلال اعتبار الإمام والمؤذن موظفين رسميين عليهما واجبات ولهما حقوق مثل موظفي فرع الدعوة والإرشاد. كما أن لمجلس الشورى -من خلال أعضائه الكرام- دوراً حيوياً في دراسة شمول الوظيفة العامة التي ترعى نظمها وزارة الخدمة المدنية على مسمى إمام مسجد وعلى مسمى مؤذن مسجد في سلم الوظيفة العام يتفق مع المؤهل والتخصص. يكون الإمام حاملاً لبكالوريوس الشريعة أو الدراسات الإسلامية في المرتبة الخامسة ويتدرج في السلم الوظيفي كباقي منسوبي الدولة، ويكون المؤذن من حملة المرحلة الابتدائية كحد أدنى يعين على المرتبة الثانية والثانوي الثالثة والجامعي الرابعة المهم ان يحترم الجميع دور المسجد ويحقق هدفيه الأساسيين الديني مكان للصلاة ومدرسة للتوعية الدينية والاجتماعية. يترابط فيه سكان الحي ويعود التكافل الاجتماعي الذي كان المسجد منطلقه ولنا في الهدي النبوي مصباح {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب. يضيء جوانب حياتنا العامة التي تكالبت عليها الهموم. إن وجود إمام مسجد وفق آلية توظيف رسمي تحد من البطالة وتلغي فكر التكفير الذي تنامى من خلال تعدد مصادر دخل بعض الأفراد على حساب المعدومين {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل مع التأهل ولا يوجد مانع شرعي يحد من التفكير في مناقشة اعتبار إمام المسجد موظفاً ولا يوجد مانع شرعي يحرم ان يكون مؤذن المسجد موظفاً رسمياً براتب مقدر وفق سلم الوظيفة العامة عليه واجبات وله حقوق. كان إمام المسجد وكذلك المؤذن يستفيدان من أوقاف المسجد كما القضاة، واليوم لم يعد لهذه الأوقاف مكان مع تنامي المجتمع وزيادة بناء المساجد في المدن حسب حاجة السكان وكثافة الأحياء، وتشكل وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد يحتم إعادة النظر في موضوع الاحتساب في مهام إمام المساجد ومهام مؤذن المسجد ومطالب اليوم التي معها لم يعد المسجد مؤثراً في سلوك المجتمع. إن لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى ملزمة بمناقشة فكرة اعتبار عمل إمام ومؤذن المسجد ضمن الوظائف العامة لها شروطها الخاصة وواجباتها العامة تحت إشراف وزارة الخدمة المدنية كباقي الوظائف الحكومية مثلها مثل المعلمين والقضاة وباقي قطاعات الدولة.
|