Friday 7th October,200512062العددالجمعة 4 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

تقنية خزن المياه تقلص من الآثار السلبية للسدود في المناطق الجافةتقنية خزن المياه تقلص من الآثار السلبية للسدود في المناطق الجافة
د. عبدالملك بن عبدالرحمن آل الشيخ(*)

لا تعتبر تقنية حصد وخزن مياه السيول والأمطار بالجديدة أو أنها لاتزال في مراحلها الأولية قيد التجربة، وإنما على العكس من ذلك فهذه الأساليب يتم استخدامها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وتوصي بها المنظمات الزراعية التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
هناك عدد من الدول المشابهة من حيث الظروف المناخية للمملكة العربية السعودية طبقت فيها هذه الأساليب وحققت منها فوائد جمة علماً بأن من هذه الدول ماهو أشد جفافاً من معظم الأقاليم في بلادنا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أقامت المملكة العربية السعودية في منطقة القيروان من الصحراء الغربية بالجمهورية التونسية سدين ركاميين وطبقت فيهما تقنيات حصد وخزن مياه السيول فكان ذلك سبباً في إعادة ازدهار واحتين قريبتين من هذين السدين خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة مواسم مطرية، حيث ارتفع مخزون الماء في الطبقات السفلى من الوديان المجاورة للواحات، وانتشرت حقول الزيتون والنخيل وزراعة المحاصيل الأخرى وذلك بفضل الله سبحانه ثم بفضل هذه التقنية ذات المردود الكبير مقابل تكلفة يسيرة لا تقاس بأي حالٍ من الأحوال بالتكاليف الباهظة اللازمة لإقامة السدود الخرسانية عديمة الفائدة. وقد ذكر لنا معالي وزير الفلاحة التونسي عندما كنا في زيارة مع بعض الزملاء لهذا الغرض أن هذين السدين كانا سبباً بإذن الله في إعادة الحياة إلى الواحات القريبة بعد أن كانتا مهجورتين بسبب قلة الماء قبل تطبيق أساليب الاستفادة من مياه السدود بحصدها وخزنها.
ومن أجل فهم أفضل لأهمية هذه التقنية في بيئتنا الصحراوية الجافة يجب معرفة الحقائق العلمية التالية:
أولاً: معظم الوديان والشعاب في المناطق الجافة على الخصوص أوجدها المولى عز وجل بصورة جيولوجية تختلف عن تلك الوديان والشعب في المناطق الرطبة، حيث إن شعاب ووديان المناطق الجافة تتميز بوجود طبقة قريبة من السطح في الوادي (وفي الغالب على عمق يتراوح بين 1.5 إلى 3 مترات) لا يعبرها الماء بسهولة. فعندما يمن الله سبحانه بالمطر وتسيل الشعاب والأودية فإن جزءاً يسيراً من المياه تجد طريقها إلى باطن الأودية. أما معظم الماء المتجمع فوق هذه الطبقة الصلبة فيعود إلى المحيط الخارجي بفعل حرارة الشمس والهواء. وكانت تلك الكمية اليسيرة من الماء التي تصل إلى باطن الأودية تتناسب إلى حد ما مع أساليب استخراج الماء من الآبار التقليدية حيث كانت الطاقة الحيوانية هي السائدة. ولقد تغيرت هذه الصورة بعد استخدام الأساليب والتقنيات الحديثة كالمضخات.
ثانياً: تكونت الطبقة الصلبة أو ما يسمى محلياً (بالنشفة) بسبب الدورة الهيدرولوجية أي بسبب ضعف وقلة كمية مياه الأمطار التي تمر بالشعاب والأودية منذ الأزل، والتي تعتبر غير كافية لطرد وإبعاد جزئيات التربة والمواد العضوية المتمعدنة بعيداً إلى أعماق الرسوبيات بالوديان أو الشعاب، لذا تكونت هذه الطبقة وأصبحت عائقاً أمام نزول الماء وخزنه بصورة طبيعية وبكميات كبيرة ويمكن القول إن العكس صحيح في المناطق ذات الأمطار الكثيرة. من هنا تبرز أهمية خزن مياه السيول في بطون الأودية التي تتحقق بعد تجاوز هذه الطبقة والتي تعيق مرور الماء من خلالها. ومن ناحيةٍ أخرى فإن هذه التقوية تفعّل وجود السدود بصورة إيجابية بدلاً من حجز الماء خلف السد وتركه لكي يتبخر ويعود إلى المحيط الخارجي مرة أخرى بدون فائدة تُذكر.
لذا فإن الآمال المرجوة بعون الله من تطبيق وتعميم مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول بالمملكة ترقى إلى مستوى المسمى الذي يحمله المشروع، وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من السدود القائمة في أقاليم مختلفة ومنتشرة في أماكن كثيرة من المملكة، والتي يتجاوز عددها 200 سد. وخصوصاً تلك السدود القريبة من المدن ذات الكثافة السكانية العالية، والسدود القريبة من الواحات والأماكن ذات التربة الرسوبية العميقة القابلة للزراعة المروية.
فمن الممكن أن يستفاد من هذه التقنية لإكثار مخزون المياه في أعماق الأودية والشعاب التي تتميز بسعتها وعمقها بعيداً عن الشمس والهواء. وكذلك في تطوير أساليب عملية للاستفادة من هذه المخازن في وقت الأزمات لا سمح الله أو الحاجة الملحة لمثل هذا المخزون لسد حاجة المواطنين.
ومن ناحيةٍ أخرى، عندما تعمم مثل هذه التقنية على عددٍ كبيرٍ من شبكة الشعاب والوديان المنتشرة في المملكة التي يمن الله عز وجل عليها بالمطر الغزير أحياناً، فإنه بعض مضي وقت يسير في المواسم المطيرة سوف نحقق زراعة مستدامة مع تقليص الاعتماد على المياه الجوفية الأزلية.
واختتم مقالتي هذه بذكر أن الوديان والشعاب هي الأماكن الأكثر ملاءمة للزراعة إذ إنها هي نفس الأماكن التي اختارها الأوائل لممارسة نشاطهم الزراعي وهي ذات الأماكن التي تتسم بصفة الديمومة في إنتاج المحاصيل. والشاهد على ذلك بعض الحضارات التي سادت ثم بادت حيث لا تزال مواقع مزارعها قائمة حتى الآن مثل تلك المزارع في وادي حنيفة ووادي بيشة والواحات حول المدينة المنورة ومنطقة الأحساء وغيرها. وذلك للأسباب التالية:
أولاً: التربة حول وعلى ضفاف الأودية والشعاب رسوبية وعميقة وقابلة للغسل وطرد الأملاح بعيداً عن مناطق الجذور.
ثانياً: التربة في هذه المناطق أقل ملوحة وأعمق وتحتوي على مواد عضوية أكثر نسبياً.
ثالثاً: المياه متجددة بإذن الله وبالذات عندما يتم تطبيق خزن وحصد مياه السيول والأمطار من خلف السدود إلى باطن الأودية والشعاب.

* المشرف على مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء
رئيس مشروع الملك فهد لحصد وتخزين مياه الأمطار والسيول بالمملكة

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved