Friday 7th October,200512062العددالجمعة 4 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

وقفات مع قدوم شهر العطايا والهباتوقفات مع قدوم شهر العطايا والهبات
سعود بن سعد الذويب السبيعي/مشرف تربوي - رماح

تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية، ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً: ماذا قدّم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه؟؟ ويزداد خوفاً وفرقاً عندما يستحضر ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك). فيا الله ما أقصر الأعمار..!!! تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المائة، ثم تنتهي من الدنيا وتنتقل إلى الآخرة، وهذا إن لم تتخطفك المنون في سن الشباب أو الكهولة..!!!!
لكن عزاء المسلمين أن لهم ربا لطيفا رحيما، عوضهم بقصر أعمارهم ما يدركون به أعمال المعمرين مئات السنين، وذلك بمضاعفة الأجور والحسنات بحسب شرف الأزمنة والأمكنة ومواسم الطاعات، ومن ذلك ما أنعم الله به على عباده بفضيلة شهر الصيام ففيه مضاعفة للحسنات، وتكفير عن السيئات، وإقالة للعثرات، فلذلك والذي قبله أحببت التذكير مع قدومه بهذه الوقفات:
الوقفة الأولى
* وقفة محاسبة:
يجب على كل مسلم أن يأخذ العبرة من سرعة تصرم الأيام والليالي، فيقف مع نفسه محاسباً، حساباً يدفعه إلى العمل الصالح وهجر الذنوب والمعاصي فلو يرجع بذاكرته، ويستعرض ما مضى من عمره، ويتأمل عامه الذي انصرم.. بأيامه ولياليه، انصرم وكل لحظة منه تباعدنا عن الدنيا وتقربنا من الآخرة. قال علي بن أبي طالب- رضي الله تعالى عنه-: (ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل) أخرجه البخاري.
ولله در القائل:


نسير إلى الآجال في كل لحظة
وأعمارنا تطوى وهن مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل
وما هذه الأيام إلا مراحل
يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت انها
منازل تطوى والمسافر قاعد

فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، كما في حديث شداد بن أوس عن الترمذي وغيره، وقد أمرنا الله بمحاسبة أنفسنا قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}.
قال ابن كثير- رحمه الله-: (أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم). فمحاسبة النفس هي ديدن العلماء العاملين والعبّاد الصالحين، فهذا الحسن البصري يقول: (يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك) فلله كم يوم من أعمارنا أمضيناه، ولله كم من صديق فقدناه، وكم من قريب بأيدينا دفناه، وكم عزيز علينا في اللحد أضجعناه، كانوا يتشوقون لإدراك هذا الشهر الكريم، ليظفروا بالصيام والقيام ويتعرضوا لنفحات الكريم المنان، فحضرت آجالهم وقطع الموت حبال آمالهم، فحسبهم أنهم على نياتهم يؤجرون كما في الصحيحين من خبر الصادق المصدوق: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
الوقفة الثانية
* التوبة التوبة:
المسلم ليس معصوماً عن الخطأ، فهو عرضة للوقوع في الذنوب والآثام، وقد بين النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك وبيّن أنه من طبع البشر وبيّن علاجه فقال: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) كما في حديث أنس- رضي الله عنه- الذي أخرجه أحمد والترمذي، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) أخرجه مسلم، وشهر رمضان هو شهر مغفرة الذنوب وشهر القبول ومضاعفة الحسنات وشهر العتق من النار هو الشهر الذي (تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد فيه الشياطين) كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، هو الشهر الذي (ينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر اقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) كما في السنن وعند أحمد من حديث أبي هريرة أيضاً.
فحري بالمؤمن الصادق الذي- مد الله في عمره- حتى أدرك هذا الشهر ان يغتنمه بتوبة صادقة وانطلاقة جادة بعزيمة أكيدة فيجدد العهد مع الله بأن يلتزم بطاعته، وأن يأتمر بأوامره وينتهي عن مناهيه، ويستقيم على دينه حتى يلقاه فإن العبرة بالخواتيم.
الوقفة الثالثة
* رمضان فرصة لتطهير القلوب وتصفية النفوس:
إن الناظر بعين البصيرة إلى حال الناس اليوم ليرى واقعاً مؤسفاً وحالاً سيئة.. يرى إقبالاً على الدنيا الفانية وتنافساً مخيفاً في جمع حطامها، حتى إنك لترى الرجل تعرفه وعهدك به ذا حياء ولطف وخلق جم.. فما أن يقبل فيها ويدبر إلا ويصبح ذئباً ضارياً همه الظفر بالمال، وعدوه من شاركه في مهنة، أو نافسه في بيعه، فسبحان الله وكأن أولئك خلقوا للدنيا وسيعمرون فيها.. وصدق القائل:


وما هي إلا جيفة مستحيلة
عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها
وإن تجتذبها نازعتك كلابها

وكذلك ترى أمراً آخر مزريا: وهو تقاتل الناس على الرياسة وحب الظهور والشهرة، وهذا كله مما يوغر الصدور، ويمرض القلوب، فيتولد الحقد الدفين، والبغضاء والحسد المشين.
قال الفضيل بن عياض- رحمه الله-: (ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير). وصدق- رحمه الله- فقد رأينا هذا واقعاً مشاهداً، وقد نهانا النبي- صلى الله عليه وسلم- عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء ففي الصحيح من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابر ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا، وعندما سئل النبي- صلى الله عليه وسلم- أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد) رواه ابن ماجة، فهذا هو رمضان موسم الصفاء والإخاء والألفة والمحبة كيف لا؟ وأنت تسمع الضجيج بالتأمين على الدعاء، وتشاهد النشيج بالبكاء فهل يحصل مع هذا تباغض وجفاء؟؟ فنسأل الله أن يطهر القلوب ويستر العيوب.
الوقفة الرابعة
* ذكرياتنا الخالدة في رمضان:
عندما نذكر تاريخنا في رمضان فإننا نذكر تاريخا مشرفا وأمجادا تليدة، نذكر نصرا وفخرا، وعزة وشموخا نذكر بطولات حققها الأخيار.
فنفخر بغزوة بدر الكبرى وفتح مكة، ونعتز بفتح عمورية ونخوة المعتصم، ونذكر فتح الأندلس، ونتشرف بذكر انتصارات صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين، فبعد موقعة حطين الشهيرة وتحرير بيت المقدس من قبضتهم، وأثناء تحقيق هذا الانتصار الباهر دخل شهر رمضان الكريم فأشار رجال صلاح الدين عليه أن يستريح خلال هذا الشهر الكريم نظير ما لاقاه من جهد ومشقة، لكن صلاح الدين رفض ذلك وقال: (إن العمر قصير والأجل غير مأمون، والسماح للمغتصبين بالبقاء في الأرض الإسلامية يوماً واحداً مع القدرة على استخلاص الارض منهم، عمل منكر لا أستطيع حمل مسؤوليته أمام الله وأمام الناس).
فهذا شيء من ذكرياتنا في رمضان يهتز لها القلب بهجة وسروراً، وترتفع الهام عزة وشموخاً، ولكن يعصف بذلك كله النظر إلى واقع الأمة اليوم: فهي تعيش مصائب شتى، ونكبات لا تحصى: ذلة وهوانا، وضعفا وخذلانا، فلتعلم علما يقينيا أنه لا نجاة لهم مما هي فيه إلا برجعة صادقة إلى الله، وبالتزام حقيقي بمنهج رسوله- صلى الله عليه وسلم- فذلك هو أساس العز والنصر والنجاح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved