منذ إعلان قيام دولة فلسطين في مؤتمر إعلان الجزائر الشهير عام 1982م، وكان يرأس المؤتمر آنذاك رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات رحمه الله تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل 33 دولة، كون منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، كقوة عرف عنها صمودها بعد ذلك أمام كل التحديات التي كانت تواجهها في إقرار المصير والمبادئ التي أنشئت عليها. وكان من الطبيعي بعد الإعلان عن الدولة أن أنشأت الهيكلية الإدارية والتنفيذية لدولة الفلسطينية في الخارج بوجود سفاراتها وممثلياتها كنوع من الاعتراف العربي والدولي بدولة فلسطين. وكان لتعيين السيد فاروق القدومي وزير الخارجية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن جعل لتلك السفارات والممثليات دورها الفاعل في القيام بما تستطيع لترسيخ مفهوم الدولة بالنضال والمقاومة المشروعة من أجل استرداد الأرض والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومن أجل أن تكون القضية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا المعاصرة كمادة أساسية في حياة الأجيال القادمة حتى يتنمى في العقول والقلوب إحساس المعاناة المتواصلة لشعبنا الفلسطيني في الداخل بالمشاركة المادية والمعنوية لدعم الصمود. وكانت لتلك المشاركات والفعاليات أشكال ورؤى عديدة وجدها وتفاعل معها شعبنا من خلال وجود أول سفارة فلسطينية في العالم وكانت على دولة عربية وإسلامية شقيقة وهي المملكة العربية السعودية، لما تحظى به هذه الدولة وشعبها من مميزات عرفت عنها، خصوصاً بما يتعلق بمساندتها ووقوفها الدائم مع محنة الشعب الفلسطيني. لقد عرف عن المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً ما هو أبعد من ذلك، وهو الاهتمام والاتفاق الشعبي السعودي الكبير والواضح مع قادتهم، والذي لم يكن له نظير في أي مكان في العالم، وقد كانت بصورة جلية رأى فيها جميع فئات وطبقات الشعب الفلسطيني بما يمكن تخيله كخط أحمر ومحرم على كل فلسطيني في هذا العالم بعدم المزايدة أو التفوه بما قد يمس المملكة العربية السعودية بأي سوء عن اقتناع ووفاق وطني وإسلامي فلسطيني بأن المملكة العربية السعودية هي صاحبة المواقف الإنسانية والأخوية والمتأصلة في كيانها على مبدأ المآخاة الطاهر والنزيه لحفظ الهوية الفلسطينية عن كل ما قد يواجهها من قوى تحاول مسح تلك الهوية. وعندما نتحدث هنا عن بعض صور المواقف السعودية تجاهنا كشعب فلسطيني وما قامت وتقوم به من خلال سفارة دولة فلسطين في المملكة نتحدث عن حقب زمنية مرت على السفارة منذ إنشائها منذ عام 1987م، لتكون حقبة تولي سفير دولة فلسطين الحالي سعادة السفير مصطفى هاشم الشيخ ذيب ما يميزها عن غيرها لما تخللها من مواقف إنسانية وأبوية رائعة من ذلك الرجل الصامد بصمود أبناء شعبه تحت وطأة الاحتلال، وقد تخلل في فترة وجوده كسفير لدولة فلسطين قيام السلطة الوطنية الفلسطينية واعتبرت السفارة كغيرها من السفارات ممثليات للسلطة الوطنية والهيئات الوطنية والثقافية الفسلطينية في السعودية ليكون هناك إدراك وإحساس من قبل الجالية بما تم من تقدم كبير على الصعيد العالمي للاعتراف بالحقوق الفلسطينية وبالفلسطينيين كشعب مقهور وبالأرض كحق طبيعي للكيان الفلسطيني على مبدأ الأرض مقابل السلام. وكان لسعادته مواقف مشرفة وبطولية تحكي أروع قصص الوفاء والإخلاص لقيادته ولشعبه متحملاً المسؤولية بكل نزاهة وشفافية لتكون شخصيته المعروفة وأعماله وإنجازاته هي الشاهد الحي على ذلك وأكثر من خلال الآتي: 1- من خلال قيامه بإعادة وتحسين العلاقات السعودية الفلسطينية بعدما تعرضت له تلك العلاقات القوية والمترابطة من شوائب الغزو العراقي على دولة الكويت الشقيقة، وكان لذلك الغزو القذر أن فرق الوحدة والصف العربي لمصالح الهيمنة والتبعية وخيانة الشرف ولأحلام كبيرة لأشخاص كسرت رقابهم وأهينوا إهانة يستحقونها، ولكن ولله الحمد كان هناك رجال شرفاء نظروا إلى مصالح شعوبهم قبل مصالحهم الشخصية كأمثال رجل سفارتنا الفلسطينية الأول الذي رسم على وجهه أسارير الفرح والسعادة لإعادة الأمور إلى نصابها وحقيقتها الصحيحة والمعهودة. 2- سعى للاعتراف السعودي بجواز السفر الفلسطيني وهو الوثيقة الوحيدة التي أعطت للفلسطينيين نوعاً من الحرية والاستقلال كأشخاص عليهم كما على غيرهم من حقوق وواجبات تجاه الدولة المستضيفة لهم وليكون الجواز الفلسطيني نوعاً من التعامل المباشر بين السلطة الوطنية الفلسطينية والمملكة العريبة السعودية من دون وسيط. 3- إنشاء جامعة القدس المفتوحة وهي الجامعة الأهلية الوحيدة التي تختص بالجالية الفلسطينية في العاصمة الرياض وفرعها الآخر في مدينة جدة، وكان لإنشاء تلك الجامعة ما أدى إلى متابعة العوائل الفلسطينية أبنائهم عن قرب ووفر في مدخراتهم المالية لتعليم أبنائهم بعيداً عن مشقة السفر والبعد عن الأهل والأحباء وفي ظروف أمنية جيدة ساعدت في خلق جو عام مليء بالتفاؤل لمستقبل زاهر لأبنائنا الطلبة الجامعيين. 4- وفي ظل الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي بدأت منذ عام 2000م، والتي توجت بكثافة جماهيرية سعودية عاصرت محنة إخوانهم الفلسطينيين متبرعين بالغالي والنفيس وبتوجيه من ولاة الأمر -أيدهم الله- حيث كان لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية والمسؤول عن اللجنة السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني الأيادي البيضاء والمبادرات العاجلة والنابعة من أخوة واهتمام متواصل لإخوانه الفلسطينيين هناك كما كان لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض التواصل والمتابعة المباشرة لجميع المساعدات المالية والعينية كإشرافه على الهيئة العليا لمساعدة الشعب الفلسطيني ووقوفه وإشرافه عن كثب وقرب مما يساهم في الإسراع في تذليل جميع الصعوبات لكي تصل المساعدات بأسرع وقت ممكن بالإضافة لكون اسمه ارتبط بكل ما يتعلق بالفلسطينيين كمقيمين في الداخل والخارج كإخوان استحقوا منه هذه الرعاية المتواصلة والأبوية بدعم وتوجيه مباشر من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله، فكان بعد كل هذه التسهيلات أن جعلت من سفيرنا في المملكة بأن يساهم بحماس وعفوية في النهوض بمحنة الشعب الفلسطيني بصدق في التعامل ومصداقية في الإدارة وشفافية في التنفيذ. وفي النهاية أرادت جماهيرنا الفلسطينية إن كانت في الداخل أو الخارج أن ترسل عبارات الشكر لمن تحمل كل تلك المسؤوليات الثقيلة والحساسة، وأن تبين مشاعر الثقة لمن تميز بحسن التعامل مع الغير في سبيل تدارك الموقف، وأن توصل أحاسيس الإخلاص والوفاء لمن عمل بلا كلل ولا ملل وعانى بلا تعب ولا صخب، وكان على قدر كبير من التحمل ومواجهة المشقة وبوسيلة كان لها الصدى في جميع محافل الدولة السعودية التي ساندت وتبنت ما هو أكبر من الإنسان الفلسطيني لتتخطى منزلة العروبة إلى الإنسانية بكل معانيها السامية الفطرية في خلق الله لخلقه. وإنها لأمانة عجزت الجبال عن حملها، وكان لسعادة السفير المثل الواقعي في حمل تلك الأمانة على مرأى ومسمع من الجميع بقوة نابعة من نفسه وبافتتاح في عقله كانت لتربيته الفضل العظيم في عدم زحزحتها أو نقصانها. ليكون من واجبنا كأناس رأينا وسمعنا أن نوصل كل تلك العبارات والمشاعر والأحاسيس مكتوبة على صفحات معطرة برائحة دماء شعبنا الزكي والطاهر وتضحياته المتواصلة لمن يستحقها بفعله وقوله واجتهاداته المتوافقة مع رؤى شعبنا وبما يستطيع فعله لمصلحتنا من دون انتظار لأمر أحد أو وصاية من أحد لأن أداء الواجب في العمل هو الوطنية بعينها في حساباته وخطواته الواقعية والشهمة وهذا أقل ما يمكن اعتباره عرفاناً ومحبة منا له. ليكون له الرب معينا وليبارك له الرب في أفعاله الخيرة وليجزيه عنا خير الجزاء إنه على كل شيء قدير.
|