عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحشد قواها العسكرية والإعلامية والدبلوماسية لتمرير عملية غزوها للعراق قلتُ في وقتها: إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تغرق في المستنقع العراقي. وأشرتُ في مقالات سابقة نُشِرت في (الجزيرة) وفي بعض الصحف الأخرى وعدد من البرامج التلفزيونية: إن الغزو الأمريكي للعراق سوف يؤدي إلى كارثة سياسية وعسكرية لا تقتصر على الجانب الأمريكي وإنما تمتد إلى شعوب المنطقة والسلم العراقي. ويُلاحظ بعد أن مرَّ الغزو وحدث احتلال العراق أن أمريكا عاجزة عن احتواء المقاومة العراقية، وتحولت القوات الأمريكية إلى قسمين: قسم يُهاجم ويدافع، وقسم آخر يحاول أن يحمي القسم الأول. هذا هو واقع القوات الأمريكية في العراق. والمراقب السياسي لأحداث المنطقة العربية والعالِم بتفاصيل التاريخ لهذه المنطقة يدرك تماماً أن أي غزو نهايته الفشل. فالسياسة الأمريكية ارتكبت أخطاء استراتيجية عندما حلَّّت الجيش العراقي ومؤسسات الدولة المدنية؛ حيث تم التحول عن ذلك إلى المليشيات الطائفية التي تحكم من طهران. وفي ظل هذا الوضع نستطيع أن نحكم أن السياسة الأمريكية في العراق قد فشلت، فالعراق يبدو في ظل هذه السياسة كما شخصه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي (الوضع في العراق في غاية الخطورة لكونه يعطي الانطباع بأنه يسير تدريجياً نحو التفكك؛ إذ إنه لا توجد قوة محركة لجمع الشمل العراقي، بينما القوى المحركة تدفع للتباعد بين الفئات العراقية). إن الوضع في العراق يدعو للألم، فالعراقي يذبح العراقي، ومليشيات الطوائف أصبحت تتحكم في مصير الشعب العراقي، وقد سبق للملك عبد الله الثاني ملك الأردن أن حذر من تشكيل هلال شيعي. ويبدو أن الطوائف الشيعية العراقية الفارسية تسعى لتحقيق هذا الهدف، وهو لن يتحقق أبداً أرادت هذه الطوائف أو لم ترد ومهما كانت القوى الداعمة لذلك، فالتاريخ يُعلمنا أن هذه المحاولات قد سبق تجريبها وانتهت بزوال القوى التي تدعمها. وفي هذا السياق أقرأ تصريح ما يسمى بوزير الداخلية العراقي (بيان جبر صولاغ الزبيدي) الذي عرَّض بسياسة المملكة. هذا الدَّعِيُّ العميل الذي لم يكن يعرفه أحد قبل أن تنصبه أمريكا وزيراً للداخلية يعرف قبل غيره أنه لا يستطيع حماية نفسه من المقاومة العراقية، ولا يستطيع أن يتحرك في شوارع بغداد، وهو لم يستطع حماية شقيقه من يد المقاومة مع كونه وزيراً للداخلية، فكيف يحمي الشعب العراقي؟! إن هذا الرجل لا ينطلق في سياسته من أنه وزير داخلية للشعب العراقي، وإنما ينطلق من كونه وزير طائفة من طوائف الشعب العراقي. لقد عارضت المملكة الغزو الأمريكي للعراق من منطلقات سياسية وعسكرية وقومية وإسلامية واستراتيجية، وهي تدرك أن عواقب الغزو هو ما يحدث في بغداد من ذبح وتفجير وتدمير لكل مكونات الحياة في العراق. وما حذَّرت منه المملكة يحدث الآن، ولا أعتقد أن عاقلاً كان مَن كان وفي أي أرض يكون يرغب في وضع كوضع هذا الوزير (الهلامي) الذي يعجز عن حماية أمنه الشخصي، فكيف يتسنى له حماية الشعب العراقي؟! وهذا الوزير يعرف أن السياسة السعودية تجاه العراق هي الحرص على وحدة تراب العراق وسيادته وأمنه واستقراره وعروبته. وهذا الأمر لا يروق كما يبدو له ولمن يعملون كل ما في وسعهم على جعل العراق أرض الرافدين دويلات طائفية تحكم من قِبل مرجعيات طائفية من خارج حدوده، لهذا كان غضب (صولاغ) على بلادنا.
|