Sunday 2nd October,200512057العددالأحد 28 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "ندوة الجزيرة"

الجزء الأولالجزء الأول
في ندوة ساخنة.. بدأت حذرة وانتهت بالعناق
صالح آل الشيخ: نحن هنا لتصحيح مشكلة بدأت في العصر الأموي وازدادت في العباسي وتأصلت في الزمن المعاصر!

  * متابعة - فهد بن عبدالله العجلان :
حينما تُدعى إلى ندوة تضم معالي الشيخ صالح آل الشيخ، ونخبة مختارة من كُتَّاب «الجزيرة»، بعضهم ممَّنْ يستهويهم الركض في حقول الألغام، فإنك تدرك أنك إزاء ندوة ستُعيد رسم خارطة المسكوت عنه ثقافياً، ليحدها شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً مصلحة الوطن، كنت أتساءل: كيف ستتم هذه الندوة؟ ولم يُجب عن تلك التساؤلات سوى رؤيتي الأستاذ مطلق المطلق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الجزيرة» - يتحدث إلى الأستاذ عبد الرحمن الراشد - المدير العام - لتنتهي الإجابة بجلوس الأستاذ خالد المالك - رئيس التحرير - وإعلانه بدء الندوة، حينها أدركت أنها ندوة بحجم «الجزيرة».
*********
(هذا الأمر لا يمكن قبوله)
بدأ الأستاذ خالد المالك - رئيس تحرير صحيفة (الجزيرة) - هذه الندوة قائلاً:
في البداية أرحب بمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - وزير الشؤون الإسلامية - لتشريفه لنا بالزيارة، والالتقاء بأسرة تحرير صحيفة (الجزيرة)، والشكر الجزيل كذلك، لسعادة الأستاذ مطلق المطلق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة (الجزيرة) للصحافة والطباعة والنشر - وسعادة الأستاذ عبد الرحمن الراشد - مدير عام المؤسسة - لحرصهما على الحضور إلى هذه الأمسية المميزة، والشكر موصول أيضاً للإخوة كُتَّاب صحيفة (الجزيرة) وهيئتها التحريرية، على هذا التفاعل والمشاركة الإيجابية.
معالي الشيخ، شكراً لكم على تلبيتكم دعوة صحيفة (الجزيرة)، واللقاء بنا جميعاً، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى مثل هذه اللقاءات، لكي نتحاور ونتناقش حول كثير من القضايا، التي تخدم مصلحة الوطن في أمنه واستقراره ومستقبله، وكلنا ثقة في إيجابية هذا اللقاء، لما نعرفه عنكم من رحابة صدر وسعة أفق، تشهد عليه أبحاثكم ودراساتكم ومشاركاتكم المتعدِّدة، في كثير من القضايا التي تهم المسلمين، وكلنا أمل في أن يجد القراء في هذا اللقاء ما يتطلعون إليه من مؤسسة إعلامية منحوها الثقة والتواصل.
ثم انتقل الحديث إلى معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ الذي بدأ حديثه قائلاً: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد..
أقدِّم شكري للأستاذ مطلق المطلق، والأستاذ عبد الرحمن الراشد، والأستاذ خالد المالك، على كريم استضافتهم في هذه الليلة، والحقيقة أن الأستاذ خالد يعلم رغبتي في لقاء هذه النخبة، التي تكتب وتعبِّر عما يدور في خلد المجتمع، وأسال الله الكريم أن يكون لقاءً مثمراً وإيجابياً، بيني كطالب علم ومسؤول في جهة حكومية، وبين هذه النخبة التي تكتب في هذه المؤسسة العريقة - مؤسسة (الجزيرة) للطباعة والنشر - مثل هذه اللقاءات على قدر كبير من الأهمية؛ لبناء الجسور والتفاهم حول كثير من القضايا التي تهم المجتمع، وتتصل بديننا وثقافتنا وأولويات مجتمعنا, تعلمون - أيها الإخوة - أن من أهم المشكلات التي يعانيها المجتمع الإسلامي هي الانفصال وتبادل الاتهامات بين القوى المؤثِّرة في المجتمع، وقد بدأت هذه المشكلة منذ عهد مبكر في زمن الدولة الأموية، ثم أخذت في التوسع في عهد الدولة العباسية، وازداد تأصلها في وقتنا الحاضر أنتجت هذه المشكلة أزمات متأصلة بين الأديب والسياسي والشاعر والفقيه والأمراء والفلاسفة، وما أشبه ذلك من الصراعات.
كان هناك نوع من التنازع في الرؤى أدى إلى التنافر لا إلى التكامل، وقد ذكر الله - عزَّ وجلَّ - في القرآن الكريم أن التنوع وسيلة للتعاون والتكامل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى..) التنوع طبيعة بشرية، لا بد من التنوع في الأفكار والرؤى ومستويات الفهم، ولذلك برزت الحاجة إلى التوجه لمخاطبة فئات المجتمع، استناداً إلى خبراتهم وثقافاتهم ومعارفهم، بعض الناس يملك القدرة على إقناع الأدباء، وآخر يجيد التواصل مع الاقتصاديين أو السياسيين وهكذا..
لذلك نرى حقيقة أن رسالة العلم الشرعي ورسالة الإعلام هي رسالة واحدة غير منفصلة، والحقيقة أن الانفصال في هذه العصور المتأخرة أصبح متجذراً، ولعل مثل هذه اللقاءات تصب في مسار تصحيح هذه العلاقة، ونلاحظ اليوم أن بعض الفئات تُصدر أحكاماً على فئات أخرى، سواء من الأدباء أو الصحفيين، على العلماء أو بالمقابل من العلماء على الصحفيين والأدباء هذه الأحكام - في الغالب - تصدر دون أن يتم اللقاء بينهم وسماع أفكارهم مباشرة ومناقشتها معهم، وإنما السماع من أشخاص آخرين، غالباً ما يكون نقلهم غير دقيق، فمثلاً، يسمع الكاتب فتوى من عالم أو طالب علم أو يقرأها ولا يتثبت منها ومما تعنيه، ثم يُصدر حكماً على هذا العالم أو طالب العلم دون أن يدرك قصده، وإن كان هذا مقبولاً على مستوى العامة، فلا يمكن قبوله على مستوى المثقفين الذين يمارسه بعضهم اليوم.
للأسف، أن بعضهم يطبق اليوم منهجاً يحذرون الناس من استخدامه وتطبيقه، وهو العجلة في إصدار الأحكام، وعدم التثبت منها، هذه المشكلة في الواقع مشكلة مجتمع بأسره، وينبغي على الجميع التنبّه لخطورتها والتحذير منها، نحن جميعاً يجب علينا التكامل لمواجهتها، والمسؤولية تقع على الجميع سواء كانوا طلاب علم أو من المنتمين إلى العلم الشرعي، وكذلك أنتم الكُتَّاب والصحفيين والإعلاميين، وكلٌّ عليه قدر من المسؤولية في مجاله وعمله.
هذا العمل والتكامل المشترك في الجهود يجب أن يخدم ويدعم أساسين هما عماد قوة وبقاء مجتمعنا. الأول: هو الدين الإسلامي بمسلّماته وثوابته وأصوله التي جاءت بها النصوص في الكتاب والسُنَّة.
والثاني: هو الوطن (المملكة العربية السعودية) وهو الذي يجمعنا جميعاً بجميع اختلافاتنا، يجب أن يكون هذا الوطن فوق كل الخلافات والاختلافات, مَنْ يقرأ تاريخ هذه الأرض والخلافات والصراعات التي في الماضي، يدرك أهمية هذا الكيان لنا جميعاً وأهمية العقيدة الإسلامية التي اجتمعنا عليها في هذه البلاد، وهي العقيدة السلفية الواضحة، التي تعود بالناس في الاعتقاد والعبادة إلى ما كان عليه المصطفي - صلوات ربي وسلامه عليه - وأصحابه - رضوان الله عليهم.
ولذلك كانت رسالة الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى - بلم شتات الناس واجتماعهم على هذين الأصلين، وهو الذي يؤكِّده ولاة الأمر من بعده في كل زمان وكما قيل:


الدِّينُ بِالْمُلْكِ يَقْوَى
وَالْمُلْكُ بِالدِّينِ يَبْقَى

والتاريخ يحمل شواهد كثيرة على أهمية اجتماع الناس على فكرة يتم الاتفاق عليها والاجتماع حولها - كما يقول ابن خلدون في مقدِّمته - وقدرنا في هذه الأمة أن نجتمع على الدين، ونتقوَّى به، كما أن غيرنا اليوم يجتمع على أفكار ومذاهب أخرى, وهو شرف عظيم حبانا الله إياه، كما قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ..) (164) سورة آل عمران.
وهي منة منه - عزَّ وجلَّ - كما قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..) (110) آل عمران.
وهذا الدين فخار لنا، وصالح لكل زمان ومكان حتى تقوم الساعة.
(هذا ما تفعله الجماهير)
تابع معالي الشيخ صالح حديثه مخاطباً الحضور قائلاً:
كذلك يجب إدراك حقيقة مهمة، وهي أن الناس هم الذين يمثّلون سعة الإسلام لبقاء الإسلام، ولهذا دائماً أقول:
إن الغلو بجميع أنواعه سواءً كان غلواً في الدين أو غلواً في التحرر، لا يخدم اجتماع الناس ومصلحة الوطن، بل هو عنصر هدم وتدمير ينبغي على جميع الأطراف في المجتمع التعاون، من أجل التقدم والتطور واستيعاب التحديث، بما يخدم الوطن ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهي سُنَّة من سنن الله في الأرض.
التعاون أمر مهم اليوم، وتعلمون جميعاً أن أطروحات كانت في الماضي مقبولة، أصبح العامة اليوم يأنفون منها، فضلاً عن العقلاء، مثل فكرة القائد الملهم الفذ الذي يعلم كل شيء عن السياسة والاقتصاد والفقه والاجتماع وما يراه هو الصواب.
أو حتى اعتقاد فئة من المجتمع أنها تملك الصواب في كل شيء، هذه الأطروحات - في الواقع - لدينا ما يعارضها ويدحضها في شريعتنا الإسلامية، فليس لدينا معصوم سوى المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وكما قال الإمام مالك:
(كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم).
ولذلك يجب أن ندرك جميعاً - طلبة علم وأدباء وصحفيين وإعلاميين - أن لدينا جوانب قصور يستطيع بعضنا إكمال جوانب القصور للبعض الآخر، بل حتى على مستوى السلوك، وليس المعارف والأفكار يوجد قصور منا جميعاً، لا يوجد في الواقع مَنْ هو منزه عن القصور والخطأ.
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) لا مكان لأناسٍ متطهرين منزهين في الشريعة، لكن ثمة سعي إلى الطهارة، ولذلك جاء في الشريعة الاهتمام بالصلاة، والإشارة إلى أن الصلاة إلى الصلاة مكفِّرات لما بينهن، ورمضان إلى رمضان، والحج إلى الحج، والعمرة إلى العمرة ونحو ذلك.
هو إذن سعي لتزكية النفس، ولذا لا بد من النظر إلى الأمور بطريقة صحيحة، لا بد من تجاوز إطار الثنائيات التي ما زال البعض يؤمن بها، مثل ثنائية الكمال والنجاح،لا بد أن ندرك أنه لا تلازم بين النجاح والكمال، فقد يكون المرء ناجحاً ولديه قصور في جوانب أخرى، وقد يكون المرء كاتباً أو صحفياً بارزاً وناجحاً، ويقع في أخطاء، ويظهر قصور في أطروحاته وأفكاره.
الفكرة التي أريد إيصالها إليكم، وأنا اليوم كناقل التمر إلى أهل هجر أو كناقل الصوف إلى أهل الوبر، هي أن تعاون عشرة أو عشرين شخصاً بأفكارهم وخبراتهم، أفضل وأنجع من الشخص الواحد؛ لأن كل شخص يغطي قصور الآخر وهكذا.
ويصبح الاقتراب من الصواب والابتعاد عن الخطأ أكبر، ولذلك تلك الثنائيات هي ثنائيات موهومة، وهي من سلبيات العقل العربي لا العقل الإسلامي التي ينبغي التخلص منها، كذلك فإن العقلية العربية أيضاً متأصل فيها توهم الفخر والإعجاب وتنزيه الذات، والتي - في الغالب - تعد من صنعة الجماهير وليس النخب؛ لأن الجماهير إذا رفعت شخصاً ما نزهته عن الأخطاء والزلل، وأسبغت عليه قدسية تصحح كل أخطائه وسلبياته، وإذا اتجهوا إلى العكس - أعني الجماهير- جردوا الشخص من كل الإيجابيات ووضعوه أسفل سافلين.
أما النخب فهم يدورون مع البرهان والدليل حيث دارا، ويوطنون أنفسهم على الحوار والنقاش والقبول من الآخر إذا قدم الدليل والبرهان، ولذلك لا مجال للانتصار للذات بين طلبة العلم والأدباء أو الصحفيين والكتَّاب، وطرح الأمر وكأنه انتصار لطرف على آخر.
(الصحافة لا تمارس هذا الدور!!)
أكمل الشيخ صالح حديثه قائلاً: الثنائية الأخرى التي أود الإشارة إليها - أيضاً - هي ثنائية المدرسة الواحدة أو الصواب المطلق. البعض - مثلاً - يأخذ منحىً سلبياً في نظرته إلى الدين ويصفه بالفكر العتيق، وهذا - في الواقع - فكر أحادي متطرِّف، ومثله الذي ينتقد التفكير الإصلاحي، الذي يدعو إلى التخلص من بعض الأخطاء والقيود التي لا أصل لها في الشريعة.
لكن يجب إدراك أن أي طرح لا بد أن يتسم بالواقعية ومعرفة أحوال المجتمع، وحقيقة أن تطور فهم الناس يختلف من زمن إلى آخر؛ لأن البشر يؤثِّرون في بعضهم البعض والتجارب والمعارف تتوسع مع الزمن، فقد يرى امرؤ أمراً من الأمور اليوم برؤية تختلف عنها قبل خمس أو عشر سنوات، كما أعود إلى التأكيد على أهمية أن تطرح الأفكار والرؤى، وفق أطر تتناسب والمجتمعات وخصوصيتها وثقافاتها.
مثلاً، في الجانب السياسي حينما تطرح الديمقراطية والانتخابات، الانتخابات في الواقع ليست الديمقراطية، الانتخابات طريقة لترشح مَنْ يمثِّل الناس، وفي الأصل هذا المبدأ مقبول في الشرع، كما تعلمون من انتخاب الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وكذلك عندما رشح عمر - رضي الله عنه - ستة وترك الاختيار منهم؛ ليتم فيما بعد انتخاب عثمان - رضي الله عنه - خليفة للمسلمين هذا أيضاً نوع من الترشح والانتخاب. الهدف من أي نظام سياسي، هو تحقيق العدالة للناس والأمن، العدالة - في الواقع - تحقق للناس مبدأ تكافؤ الفرص والقضاء على التحيزات والتمييز ضد فئة أو جماعة في المجتمع.
الآليات التي تتم في النظام السياسي ابتداءً من تعيين الحاكم واختيار الوزراء والمجالس النيابية وغير ذلك، هي - في الواقع - وسائل وآليات لتحقيق هذين الهدفين اللذين سبقنا الإشارة إليهما، وهما: العدل والأمن في المجتمع.
النظام السياسي في الإسلام يكفل تحقيق العدل، كما قال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (26) سورة ص.
ما يجب التركيز عليه هو تحقيق الأهداف وعدم القصور والتعلق بوسائل في التطبيق مستوردة قد لا تتفق وطبيعة مجتمعنا، فإذا كان النظام السياسي في الإسلام يكفل هذين الهدفين، وهما: العدل والأمن، فمن الحكمة تطوير تطبيقات هذا النظام، بما يتوافق والشريعة الإسلامية وطبيعة مجتمعنا، عوضاً عن طرح خيارات، هي - في الواقع - لا تنسجم مع ثقافتنا الإسلامية.
يوجد لدينا قصور بالوعي في الاطلاع على ما يمتاز به النظام السياسي والاقتصادي في الإسلام، حتى الصحافة اليوم لا تمارس دورها في هذا المجال، وتطرح القضايا المتصلة بإبراز بعض جوانب التميز فيهما.
دعوني أتذكر ما حدث حينما بدأت الانتخابات البلدية هنا في المملكة، لم تتناول الصحافة التفصيل الشرعي في هذه القضية، لم تتناول علاقة النظام السياسي في الإسلام بالانتخابات، هذا جزء من مشكلة الصحافة.
في مهرجان الجنادرية أذكر أنني ألقيت محاضرة بعنوان (النظام السياسي في الإسلام)، وذكرت في ذلك الوقت أننا لا نريد أن نغرس في المجتمع أنه لا بد من الانسلاخ عن الماضي والتنكر له، ولتاريخ الأمة؛ من أجل تحقيق التقدم والتطور؛ لأن البعض يطرح اليوم خيار التنكر للعقيدة وللدين ويسوقهما كشرط لهذا التقدم، والبعض يطرح الأمر وكأننا لا نملك من مقومات اللحاق بالأمم الأخرى حضارياً أي شيء.
كلنا نعلم أن هذا القول غير صحيح، ونحن في المملكة اليوم نملك من مقومات القوة الشيء الكثير مما لا يملكه غيرنا من الأمم الأخرى، يجب أن نقيس الأمور بحقيقتها لا بما يعتقده البعض فيها.
اليوم نملك القوة السياسية المشهود لها في المحافل الدولية، نملك القوة الاقتصادية، نملك القوة الإعلامية داخلياً وخارجياً، وأبناء المملكة العربية السعودية يشاركون اليوم في المؤتمرات الدولية وفي كل المجالات، مشاركات فعَّالة وليست مجرد حضور، والجميع يشهد بذلك، يشهد لهم بالطرح العميق والمنصف، يشهد لهم بالابتعاد عن الهوج الذي يقع فيه البعض. ما أود قوله هو أنه لا يجوز الاستهانة بما نملك، والنظر إلى الآخرين وكأنهم يملكون من مصادر القوة ما لا نملكه، يجب أن ندرك حقيقة قوتنا ونرسم أهدافنا بوضوح؛ لاستغلال هذه القوة في الوصول إلى الأهداف، وحدة الهدف مطلوبة؛ لأن الأمم لا بد أن تجتمع على أهداف مشتركة، كلنا نذكر ماليزيا وتجربتها في هذا الشأن.
(النظرة الشكّية تصبغ رؤيتنا)
تابع معالي الشيخ حديثه قائلاً: دعوني أكون أكثر وضوحاً معكم، أيها الأخوة: العقل السعودي اليوم يعاني ثلاث مشكلات حقيقية هي من البيئة وليست من الدين، هذه المشكلات تطول كل المناطق، وتنال أغلب فئات المجتمع وللأسف، أولى تلك المشكلات، الإعجاب المفرط بالآخر، وازدراء الذات، وعدم إدراك حقيقة القوة التي نملكها، والاعتقاد بأن الآخرين يمتلكون كل شيء، ونحن لا نملك شيئاً، مشكلة في الوعي والإعلام - في نظري - يستطيع القيام بدور كبير في معالجتها.
المشكلة الثانية: هي النظرة الشكّية التي تصبغ رؤيتنا بعضنا لبعض، إذا صدرت من أحدنا كلمة أو مقال، تجاوز البعض حدود تفسيره، وحمَّلوه أكثر مما يحتمل.
لا بد أن نتجاوز هذه الظنون، ونركز جهودنا وطاقاتنا؛ للوصول إلى الأهداف المشتركة التي تجمعنا، عوضاً عن تشتيت الجهود وإساءة الظن ببعضنا.
المشكلة الثالثة: هي الفضول في الاهتمام بما يصدر عن الآخرين، وما يقومون به، والغفلة عما يجب على المرء فعله؛ ولذلك يشتت المرء طاقاته في متابعة ما يقوم به الآخرون، بدلاً من القيام بدوره في المجتمع.
خلاصة القول في هذا الجانب، أننا نتفق جميعاً على أهمية إدراك مصادر قوتنا، وتنميتها وهي كثيرة - ولله الحمد - والتعاون في الوصول إلى أهدافنا المشتركة، لا مجال للانفراد في الرؤية، كلنا يحتاج إلى الآخر، الإعلامي يحتاج العالِم، والعالِم يحتاج الإعلامي، والأديب والسياسي وهكذا.
يجب إدراك أن التكامل ليس قصوراً، والعمل المشترك البناء، هو الذي يوصل إلى الأهداف، ويحقق المصلحة المشتركة، بما يخدم الدين والوطن تقع على كل منَّا مسؤولية القيام بدوره كما يجب؛ لخدمة هذا الوطن الذي يجمعنا جميعاً وعزته ورفعته، عزة ورفعة لنا جميعاً.
أكرر شكري لكم جميعاً، وسعادتي لوجودي بينكم الليلة، وكلي أمل بأن أسمع أفكاركم وأطروحاتكم، التي تخدم مصلحة الدين والوطن، وتحقق لنا الأهداف المشتركة التي نسعى جميعاً إلى تحقيقها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved