يقول الطغرائي في لامية العجم:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل |
الناس مختلفون، فمنهم أهل الفأل الطيب، ومنهم المتشائمون. لقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الفأل وكان يُعجبهُ، ونهى عن التطير والتشاؤم، وكان هدي صحابته كهديه عليه الصلاة والسلام.إن المتفائل هو الإنسانُ الذي يعيش الحياة بمعناها الحقيقي، وأمّا المتشائم فهو الإنسان الميت؛ لأن روحه ميتة قد قتلها الوهم والنظرة السوداء للحياة، وإنه يعاني من مرض نفسي خطير.وأذكر على عجالة بعض المواقف لأهل التشاؤم وبعض المواقف لأهل الفأل الحسن.رجلٌ متشائمٌ، لم يعرف الفأل أبداً، دائماً يتطير ببعض الحوادث، رأى امرأة عجوزاً تشتكي ألماً في رأسها فقال لها هذه بدايات الورم الخبيث، فأصابها الوهم وتعكرت حياتها وصدقت ما قاله ذلك المتشائم، ولما علم بحالها أحد أقاربها من الحكماء ذهب إليها وبشرها بالخير وذهب بها إلى مستشفى قريب وطلب من الطبيب معاينتها، وبالفعل أجرى لها الفحوصات اللازمة، وظهرت النتائج مطمئنة للغاية، وأثبتت الأشعة سلامتها من جميع الأمراض، وأخبر الطبيب أن ما أصابها مجرد إرهاق فقط!.لو قدر الله أن هذه المرأة بعد إيهام ذلك المتشائم لها تُركت، ولم يقدر الله احتواء ذلك الرجل الحكيم لها لهلكت من الأوهام واجتمعت عليها العلل.ورجل آخر علم أن عديل رجل قد توفاه الله، وقابله بعد عدة أيام ورآه في حفل زفاف ورآه متجملاً فقال له: متجمل ومتزين يا رجل والدور عليك مات عديلك وستموت بعد كم يوم، فتضايق الرجل من هذا المتشائم ولو كان ضعيف الإيمان بالقضاء والقدر لدب الهمّ في نفسه وأصابه الحزن.دخل زائر على مريض في المستشفى، ولما رأى الزائر المريض بدت من محياه ابتسامة طيبة، وألقى عليه التحية والسلام بأسلوب يشرح الصدر قال الزائر للمريض ما شاء الله تبارك الله الحمدلله أنت بخير وعافية، وستشفى بإذن الله، وأخذ يوصيه بقراءة بعض الآيات القرآنية والدعاء والتضرع إلى الله، فكان لهذا الأسلوب الأثر العظيم على نفسية المريض، وجاءه الأمل بالشفاء فتحسنت حالته الصحية. إن هؤلاء المتشائمين لا يكتفون بنظرتهم السوداء للحياة، وإنما ينقلونها لغيرهم من الناس ليعيشوا مثلهم.ودخل رجل آخر على مريض فرأى المريض وجهاً عبوساً، وسمع منه بعض العبارات، وربما أن هذا الزائر قال للمريض إن المرض الذي تعاني منه كان والدي يعاني منه وعاش بعد هذا المرض عشرة أيام فقط ثم مات.. (لا حول ولا قوة إلا بالله).. فنجد أن هذا المريض يتحطم من داخله ويصاب بالإحباط وتتردى صحته بسبب ما قاله ذلك الزائر.لا يأس مع الأمل.. ولا أمل مع اليأس.. يعيش الإنسان صراعاً ويعاني آلاماً يتحكم فيها اليأس والأمل.. الأمل حقيقة كما أن اليأس حقيقة.. المؤمن هو المتفائل، أما ضعيف الإيمان فهو المتشائم.لا بد للإنسان أن يعيش مع الأمل، لكنه ليس بالضرورة أن يعيش مع اليأس، إنَّ الفأل الحسن يرتبط مع الأمل ارتباط الروح بالجسد، وكذلك يكون ارتباط التشاؤم باليأس. ربما أن بعض الناس لا يحب الأمل ولا يجعل له في حياته مكاناً ولو للحظة من لحظات حياته الممتلئة باليأس والقنوط والتشاؤم.. وهذه العينة من الناس هم الأشقياء في دنيا السعادة وهم المرضى في دنيا الأصحاء. ويوجد من الناس من لا يعرف اليأس لهم طريقاً ولا يهتدي لهم سبيلاً فهم الذين يعيشون الأمل في أشد الظروف وأحلك المواقف.إن المجتمع يكثر به المشجعون للتفوق والطموح، الذين يشدون من أزر الشباب، ويكون لتشجيعهم أثر في تفوق الشباب وعلو مكانتهم ووصولهم المراتب المرموقة في المجتمع، وفي المقابل يوجد في المجتمع من المثبطين الذين يحطمون طموح الشباب وذلك ببث التشاؤم وقتل الهمم العالية، وإن الواجب على المربين والمفكرين أن يبثوا روح الحماس والطموح وأن يحاربوا المتشائمين وألا يدعوا لهم الفرصة في تحطيم الشباب. لقد حارب الإسلام اليأس والقنوط والتشاؤم ونهى عنه.. قال تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}آية 87 سورة يوسف.
|