Friday 30th September,200512055العددالجمعة 26 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "أفاق اسلامية"

الشيخ الشريم في خطبة له:الشيخ الشريم في خطبة له:
الإمامة العظمى واجبة .. والبيعة لولي الأمر والسمع والطاعة له منهج أهل السنة والجماعة

* إعداد - محمد بن إبراهيم السبر*:
الإمامة والبيعة وحق الراعي من المسائل العقدية والمهمة في الدين الإسلامي لكونها تتعلق بمصلحة الاجتماع وتحقيق الأمن وحفظ الضروريات الخمس التي جاء الدين بحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، بيد أن بعض الفئام هضمت هذه المسألة حقها، وقللت من شأنها فما هو منهج الإسلام في التعامل مع هذه المسألة المهمة، وما الموقف الصحيح منها؟!
الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب الحرم المكي الشريف يبين في خطبة له حول الإمامة العظمى في الإسلام أهميتها ووجوب السمع والطاعة والبيعة لولاة الأمر ومنهج أهل السنة في التعامل مع الولاة حيث بيّن فضيلته.
الضرورات الخمس
في البداية قال فضيلته: إن الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الضرورات الخمس، فالشريعة الإسلامية الغراء هي الشريعة الخاتمة التي أكمل الله بها الدين وأتمّ بها النعمة، وجعلها صالحة للخلافة في الأرض في كل زمان ومكان، لا تبلى نصوصها، ولا تهتز قواعدها، ولأجل ذا صارت هي الأس في حفظ الضرورات الخمس في الحياة البشرية، وهي الدين والنفس والعِرض والعقل والمال، فهي شريعة جُلىّ تسعى لتحصيل المصالح وجلبها لتلك الضرورات، كما أنها في الوقت نفسه تقوم بالدفع قبل الرفع لأي مفسدة تخل بضرورة من الضرورات، بَلْهَ الضرورات الخمس برمتها، ولما كانت أمور الناس ومصالحهم تدور رحاها حول تلك الضرورات الخمس وتحصيل مصالحها ودرء مفاسدها وحراسة ذلك وسياسته كان لزاماً أن يكون للمجتمع المسلم رأس يجتمعون عليه، ويضعون كفوفهم على كفه ليقيم الحق فيهم ويزهق الباطل ويسوسهم على ملة الإسلام يجتمعون بالبيعة الشرعية على إمامته وولايته أمرهم، وهذا ما يسمى في الشريعة بالإمامة العظمى التي أجمع العلماء قاطبة على أنها واجبة خلافاً لبعض الخوارج والمعتزلة.
مقاصد تنصيب الإمام
وعن مقاصد تنصيب الإمام أوضح الشيخ الشريم أن المصلحة في تنصيب الإمام ظاهرة جلية لا تحتاج إلى كبير تأمل وبحث لأنه لا يمكن أن يستقيم أمر الناس ويصلح حالهم ويحفظ الخير لهم ويدرأ الشر عنهم إلا بها، بل إنها مطلب شرعي ديني قبل أن تكون مطلباً سياسياً دنيوياً لأن قيامها وقيام الطاعة لها من طاعة الله ورسوله لقوله- صلى الله عليه وسلم-: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني وإنما الامام جنة يقاتل من ورائه، ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجراً وان قال بغيره فإن عليه منه) رواه مسلم. إن لم يكن مثل هذا الأمر - عباد الله - فليس للناس إلا الفوضى وغلبة الأهواء وتقاذف الفتن من كل جانب والتعدي على الدين والأنفس والعقول والأعراض والأموال.
وقال فضيلته ولذا فإن الأمم مع تعاقب الأزمان لا تدع واقعها سبهللاً دونما سلطان يرأسها فلقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كل ما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وإنه سيكون خلفاء فيكثرون) قالوا فما تأمرنا؟ قال: (فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم الذي جعله الله عز وجل لهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم) أخرجاه في الصحيحين. وبيّن فضيلته أنه من هنا تتضح حاجة الناس إلى سلطان يسوسهم بشرع الله ومنهاجه حماية لهم من الفتن والأهواء أن تعتريهم، ولقد صدق الإمام أحمد بن حنبل حين قال: (الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس).
منهج الوسطية
وأشار فضيلته إلى ما أكرم الله أمة الإسلام من بين سائر الأمم بأن جعلها وسطا بينهم عدلاً خياراً، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(143)}سورة البقرة. وقال: إن من وسطية هذه الأمة وعدلها نظرتها للإمامة والولاية حيث تراها عهداً واجباً بين السلطان وعموم المسلمين، وهذا العهد يقتضي السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ما لم يكن في معصية أو منكر، وإلا فلا، لتكون الأمة وسطاً بين بعض أهل الجاهلية الذين يظنون أن مخالفة السلطان وعدم الانقياد له فضيلة ورفعة، وأن السمع والطاعة والانقياد دون وذلة ومهانة ونقص في الرجولة والعلم والكرامة وبين بعض أهل الكتاب الذين يغالون في السمع والطاعة حتى في معصية الله سبحانه كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}(31)سورة التوبة. (فقلت أنا لسنا نعبدهم فقال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه فقلت بلى قال فتلك هي عبادتهم) رواه أحمد والترمذي.
منهج أهل السنة والجماعة في الإمامة العظمى
وبيّن فضيلته أن المنهج الصحيح هو المنهج الوسط في الإمامة والولاية، خلافاً لمن ذهب إلى تكفير الأئمة والخروج عليهم وعدم السمع والطاعة بالمعروف لهم وخلافاً لمن يرى المغالاة فيهم، ويجعلهم معصومين من الخطأ والنقيصة، مبيناً فضيلته أن الحق كل الحق والعدل كل العدل ما كان عليه أئمة الهدى والدين من السلف الصالح والتابعين الذين قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. ديدنهم في ذلك سنة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في السمع والطاعة والألفة والاجتماع، لا في المعصية والعناد والفرقة والابتداع، لعلمهم الجازم بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- بيّن أن من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية، كما في الصحيحين وغيرهما.
عناية السلف بذلك
وأشار الشيخ الشريم إلى أنه من هذا المنطلق عُني السلف الصالح بمسألة الإمامة وجعلوها من جملة أبواب الاعتقاد وأصول الدين وأكثروا الحديث عنها وفصلوا فيها القول، وما ذاك إلا لعظم شأنها وخطورة سوء الفهم تجاهها، وأن مبدأ التعامل معها مبني على العلم والأثر لا على العاطفة والنظر لما يترتب على ذلك من مراعاة المصالح والمفاسد العامة الطاغية على المفاسد والمصالح الخاصة، ولهذا بيّن أهل العلم حاجة الأمة إلى السلطان ووجوب بيعته البيعة الشرعية، كما بيّنوا وجوب السمع والطاعة في غير معصية الله عملاً بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حرمة الخروج على السلطان
وشدد الشيخ الشريم على حرمة الخروج على السلطان أو ملاقاته بالسيف، وأنه يجب على الرعية محضُ النصح له، لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: ألا تعبدوا إلا الله، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاّه الله أمركم) رواه أحمد. ولم يكتف أئمة العلم والهدى بمطلق النصح لولي الأمر، بل قيّدوا ذلك في السّر دون العلانية، درءاً للفتنة وخروجا من التشهير والتعيير، لما رواه ابن أبي عاصم في كتاب السُّنة، مرفوعاً إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يُبْده علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه له). وما جاء في الصحيحين في الذين قالوا لأسامة- رضي الله عنه-: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: قد كلمته ما دون أن أفتح باباً أكون أول من أفتحه، وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميراً على رجلين: أنت خير.. الحديث، وقد نقل الحافظ ابن حجر- رحمه الله- كلاماً عن معنى هذا الحديث: (وهو أن قصد أسامة- رضي الله عنه- بقوله: (قد كلمته سراً دون أن أفتح باباً)، أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة، ثم عرَّفهم أنه لا يُداهن أحدا، ولو كان أميراً، بل ينصح له في السر جهده) انتهى كلامه- رحمه الله-، وقد نقل ابن عبدالبر عن أيوب ابن القرية قال: (أحق الناس بالإجلال ثلاثة: العلماء والإخوان والسلطان، فمن استخف بالعلماء أفسد مروءته، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد).
حق الرعية
وعن حق الرعية قال الشريم: إن البيعة الشرعية فيها حقان: أحدهما حق للإمام كما ذكرناه آنفاً، وأما الآخر فهو حق للرعية بإقامة شرع الله فيهم ونشر الحق والعدل بينهم، والسعي في مصالحهم العامة والخاصة وتدوين الدواوين ومراعاة المصالح المرسلة التي تعتري الناس بين الحين والآخر ومنع الظلم والبغي والفساد، وما يسبب الفرقة بين المسلمين، وأكد فضيلته أن حاصل الأمر عباد الله أن استقامة الناس واستقرار المجتمع وحفظ الضرورات لا يكون إلا بطاعة الله وطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وأولي الأمر منا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59)، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وغيره: (ان أولي الأمر هم أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيها أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام، فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس).
الدعاء لولي الأمر
وبيّن الشيخ الشريم أن ثمة حقاً يجب على الرعية تجاه سلطانهم وولي أمرهم المبايع بالبيعة الشرعية متمثلاً ذلكم الحق في محض الدعاء له بالتوفيق والسداد والصلاح للمسلمين لأن في صلاحه صلاحاً للإسلام والمسلمين، وإنه ليخطىء من ظن ان الدعاء للسلطان مجرد تزلف ومذق يشين بصاحبه، كلا بل هو ديانة واعتقاد بأهمية ذلكم وأثره في صلاح المسلمين. وقد أشار جملة من أئمة الدين إلى هذه المسألة من باب الديانة وتصحيح الفهم تجاه هذه المسألة، فقد ذكر الطحاوي- رحمه الله- في متن الاعتقاد عن الأئمة والولاة قوله: (وندعو لهم بالصلاح والمعافاة)، وقد أخرج الخلاّل في كتاب السنة بسند صحيح عن الفُضَيل بن عياض أنه قال: (وددت أن الله عز وجل زاد في عمر هارون الرشيد)، وقد وجه الإمام أحمد مقولة الفُضيل هنا بأنها لما يُخاف من الشر الذي يكون بوفاة الإمام، فإذا ما جاء إمام آخر هدَأ الأمر وسَكَن، وقد تحدث الامام أحمد- رحمه الله- عن الخليفة المتوكل قائلاً: (إني لأدعو الله له بالصلاح والعافية) وقال: (لئن حدث به حدث لتنتظرن ما يحل بالإسلام)، وقد دعا شيخ الاسلام ابن تيمية- رحمه الله- لسلطان زمانه بالتأييد والتسديد والزيادة في العلم، وكلام أهل العلم في هذا الباب متواطىء على القول باستحباب الدعاء لولاة الأمور بالتوفيق والصلاح والمعافاة دون مجازفة، ومن أشهر من قال بذلك الطحاوي والفضيل وأحمد البيهقي والبربهاري وابن قدامة والنووي وابن تيمية والحافظ العراقي والحافظ ابن حجر، وخلق كثير من العلماء وأئمة الدين.
تأكيد وتصحيح
وبيّن فضيلته أن ذكر ذلك ما هو إلا تأكيد لموقف أئمة الدين من أهل السنة والجماعة تجاه هذه المسألة، كما أنه تصحيح لبعض المفاهيم المشوشة في هذا الجانب من باب الديانة والالتزام بالحق ليس إلا، لاسيما في هذا الزمن الذي غاب فيه الوعي الديني فيما يخص حقوق الراعي والرعية، والذي قل فيه الألفة والتناصر.

*إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved