Saturday 24th September,200512049العددالسبت 20 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

السبت 15 شعبان 1392هـ الموافق 23 سبتمبر 1972م السنة التاسعة- العدد (412)السبت 15 شعبان 1392هـ الموافق 23 سبتمبر 1972م السنة التاسعة- العدد (412)
الملك عبدالعزيز

عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رجل من أعظم الرجال في التاريخ الحديث، وعظمة الرجال تقاس بما يقومون به من أعمال عظام جسام تخلدهم مع الخالدين وتدخلهم التاريخ من الأبواب الكبيرة والواسعة، وعظمة عبدالعزيز تتجلى في أعماله العظيمة التي تقصر دونها همم الرجال وينقطع دونها طموح الطامحين، فعبد العزيز بنى دولة وأوجد كيانا وخلق مجتمعاً بل وأعظم من ذلك أنه وحد شعبا فرقته الحزازات وباعدت بينه عنجهيات الجهل والثأر والدماء.
وعبدالعزيز يوم انطلق انطلاقته المباركة من شواطئ الخليج في قلب الصحراء العربية لم يكن يشعر أنه يطلب أمرا مستحيلا أو يتعذر الحصول عليه، بل كان واثقا من نفسه ومن نجاحه؛ لأن لديه من الايمان والعزم والتصميم وقوة الإراداة ما يضمن له تحقيق كل تلك الآمال العريضة التي كان مجرد التفكير بها ضربا من الجنون والخيال.
وأنا لن أكتب سيرة عبدالعزيز فسيرته وأخبار معاركه وبطولاته يعرفها الصغير فضلا عن الكبير، وما أريد أن أكتبه عن عبدالعزيز هو مجرد استعراض سريع لشخصيته العظيمة. وقد يغنيني في التدليل على ذلك الخبر اليسير عن ذكر حادثة شهيرة أو معركة خطيرة، فكما قلته أنا لا أريد سرد سيرة ولكن أريد استعراض شخصية.
وعبدالعزيز رجل غدا ملء سمع وبصر العالم، ولايزال إلى اليوم حديث الأندية الدبلوماسية الدولية، ولا يزال أيضا ماثلا أمام أعين وقلوب كافة أبناء الوطن العربي عامة وأبناء هذه البلاد التي بنى من أشلاء عنجهياتها دولة عظيمة يسودها الأمن ويحكمها النظام القائم على أسس العدالة والإنصاف، وسيظل عبدالعزيز كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وسيظل تاريخه يحكي لنا عظمة الأمم عندما تقترن بعظمة الرجال، فعظمة عبدالعزيز بنت هذه البلاد وأكسبتها صبغة السيادة الدولية في برها وبحرها وسماها وفي آرائها السياسية وفي تحركاتها العسكرية لحماية أمنها وصيانة حدودها وفي التدليل الواضح في ممارسة حقها المشروع كدولة ذات سيادة وكعضو عامل في كافة الهيئات السياسية الدولية.
لم يكن عبدالعزيز سوى عبقري فذ من ذلك النوع من العباقرة العظام الذين تجود بهم الصحراء على مدار أجيال وقرون فالصحراء ذات الجدب تجود بالرجال وعبدالعزيز آل سعود هو ابن الصحراء بكل مظاهرها وعاداتها، طبقت حياته على هذا النمط العجيب الجامع لخلال كثيرة أميزها وأظهرها: الشجاعة واتقاد الذهن والكرم وهذه صفات عامة في البدوي ابن الصحراء وتتفاوت من شخص لآخر إلا أنها في شخص عبدالعزيز قد بلغت مداها وأبعد ما تكون عنفوانا وقوة.
وعلى ضوء هذه الصفات الثلاث المطبوع عليها البدوي في صحراء العرب عاماً والمفطور عليها عبدالعزيز آل سعود خاصة، سنحاول أن ندرس شخصيته العظيمة ومدى تأثير هذه العوامل الصفاتية على مواقفه الخارجية وتحركاته الداخلية انطلاقا من نقطة الصفر حتى ذروة النهاية.
أما الشجاعة فكانت صفة اتصف بها أبناء البيت السعودي وهو بيت عريق في كرمه وشرفه ورئاسته فلا عجب أن يكون عريقا في شجاعته فهو كان ولايزال ملاذا وحصنا منيعا، فكلما ناءت الأحداث بكلكها وتمطى الدهر بصلبه على هذه الأرض ذات الصحراء المبثوثة تتخلها أودية سحيقة وشعف من الجبال عالية، كلما حدث ذلك هب أبناء هذا البيت ورجاله لرفع الظلم واقامة العدل وصد المعتدي مع كثرة خصومهم من أعداء في الخارج مستعمرين وأذناب في الداخل مأجورين، فكلما كبا كبوة يتجاذبها الزمان طولا وقصرا هب ماجد من ذلك البيت لرفعه من كبوته وهو اذا كبا كبت معه هذه الأرض من الصحراء من الأرض لأنها تتعرض للغزو الخارجي وحملات المعتدين المتوالية.
وبما أن الامر كذلك فلا غرو ولا غرابة في أن يأتي عبدالعزيز آل سعود على هذا النمط والطراز من شجاعة فاقت كل شجاعة ومن إقدام تعدى كل إقدام، ولم يكن عبدالعزيز في ذلك متجبرا ولا متهورا ولا متكبرا ولا مستعليا فالأعراب الضاربة في فلاة الجزيرة ترفض كل مظاهر التجبر والتهور والتكبر والاستعلاء يصدق فيهم قول أخيهم:-


وكنا إذا الجبار صعر خذه
أقمنا له من خده ما تصعرا

أو قول بشار وهو أعجمي بأخلاق أسلافهم:-
كان شجاعا في معاركه وحروبه وشجاعا في أقواله وآرائه ومن هنا دانت له جزيرة العرب واستكانت وهي معقل فتن لا تستكين كما أنها أرض ثارات وغارات، إلا اذا كانت تحترم الشجاعة وتقدس الإقدام ذلك أنه عرف من أعرافها تحترم الشجاع وتخشاه وتقر له بالولاء وتنقاد له طائعة مختارة وتفتخر به وتعتز، وتلك هي أخلاق الصحراء وهي أخلاق الفطرة لم تلونها الحضارة بألوان التملق والرياء.


اذا الملك الجبار صعر خده
مشينا إليه بالسيوف نعاتبه

لذلك لم تكن شجاعة عبدالعزيز على هذا النمط المكروه الممقوت. كان شجاعا لا خلاف في ذلك ولا جدال، لكنها شجاعة فيها روية وفيها حلم ورحمة فالقوة الطائشة والجبروت ليستا من الشجاعة في شيء.
وبعد هذا نسأل ما هو الأثر الذي طبعت به شخصيته العظيمة وما مدى تأثيرها على الآخرين؟
في شخصيته -رحمه الله- فقد كان الأثر واضحا متمثلا في التواضع والرحمة والشفقة وحب الخير للآخرين ومن ذلك أيضا أنه لا يتعقب فارا ولا يطلب مدبرا ولا يلاحق منهزما من أرض المعركة، ولقد حدثني شيخ مسن ممن أدرك عبدالعزيز وعاصره بأنه في إحدى معاركه مع بعض الثوار والذين في قلوبهم مرض قال لرفاقه وقد حل الظلام لا تسدوا عليهم الطرق واتركوا لهم سبل الهرب، وهكذا كان.
هذه حالة مع فئة رفعت راية العصيان والتمرد محاولة تقويض جهود سنين طوال وكفاح امتزج فيه العرق بالدم.
لم يكن هدف عبدالعزيز القتل ولا السلب ولا الدمار بل كان هدفه جمع شتات هذه القبائل المتنافرة المتناحرة وهذه البلدان المتفرقة المتشتتة.
وشجاعته أيضا تركت أثرا بالغا في أعوانه وجنوده ومواطنين فمنه وعنه تعلموا التضحية والفداء، وهذا الأثر تعدى النطاق المحلي ليسيطر على كل اجتماع أو لقاء يكون عبدالعزيز طرفا فيه.
ويأتي بعد شجاعته ذكاؤه وبعد نظره واتقاد ذهنه وسلامة رأيه وتحسبه للأمور وترقبه للأحداث.
والعربي في هذه الصحراء مفطور على الذكاء وسرعة البداهة لذلك كثر فيهم القفاة، متتبعو الأثر، وهذا عمل يعتمد على الذكاء واتقاد الذهن، إذ ليس له قواعد تدرس، كما اشتهروا بالفراسة والحكم على الرجل من ملامح وجهه ونسبته إلى قبيلته أو بلده، وكل هذه أشياء تدل على مدى ذلك الدفق العظيم من الذكاء المفطور عليه أبناء هذه الصحراء، والحديث عن ذكاء البدو في صحراء العرب وشيطنتهم وحيلهم يطول، وكل ما نريد أن نقوله هو ان عبدالعزيز ابن هذه الصحراء وسم بما وسم به أهلها من ذكاء وطبع بما طبعوا به من ذلك، إلا أنه كان أبين وأميز وأظهر في عبدالعزيز دون سواه ذلك أنه بالإضافة إلى كونه مفطوراً على ما فطر عليه أبناء قومه، بالإضافة إلى ذلك كان عبقريا معدا لأمور جسام عظام، فلا غرو أن يتميز دون سواه وأن تكون أخلاقه قوية فيه أظهر وأوضح، مضافة إليها ملكات كثيرة يختص بها العباقرة دون سواهم، ويتميز بها المصلحون والعظماء دون غيرهم من دهماء الناس وعامتهم.
ذكاؤه يتجلى في خططه العسكرية وتحركاته الحربية وتوقيته لذلك الأوقات المناسبة ويتجلى أيضا في إصلاحاته الداخلية وأخذه بالنظم والأساليب الحضارية كما يتجلى أيضا على الصعيد الدولي في آرائه السياسية وحنكته وحصافته التي تدل على بعد نظره وسلامة تفكيره.
وتأتي بعد ذلك صفة الكرم التي طبعت عليها شخصيته العظيمة والكرم خلق متأصل في عرب الجزيرة منذ أقدم عهودهم فهو خلة محمودة لديهم حتى صارت خلقا من أخلاقهم فهذا قيس بن عاصم المنقري يخاطب زوجته ويقول:


إذا ما وضعت الزاد فالتمسي له
أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا طارق أوضيف ليل فإنني
أخاف ملامات الأحاديث من بعدي

فهم لا يقرون بعروبة اللئيم وينفونه عنهم ويغمرون نسبه ولم تزل هذه الخلة النبيلة فيهم حتى عصرنا هذا.
ولقد طبع عبدالعزيز بما طبع به قومه من أخلاق الكرم والإيثار والنبل فهو من بيت كريم نبيل، والخلق السائد في أمة ما يكون أوضح ما يكون في مشاهيرها ونوابغها، حيث يكتسب عوامل جديدة تجعله يكون بينا ظاهرا، لهذا كان الكرم ميزة بينة واضحة امتاز بها عبدالعزيز آل سعود.
لقد كان كريما شهما يعادل كرمه شجاعته التي هي حتما مضرب المثل فلا عجب أن يكون كرمه كذلك.
وروح الكرم الإيثار، وكان عبدالعزيز يؤثر على نفسه غيره. ولقد قاسي آلام الكفاح يوم كانت تتقاذفه مجاهل الصحراء ويوم كان يقود جيوشه يصل نهاره بليله وليله بنهاره، ويوم كان يهاجم معاقل التفكك والانقسام ويوم كان يواجه ثورات الثائرين وخيانات الخائنين كل ذلك علمه معنى الإيثار وكرس ذلك في نفسه حتى فارق هذه الدنيا وهو على ما فطر عليه من كرم ونبل.
لقد كانت هذه الخلال السابقة: الشجاعة واتقاد الذهن والكرم من أهم معالم شخصيته، ولا يستطيع أي دارس سبر أغوار هذه الشخصية دون أن يستحضر تلك الصفات، ذلك أنها هي المعالم الواضحة التي تجسد لنا البطل والمحرر والموحد.
وكما قلت في صدر هذا الموضوع إنني لا أريد أن أكتب سيرة أو قصة حياة عبدالعزيز، إنما أردت أن ألقي ضوءا ولو يسيرا على أهم جوانب شخصيته؛ فأنا لست أكتب تاريخا وإنما أكتب عبارات وجدانية تجسد كل معاني الاحترام والحب والولاء لذلك البطل العظيم الذي لم أعاصره ولم أره في حياتي ولكنه مع ذلك ملء عيني وسمعي. رحم الله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ فلقد كان بطل التحرير والتوحيد في بلاد العرب.
عبدالعزيز عبدالله الدغيثر

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved