عندما تلقي نظرة على عبدالله باخشوين يأسرك عمق الرجل.. تقرأ في كل لمحة من لمحاته سطور المعاناة.. والانصهار.. والتمزق.. وعندما يتحدث باخشوين تشعر أن كل لفظ له مدلوله ومعناه.. وقد تحدث إليّ عبدالله باخشوين بصوته الحقيقي.. ذلك الذي لا يكاد يسمع فعندما سألته: * عبدالله.. من أنت؟ -أجاب: سؤال تقريري.. يجابهني دائما.. (من أنا).. أحيانا يحل كاللعنة.. لينبثق من بعده الف سؤال.. من أنت.. لماذا.. ماذا تريد.. ماذا تتمنى.. كل هذا ينبثق عن هذه ال(من أنت) اللعينة.. وحتما لو كنت اعرف من أنا لوجدت اجابة تريحيني من أرق هذه الاسئلة الصلبة.. انني أرى وجهاً لا ملامح له.. كل ما نظرت إلى المرآة.. في داخلي يقوم كيان تهدم.. وكانت أسباب تهدمه التناقض الفاحش والغريب معاً مع العالم الخارجي.. ان داخلي يرفض ما في خارجي شكلا ومضمونا. * أنت لماذا تكتب؟ - في البداية كانت الكتابة اندلاقا ذاتيا محضا.. في طياته الحيرة والقلق.. الآن تكاد الكتابة أن تكون نتيجة لتفاعل مرير.. الكتابة هي السلب والايجاب في آن واحد.. رفض ووضوح للواقع الذي يرفض بشده تحقيق المنهج الايدولوجي.. والخطأ الذي يقع فيه جميع كتّاب القصة الشبان لدينا الانفعال الحاد الذي يزداد تغلغلا في نفوسنا حتى تكاد معظم التجارب القصصية أن تتحول الى مجرد انفعال عابر يترك اثرا ضعيفا في نفس قارئه ولكن سرعان ما يزول هذا الاثر.. لماذا أكتب..؟ من المخجل أن أجيب ب(لا أدري).. ومن المخجل أن أدعي أنني أكتب بوضوح تام.. انني أحاول التوفيق بين تناقض الداخل مع الخارج ومتى تحقق ذلك.. أستطيع أن أجيب على كل التساؤلات التي تدور في ذهني.. * أنت تكتب القصة.. والمسرحية.. والبحث أحيانا.. هل أفهم من هذا أنك ضد التخصص أم أنك تعيش مرحلة انتقالية تجريبية تفتقر إلى النضوج وان كانت تطمح له؟ - القصة والمسرحية.. لا أعتقد أن هناك تناقضا غريبا بين كاتب القصة وكاتب المسرحية.. متى توفرت التجربة الناجحة التي تحملها القصة أو يحملها البناء المسرحي.. انني لم أصل بعد الى النضج.. ولم أصل بعد إلى مرحلة التطلع إلى النضج.. * ما رأيك بعبد الله با خشوين.. وحمد القاضي.. وجار الله الحميد عندما يكتبون عن (المياه وشركة الكهرباء.. والحراج.. الخ..)؟ - باخشوين.. صحفي فاشل جدا.. القاضي.. صحفي رومانسي (أيضا).. الحميد.. ملامح نجيب محفوظ تبدو حتى في هذا.. * بعضهم لا يفهمك.. أنت أم هم وراء ذلك؟ - للأسف الشديد ان هذا الاتهام يوجه إلى جميع كتّاب القصة الشبان.. ولكن علينا أن نعرف قبل كل شيء من هو الذي (لا يفهم).. بمعنى أنه يجب أن ننظر إلى نسبة الوعي.. وهذا لا يعني أن كتّاب القصة أكثر وعياً من غيرهم.. ولكن.. وبامكانك أن تعتبر هذا دفاعا عن كتّاب القصة.. ان كثيرا من الادباء أيضا لا يفهمون ما نكتب.. وقد فوجئت بمحرر أدبي يدعي أنه يكتب القصة الحديثة أيضا.. فوجئت به يقول إنه لا يفهم ما نكتب بالرغم من انني كنت أعتقد أنه على درجة كبيرة من الوعي.. علينا أن نسأل هؤلاء الذين لا يفهموننا.. هل هم قراء متابعون للتيارات الحديثة في القصة.. ما هو الحديث في نظرهم.. ونحن لا ننفي أننا نساهم في عملية عدم الفهم هذه ليست جريا وراء (الالغاز) والغموض.. ولكن لأننا نرفض الادب الكلاسيكي حتى فيما نقرأ.. ولكن لا يكفي أن يقول القارىء أو الناقد أن هذا أدب غامض.. نحن لا نريد أن نصرف الناس عن قراءة ما نكتب.. لكننا نريد أن نعرف وجهات النظر الاخرى. * هذه (الكلمات) عندما تسمعها ماذا يتوارد في خاطرك؟ - (البحيرة): يتوارد في ذهني.. النهر.. والفيضان.. وطقوس الطفو.. أنا أكره البحيرات يا عزيزي.. - (مساء ماطر): يتوارد الى خاطري.. كركرات السحب.. والسياب.. أبدا ما أمطرت سماء الا وتجسدت صورة السياب في مخيلتي.. (خذيني أكن في دجاك الضياء.. صدى غنوة.. كركرات سحابة)... أنشودة المطر.. تتجسد.
|