عزيزي (أبوصلاح) الأربعاء جريدة الجزيرة وضعتني في اللهب لأحترق بغروري.. وجعلت مني مغروراً ليأكلني اللهب!! كنت أنت السعيد بما كتبت في صفحتك ليشقى داخلي بخوائه.. وكنت أنت الحربة التي طعنت ماء النهر الراكد.. وكنت أنت الليل الذي مات فيه النهار!! لست وحدك الغيور الذي سقط منه المجداف متعباً!! الباحثون عن الحقيقة يتساقطون كل يوم بالعشرات كتساقط الفراش على قنديل عتيق في حي متخلف!! يا صديق الحرف الذي به نحترق.. ومن أجله تغتال كل (الإرادات) الفاعلة.. كل الإرادات (الطامحة) إلى أدب يعانق الحياة.. والأحياء.. إلى أدب فيه رائحة الإنسان.. إنسان هذه الأرض..!! أدبنا يا عزيزي يعيش مأساة.. وصحافتنا تحتضن هذه المأساة!! سألني ناقد كبير في بلد عربي.. ألديكم أدب أصيل؟ لويت رقبتي متظاهراً بمراقبة خصام شخصين كانا بالقرب منا هرباً من الإجابة.. أعاد السؤال ثانية.. قلت له: انظر كيف يختصم الإخوان؟ كرر السؤال ثالثة فخبطت الطاولة التي بيننا.. وقلت له انظر حولك.. ألا يثيرك منظر أخوين يختصمان بالقرب منك؟؟ ثم ودعته بعد أن أجبت على سؤاله إجابة لا تفرحك.. ولا تغضبك!! لقد كان هربي واضحاً من الإجابة.. لكن الناقد كان عنيداً فأصر على السؤال إمعاناً في الإصرار على الإجابة. ماذا لدينا من أدب؟ * شو؟ أغلب شعرنا يفتقد روح المعاصرة.. والحداثة!! شعراؤنا بعيدون عن واقعهم.. ما زالوا يحاكون.. هم ما زالوا أسرى الماضي.. هم نتاج الكتب.. وليسوا إنتاج الواقع المعاش!! هم ما زالوا مشدودين بسلاسل حديدية إلى الخلف!! إذا ما حذفت أسماءهم فإنك لن تجد إلا شعراً يتناسب وعصور خلت!! أدوات شعرائنا مجلوبة من الماضي لأنهم ما زالوا يتعاملون مع الماضي بصورة حميمة، كأن حاضرهم الذي ينتصب كالعملاق بكل معطياته لا يستحق منهم أي عناية!! أنا بهذا الكلام أعني الشيوخ!! أما الشباب فقد فتحوا أعينهم على السراب.. ركضوا من ورائه.. وحين أجهدهم اللهاث انحرفوا يستعيرون من غيرهم. وهكذا أصبح عصرنا هذا يتيماً لا أصل له ولا نسب.. مجرد لقيط ألقوه أهله كماً مهملاً على قارعة الطريق!! * قصة؟ كتابها عموماً يجترون ما يقرءونه من خلال القصص العربية.. والمترجمة.. أعطني كاتب قصة انتزع من أعماق مجتمعنا وريفنا صورة فيها واقعية.. اذكر لي كاتب قصة عاش واقع ابن القرية وهو يحلم بالسنابل في الوقت الذي يمارس عملية (وأد) لجهله في المدرسة التي فتحت في قريته.. حتى أسماء أبطال قصصهم ضنوا بها فجاءت كالبضاعة المستوردة!! حين تقرأ قصة لأي كاتب لن تشم بين سطورها رائحة الشيح.. والخزام.. والهيل.. ولن نتذوق طعم الدبيازة.. والجريش.. والقرصان.. والبادية.. والمرقوق.. والمرسة.. والمغش!! رائحة القصة عندنا ليست من رائحة هذا التراب.. وشخوص القصة بعيدون كل البعد عن مجتمعنا.. هم أيضاً مستوردون كبضاعتنا!! نحن شعب استيراد.. حتى أدبنا نستورده!! مأساة بلا شك!! * الرواية؟ لا شيء * المسرحية لا شيء * الثقة؟ يقولون إن النقد الجيد يظهر بظهور الأدب الجيد.. فهل يوجد لدينا أدب جيد حتى يكون لنا نقد جيد؟ * الدراسات المختلفة أدب.. علم النفس.. اجتماع.. سير؟ دلني على شيء من هذا. * أدب المقالة؟ هذه العروس التي يخطب ودها كل الكتاب الكبار والناشئين.. لكأننا شعب مقالة فقط.. فهي أكثر الأشكال الأدبية حظوة لدى كتابنا.. ومع ذلك فهي مترددة ركيكة حيناً.. محجمة أحياناً.. ضائعة أحياناً أخرى!! نحن لدينا أدباء.. ولكن ليس لدينا أدب!! لدينا مثقفون.. ولكن ليست لدينا ثقافة!! أدباؤنا غرباء عن واقعنا.. عن نفسية إنساننا.. عن معطيات هذا الإنسان.. ومجتمع هذا الإنسان!! نحن لدينا أدباء يكتبون.. ولكن ليس لدينا أدب يقرأ!! نحن نكتب.. لكن ماذا نكتب؟ هل نكتب ما يجب أن يكتب.. أو ما يطلب منا أن نكتب؟ هذه هي المشكلة.. بل هذه هي المأساة!! لن يكون لنا أدب حتى نفرق بين ما يجب أن نكتبه.. وما يطلب منا أن نكتبه!! ناقد عربي ثانٍ طلب مني بإلحاح عندما كنت خارج المملكة أن أزوده بشيء من نتاجنا الأدبي ولسوء حظه أنني حتى الآن لم ألب طلبه رغم وعدي له!! ماذا أقدم له؟ أي نتاج يصلح أن يقدم لناقد كهذا له وزنه؟ أي نتاج لدينا يستحق أن يقرأه ناقد كهذا له ثقافته الطويلة العريضة في الأدب العربي عموماً والآداب الأجنبية.. ناقد له باعه الطويل في ساحة النقد المعاصر.. ناقد تلقى ثقافته من روافد زاخرة بالعطاء الإنساني الحي؟ خفت على سمعتنا الأدبية.. خشيت أن أسهم من حيث لا أشعر بتشويه هذه السمعة التي يجهلها هذا الناقد.. وأظنه ما زال في محطة الانتظار.. انتظار الوفاء لوعدي له.. ولا أشك في أنه سيظل ينتظر حتى ألقى أو يلقى ربه!! هذه السطور كتبتها بمرارة فهل تكفي.. هل تلقي بعض الأضواء على واقع الأدب عندنا؟ أرجو ذلك!!
|