بعنوان (نهاية العالم الآن) قدمت صحيفة هاندلسيلات الألمانية احد الأخبار في تغطيتها لكارثة كاترين التي ضربت ولايات خليج المكسيك الأمريكية، وبينت أن أمريكا عبارة عن نموذج ضخم لقلعة من الرمال المشيدة على شواطئ المحيط، لكن إمعان النظر بعمق لواقع الحال المتمثل في مركزية الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد في العالم يبرر عنونة الخبر في الصحيفة الألمانية. ففي احد السيناريوهات القديمة لنهاية العالم بسط احدهم الفكرة بما يلي: أن يحصل حريق في احد أزقة طوكيوالقديمة ذات الأزقة والممرات الطويلة الضيقة التي لا تسمح بعبور سيارات الإطفاء، فينتشر بسرعة دون القدرة على السيطرة عليه (كما يحصل حاليا في غابات البرتغال) مما ينجم عنه دمار مالي بأرقام خيالية، ولكون اليابان من اكبر الدول الدائنة في العالم، وبحسب حجم الخسائر، سيستدعي الأمر عندها من الحكومة اليابانية إلى تحويل أرصدتها الخارجية لإعادة إعمار العاصمة، مما سيؤدي إلى زلازل اقتصادية وارتفاع في مستويات الفقر في دول العالم الثالث وصولا إلى حالات الفوضى الجماهيرية على الصعيد العالمي. هذا السيناريو التحذيري، استقى فكرته من حقيقة ريادة الاقتصاد الياباني عالميا، لكن الكارثة التي حلت بأمريكا وتحويل الشرايين النفطية والمالية العالمية لتصب فيها، تعقد تشابها حقيقيا بين السيناريوالأول وبين أمريكا لا اليابان، وإذا تفاقمت هذه الكوارث في أمريكا لأقدر الله (حسب مخاوف العلماء) وفشلت الإدارة الأمريكية عن التعامل معها، ستحدث عين النتيجة التي قررها السيناريو لليابان. فقد ينخفض سعر صرف الدولار كثيرا عما هو عليه، مما سيزيد من حجم التضخم في أمريكا، لينعكس بالضرر على اقتصاديات العالم اجمع (كما شهدنا في العام 2004 بالنسبة للمجموعة الأوروبية وعملتها الموحدة)، مما سينجم عنه كوارث اقتصادية عالمية للدول التي ربطت صرف عملتها بالدولار الأمريكي، وكدست منه المليارات في سلة احتياطياتها من العملات الأجنبية، وعلى سبيل المثال، وبرغم تحذيرات محللين ماليين دوليين، ما تزال دولة كبرى مثل الصين تكدس من الدولارات ما يزيد على 80% من احتياطياتها من بالعملات الأجنبية، فهل تتخيل ما سيؤول إليه الحال لو تساوت قيمة الدولار النقدية مع قيمته الورقية المجردة! لقد تجاهلت الادراة الأمريكية تحذيرات العلماء من أخطار الإعصار، هذا التجاهل المترافق مع طبيعة الموقع الجغرافي لمدينة نيواورليانز، وهي من بين أكثر المناطق المصابة بالكارثة والتي تم التركيز الإعلامي عليها، (محاطة بنهر المسيسيبي وخليج المكسيك وتنخفض خمسة أقدام عن مستوى سطح البحر)، وأخطاء الادراة المتراكمة من عام 2001 والمتمثلة في رفض تقديم قرابة العشرة مليارات دولار لصيانة السدود الترابية المجاورة للمدينة، متبعة هذا الخطأ، بأخطاء أخرى مثل تحويل أموال مواجهة الكوارث وأعداد من جنود الحرس الوطني المقيمين في الولاية لصالح الحرب على العراق، جعلت من كاترين القشة التي قصمت ظهر الفيل الجمهوري. مدينة نيواورليانز المنكوبة يبلغ عدد سكانها1.4مليون نسمة بينهم67.3% من السود(942.200 نسمة) بينهم 7.12% من الفقراء(119.659نسمة) وهم الذين بقوا في المدينة بسبب عدم قدرتهم على النزوح عنها، فيما التقديرات الأولية لعدد الضحايا تقول بأنهم يقاربون العشرة آلاف فقط! وهذا تخمين متواضع بالمقارنة مع عدد الفقراء، والجثث المتعفنة والطافية فوق المياه في أرجاء المدينة. نيواورليانز هذه، هزتها انفجارات غامضة واندلعت فيها الحرائق أثناء سعي السلطات لوضع حد للفوضى وعمليات السلب والنهب وتدني جهود الإغاثة بعد الأيام الأولى للاعصار، وقد وقعت حالات انتحار بين صفوف الشرطة وجنود الإنقاذ وإطلاق نار من قبل المواطنين على القوات الحكومية!، بل ويتم أطلاق أيدي جنود عائدين من العراق، مدربين ومعتادين على القتل بحسب وصف حاكمة الولاية، لقتل أي شخص يقوم بالسلب حتى ولو كان يسرق ليأكل أو يشرب، هذه الأخلاقيات الاجتماعية الأمريكية، أضحت مجالا للتندر من قبل الناجين السريلانكيين من إعصار تسونامي! من المشاكل الأخرى التي أحدثها الإعصار، نجد نقص النفط نتيجة لشلل مصافي خليج المكسيك، ونقص البنزين، حيث تعرضت المنطقة إلى تسرب كميات كبيرة منه، واستغلال تجار النفط (من الإدارة الأمريكية وأصدقاء السيد بوش) لهذا الحادث في رفع سعر البنزين ثلاثة دولارات للجالون، ولتثار مسألة التحقيق في رفع أسعار النفط حتى من قبل الكارثة التي وقعت في 26-8-2005 بشهر! فيما المقدر من حاجة الولايات المتحدة من النفط خلال ثلاثين يوما يساوي 30 مليون برميل، ستستنفد من نفط الاحتياطي الأمريكي، ناهيك عن 60 مليون برميل من احتياطي نفط وكالة الطاقة الدولية، عدا احتياطيات أوروبا وكوريا الجنوبية، وفي حال أن بقى الأمر كما هو عليه ولم يتضاعف فستحدث هنالك مشاكل على الاقتصاد العالمي وستكون الدول النامية من أكثر المتضررين بحسب مسئولي وكالة الطاقة، ومورد القمح الأول في العالم بات يطلب 500 ألف وجبة غذائية من أوروبا! لا ادري إن كان هذا العدد اليومي للاحتياجات الأمريكية أم هو العدد الكلي! لكن إن حلت مشكلة جديدة في أمريكا خلال الأيام القلية القادمة فهل تقدر الوكالة والحكومة الأمريكية على تغذية احتياجات النفط! وهل ستقدر أوروبا (التي رفعت في ظل العولمة دعمها عن المزارعين) على تغذية جياع أوروبا قبل أمريكا!، وفي الطرف الآخر من الكوكب نجد أن اعاصيرا أخرى باتت تهدد بتكرار مشهد كاترين في الصين واليابان، فمن سيساعد الآخر حين تتفاقم الكوارث وتتقاسم الكوكب الصغير؟ وماذا عن اقتصاديات الدول النامية وجياعها التي يتهدد كيانها مع توالي الارتفاعات في أسعار الوقود، من لهم!.
*باحث أردني مستقل |