لقد أثار إعجابي واستحساني مجالس العقيلات المقامة ضمن فعاليات مهرجان بريدة 26 الترويحي المقام صيف هذا العام 1426هـ، ولقد أرجعتني صورة مجلس عقيلات إلى الوراء إلى الذكريات الجميلة التي عشتها في زمن الصبا. ومن أكثر ما شد انتباهي فن وترتيب المجلس التراثي حيث روعي الاختيار المناسب للديكور الذي يحكي صورة لطبق الأصل لما كان عليه رجال العقيلات والأجداد قديماً. وشد انتباهي أيضا طريقة بناء وإثبات بيت الشَّعر على بساط الأرض مراعين بذلك العوامل المناخية التي كانت تراعى قديما أثناء بناء بيت الشَّعر، كما لاحظت بناء حوض الموقد المسمى قديماً (الوجار) الذي يوقد النار فيه وقد وضع على جانبي النار دلال القهوة التي تمثل رمز الضيافة العربية الأصيلة. وشخص مثلي في السبعين من عمره لا شك أن يستهويه هذا الفن العريق الذي هو امتداد لتاريخ عاشه وعاش معه أهله وخلانه من ذكريات جميلة ومواقف لا تنسى. ولقد تشرفت بزيارة موقع المجلس بعد أن كرّمني معد ومشرف المجلس بالاستضافة. وقد لقيت منهم كرم الضيافة وأصالة الحفاوة، وكان لمشرف المجلس الأستاذ عبدالله الهبدان لمساته التراثية التي أضفت على المجلس مجد الماضي وعبق الحاضر، ويمتاز الهبدان بشهامته الفذة ودعابته السمحة وزميله الأستاذ محمد الغرابي مما كان لهما الأثر على زائري المجلس عشاق الماضي .. وبما أنّني شاركت مع أواخر رحلات العقيلات والذي كنت حينها أزاول مهنة (ملحاق) أي بمعنى معاون ومساعد لقيادة جيش الإبل التي تحمل البضائع، وكانوا قديماً لا يختارون لهذه المهنة إلاّ من توفرت فيه الشروط الكافية، كالشجاعة والشهامة والتحلِّي بالصبر ونضوج العقل وقبلها الرجولة ... وأثناء وجودي في مجلس العقيلات تطرقت إلى شيء من تاريخ ورحلات العقيلات وكيف كانوا يزاولون حياتهم اليومية في مكابدة مع الأسفار والتنقلاب وجلب للبضائع من مناطق بعيدة ... وبحكم خبرتي السابقة بعناية ورعي الإبل وإنتاج ألبانها فإنّ ما شاهدته هنا في خيمة العقيلات من وصف لأنواع الإبل والتغنِّي بأجودها وأكثرها لبناً، بظني أنّه يستدعي من المسؤولين إنشاء نادٍ أو مركز خاص للعناية بفصائل وأنواع الإبل والمحافظة عليها وتشجيع عشاقها، وما مواقع مزاين الإبل التي تقام بين الفترة والأخرى إلاّ دليل على تفاعل الناس مع تشجيع الإبل والاهتمام بها. ولقد سرّني كثيراً تفاعل وتواصل الجمهور إلى كل ما فيه صفة الكرم والشجاعة، حيث لاحظت أكثر تساؤلات الضيوف عن ماهية صفات رجال العقيلات، مما دل على الرغبة في تتبُّع الصفات العالية والتحلِّي بها وكانت كذلك هناك بعض التساؤلات من الحضور عن حياة العقيلات مما دل على الاهتمام بحياة الأجداد وتاريخهم المجيد، ولقد استمتعنا بما قدم لنا من قصائد ومشاركات رائعة من الحضور الذين ازدان بهم السمر، ولا أنسى هنا أن أثمِّن ما يقوم به أميرنا المحبوب أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر من تشجيع وإشراف مباشر لفعاليات المهرجان مما كان له أثر واضح على تنشيط السياحة الداخلية.
|