في مثل هذا اليوم من عام 1968 وأثناء عقد المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي في شيكاغو، قام عشرات آلاف من المحتجّين ضدّ حرب فيتنام بالاشتباك مع الشرطة في الشوارع بينما كان الحزب الديمقراطي يتمزّق لإعداد بيان بشأن حرب فيتنام. فما بين عشية وضحاها أصبح الإجماع الأمريكي على الحرب الباردة والذي هيمن على الفكر الأمريكي منذ أواخر الأربعينيات رماداً تذروه الرياح، ومنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدأت التوتّرات مع الاتحاد السوفيتي في التصاعد وأصبح الإجماع حول الحرب الباردة كمنهج للسياسة الخارجية مهيمناً على العقل الأمريكي. في قلب هذا الفكر، كانت الشيوعية هي العدو اللدود الذي يجب قتاله في كل مكان في العالم، فالانتفاضات في أيّ أمّة، وبشكل خاص في أفريقيا، أو آسيا، أو الشرق الأوسط، أو أمريكا اللاتينية، ينظر إليها من خلال عين الحرب الباردة على أنها مؤامرة شيوعية. في شيكاغو، في أغسطس من عام 1968 بدأ إجماع الحرب الباردة في التصدّع والانهيار، وداخل صفوف الحزب الديمقراطي الذي عقد مؤتمره القومي في شيكاغو من ذلك العام ظهرت المشاكل داخل وخارج المؤتمر. في الداخل اختلفت الوفود حول موقف الحزب من حرب فيتنام المستمرة. أراد الكثيرون إصدار بيان يطالب بالانسحاب من النزاع الدامي والمثير للإحباط، وقام الكثيرون بتأييد إيوجين مكارثي، المرشّح المناهض للحرب ولكن رأت الأغلبية أنّ أمريكا لا يجب أن تخسر المعركة ضدّ الشيوعية وأيدت نائب الرئيس هيوبرت همفري كمرشح للرئاسة. وعندما تصاعدت وتيرة الجدل اندلع القتال في جنبات المؤتمر بين الأعضاء وبعضهم البعض وبينهم وبين الصحفيين وانتصر مؤيدو همفري في النهاية ولكن خرج الحزب من المعركة مثخناً بالجراح.أما في الخارج في شوارع شيكاغو، فقد احتشد المحتجّون ضدّ الحرب في وسط المدينة، وأصروا على إجبار الديمقراطيين على ترشيح مكارثي، وردّ رئيس البلدية ريتشارد دالي بإطلاق العنان لقوّة شرطة شيكاغو، وقام الآلاف من أفراد الشرطة بضربهم بالهراوات وإطلاق الغاز المسيّل للدموع، وشاهد الملايين من الأمريكيين هذه المشاهد المروعة على الهواء مباشرة وبدأ المحتجّون في الهتاف: (العالم بأكمله يراقب، العالم بأكمله يراقب). ان العالم -والأمّة الأمريكية- يراقب ذلك طوال الليل، كانوا يشهدون تحطم إجماع حرب أمريكا الباردة الذي كان صلباً من قبل. فللمرة الأولى، يطالب الأمريكان بأنّ تنسحب بلدهم في معركة من معارك الحرب ضدّ الشيوعية، فبدلاً من تصوير فيتنام الشمالية على أنها دولة معتدية تنفذ أمر سادتها في الكرملين أصبحت أمّة محاصرة تكافح من أجل الاستقلال والحرّية ضدّ آلة الحرب الأمريكية الجبارة، كان هذا المؤتمر يمثل نقطة تحوّل هامة فلم تعد الحكومة لها سلطة غير محددة لانتهاج سياسات الحرب الباردة.
|