قال محدثي: عرض علي شخص ما أن آخذ محلاً من محلات البخور والعطور، وأتسبب من خلاله في طلب الرزق وتأمين لقمة العيش.. ونفع الناس والانتفاع منهم.. يقول: فقلت له: وهل يدرّ هذا المحل وما كان على شاكلته رزقاً وفيراً؟ هل دخله من الجودة بمكان يستحق بذل الجهد فيه والتفرغ له..؟ فأجاب صاحبه: نعم. المحل يدر ذهباً لمن لم يكن ناصحاً صدوقاً.. فإن كان كذلك فيجني من ورائه ما يبلغ به حد القناعة ليس إلا!. فقلت لهذا الذي يذكر لي هذه القصة: واعجبا! لماذا نتحاكم إلى ظواهر الأمور، ونذر بواطنها التي يمكن أن تدرك عند التأمل والنظر في أدلة الشرع، بل وفي الواقع والحال أحياناً، فالصدوق الناصح من التجار هو الذي يجني الذهب في الحقيقة.. وأما الكاذب المدلس المستغل لغيره فهو الذي يجني الخيبة والخسارة وإن رُؤي المال وفيراً في يده.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما). فالعبرة ليست بكثرة المال ووفرته وإنما ببركته وثمرته.. هذا في الدنيا.. وأما في الآخرة فالحساب شديد، والصادق ناج، والكاذب المدلس هاوٍ. ألا ننظر إلى الربا، والصدقة.. فالربا زيادة في المال في ظاهره، والصدقة نقص من المال.. ولكن حقيقتهما وباطنهما عكس ما نراه نحن، كما ذكر الله {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(276) سورة البقرة، فلتكن لدينا الفطنة التي نزن من خلالها الأمور بميزان أصيل، نراعي فيه العاقبة البعيدة، ولا نقتصر في نظرتنا إليه على ما تحت أقدامنا فقط. والله الموفق.
|