الحمد لله على كل حال، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، الحمد لله على قضائه وقدره الذي كتب الموت على جميع المخلوقات فقال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}وقال سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وفقد العلماء والزعماء المسلمين العالمين العاملين الناصحين فاجعة عظمى على الأمة ونقص على الجميع، وفقيدنا الكبير فهد بن عبدالعزيز رحمه الله الذي سعى لخدمة دينه ثم وطنه بإخلاص وتفانٍ طيلة حياته وفترات توليه مناصب عدة في الدولة منذ أن عين أول وزير للمعارف وقام بالتشمير عن ساعديه لبناء التعليم في المملكة ككل، وواجه صعوبات عدة كندرة المؤهلين وضعف الإمكانات ومعارضة وصدود الكثير عن التعليم، وعمل على التطوير السريع لهذه الوزارة من استدعاء المدرسين من الخارج إلى إرسال المدرسين لدول الخليج وبعض الدول المجاورة حتى وصلت الجامعات الآن إلى أربع عشرة جامعة، وعمل مع سابقيه من إخوانه الملوك رحمهم الله على بناء وتطوير الوزارات والإدارات للدولة إلى أن تسلم العمل في وزارة الداخلية فوطد الأمن وسعى على تعيين العسكر والمسئولين المخلصين من أبناء هذا الوطن، ثم معاضدته للملك خالد عندما اختاره ولياً للعهد وحرص على إكمال مسيرة البناء والاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية والعربية ودعمها في كل محفل إلى أن تولى زمام الحكم وتدرج في تحديث الإدارات والوزارات والسير بخطى الدولة والرقي بهذا الكيان في كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية. وما أصدر النظام الأساسي للحكم ونظام المناطق والمحافظات وإنشاء مجلس الشورى إلا ليدلل على اهتمامه وإيمانه الكامل بالتطوير وتحديث الأجهزة للدولة وحرصه على ما كان في زمن الدولة الإسلامية الأولى من تحقيق مبدأ التشاور ودراسة أمور الدولة ودراسة دقيقة شمولية من جميع النواحي. وأولى اهتمامه الشخصي بقضايا الأمة ونصرتها ودعم مجالسها المختلفة كمجلس التعاون الخليجي ودوله ورابطة العالم الإسلامي ودوله وجامعة الدول العربية ودولها والمنظمات والجمعيات، وحرص على توحيد الرأي للدول الإسلامية والعربية وإيجاد الموقف الواحد الشجاع، ومساعدة الدول الإسلامية والعربية مادياً ومعنوياً والوقوف معها بشجاعة وصرامة ونخوة وكرم فياض. وإن المنصف والمبصر بعين الحقيقة ليجد أن المملكة تتخذ أقوى الآراء وأصدق المواقف وتبذل الغالي والنفيس لما يخدم مصلحة الأمة العربية والإسلامية ولها الثقل والرأي السياسي الثابت والمتوازن على مر السنين منذ أن أسست على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى زماننا هذا لأن قادتنا ولله الحمد جعلوا القرآن دستوراً والإسلام شريعة ومنهج دولتهم وحياتهم ومعاملاتهم. وإن سعي المليك فهد رحمه الله لإنشاء كراسي عدة في عدد من الجامعات الغربية للتعريف باللغة العربية والدين الإسلامي والدعوة إليه وإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ودعمها مادياً ومعنوياً وإنشاء المراكز الإسلامية في الداخل والخارج والإشراف عليها وإرسال الأئمة والدعاة والخطباء والمدرسين والقضاة، وإن تسمية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد نفسه بهذا الاسم وأعماله الإسلامية الجليلة وما صار في الحرمين الشريفين من أكبر التوسيعات وأعظمها على مر العصور وإشرافه بنفسه عليها وخدمة الحجاج والمعتمرين وزوار الحرمين ليؤكد للجميع أنه الملك التاريخي والزعيم القائد المسلم الذي يحرص على مصالح بلاده وأمتيه الإسلامية والعربية بل ويتخطى ذلك بأن يقوم بالدعوة إلى الله عز وجل بإنشاء مراكز الدعوة في الداخل والخارج ويعكس الصورة الحقيقية للقائد الداعية لدينه وخدمة المصحف الشريف والإشراف على طباعته كأول وأفخم مجمع لطباعة المصحف وبترجمات لمعانيه بجميع لغات العالم والذي تجاوز المائتي مليون نسخة. وإن الجميع ليلاحظ تجاوزنا للتحديات والصعوبات بالنظرة الثاقبة والذكاء الخارق والإدراك الواسع لكيفية التعامل مع دول العالم الذي اكتسبت معه المملكة في عهده احترام وصداقة قادة وشعوب العالم بل إن الكثير لينظر للمملكة بالغبطة والإعجاب ويتساءل عن هذه النقلة الشاملة والخطى المتزنة دون المساس أو التهاون بأمور الدين وتطبيقه داخلاً وخارجاً تعاملاً وسلوكاً وقياماً بالواجب وأساسيات الحكم في الإسلام فأقاموا الشرع وطبقوه وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر عملاً بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وقاموا بحقوق الرعية والواجبات على الراعي. وإن المنصف ليجد أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي قائمة على القرآن والسنة دستوراً ومطبقة لشرع الله عملاً وحياةً وسلوكاً، والجميع يعي الفرق بين ما نعيشه وتعيشه الشعوب في دول الجوار القريب في إفريقيا وآسيا من فقر وأحزاب وضغوط وبدع وجهل وضياع للدين، وقد شاهد الجميع مراسم العزاء والتشييع والدفن لعظيم الأمة وفقيدها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حيث كان بيسر وسهولة وتواضع وعلى العقيدة الصحيحة وليتبين للعالم أننا أيها المسلمون عملنا واحد وإذا مات الشخص منا فالكفن واحد والقبر واحد مقاساً وقدراً ونوعاً لا فرق بين ملك وسلطان أو فقير إلا بالتقوى والعمل الصالح والصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو له - وإن شاء الله كلها تمت لفقيدنا الغالي. فكل أعماله في الداخل والخارج ودعوته للإسلام ومشاريعه في الحرمين الشريفين والتبرعات الخيرية وأعماله الجليلة والإنسانية للعالم ودعمه للعلماء والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأمره بالسنة وتطبيقه للشرع ونبذه للبدعة، وكل داعية يسير على الخطى والنهج الصحيح ومن يزور الحرمين، ومن يقرأ في المصحف الذي طبعه، ونهجه الذي انتهجه ورسمه لمن بعده، وأبنائه وإخوانه، إلا في ميزان حسناته بإذن الله. وكل أبناء الجزيرة وشعوب العالم الإسلامي أبناء للفقيد ويدعون له بالمغفرة والرحمة والرضوان. وإن ما شاهدناه أيام تقديم واجب العزاء وإتمام البيعة والتفاف الشعب مع القيادة والتواضع والبساطة التي سارت بها وسلاسة انتقال الملك وإعلانه والاجتماع، وما صرح به خادم الحرمين الشريفين المخلص لدينه ثم وطنه والشجاع الذي عرف بمواقفه الصلبة ونصرة الحق والتواضع الجم واحترامه العلماء وتقريبهم، الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- وما صرح سمو ولي عهده الأمين سلطان الخير والمحبة الأمير سلطان بن عبدالعزيز في كلمتيهما بعد البيعة ليدل على المحبة والولاء والصدق والإخلاص لهذا الوطن قيادة وشعباً مصممين على المسير على نهج القرآن والسنة وجعلهما دستورهم والإسلام منهج حياتهم ودولتهم والسعي لرفعة ورفاهية المواطنين فهنيئاً لنا بهذه القيادة الرشيدة والحكيمة، وأسأل الله العلي القدير أن يبارك الجهود والمساعي الخيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وبقية إخوانهم الأمير نايف بن عبدالعزيز والأمير سلمان والأمير سطام والأمير أحمد وكافة الأسرة وأسأله سبحانه أن يرزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق وتدلهم إليه وأن يبعد عنهم بطانة السوء وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه ويريهم الباطل باطلاً ويعينهم على اجتنابه وأن يجمعهم على الحق ويبقيهم للإسلام والمسلمين عزاً ونصرة وذخراً إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(*) رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدار البيضاء عمل خادم الحرمين الملك فهد - رحمه الله - على توسعة الحرمين الشريفين وإشرف عليها بنفسه خدمة لضيوف الرحمن
|